أميركا ترفض المواجهات العسكرية وتتجه نحو الحلول الدبلوماسية

2024.07.08 | 05:06 دمشق

الجولان
+A
حجم الخط
-A

لا شك بأن منطقة الشرق الأوسط تعيش في حالة أزمة منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 من تشرين الأول، وانضمام القوى المؤيدة للمشروع الإيراني لهذه العملية تحت شعار مساندة غزة ومنع العدو من التفرد بغزة وأهلها. وكانت الساحة اللبنانية قد انضمت تلقائياً إلى هذه الجبهة منذ 8 من تشرين الأول تحت نفس الذريعة ريثما يرفع يده عن غزة.

وفي إطار ارتفاع وتيرة التصعيد المتبادل بين الطرفين "الإسرائيلي وحزب الله" بدأت الهوة تتسع ووتيرة المواجهات ترتفع، مما ساهم في استخدام كل الوسائل الحربية والتكنولوجية والدعائية والنفسية في هذه الحرب بين الطرفين.

فإذا كانت الحرب التي تحدث في غزة أخذت ضوءًا أخضر عالمي بعدم الاعتداء على الكيان الصهيوني، ونالت تغطية واضحة من قبل المجتمع الدولي الذي تضامن مع الكيان، واستطاعت إسرائيل أن تنقض بهذه الوحشية على غزة وأهلها رغبة منها في تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار محاسبة حماس وجناحها العسكري. إلا أن القضية مختلفة في لبنان، بالرغم من وصول الأزمة إلى مرحلة عالية من التصعيد الذي بات يشكل خوفًا وقلقًا لدى الرأي العام اللبناني والعالمي، والخوف من أي مغامرة عسكرية تؤدي إلى حرب واسعة.

لكن المؤشرات كلها لا تشير إلى أن هناك حربًا واسعة في القريب العاجل لانعدام رغبة دولية بالتصعيد وإعطاء إسرائيل ضوءًا أخضر لممارسة أعمالها العنيفة ضد لبنان، بالرغم من محاولة إسرائيل أخذ هذا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، والتي كانت قد ترجمتها زيارة بني غانتس إلى واشنطن ومقابلة نظيره لويد أوستن ومطالبته بفك الحجز عن السلاح الذي يجب أن تتزود به تل أبيب، وكذلك تفعيل قرار الكونغرس والإدارة الحالية بإعطاء المساعدات المالية التي أُقرّت لتل أبيب في شهر أبريل/نيسان الماضي كمساعدات عسكرية اقتصادية والبالغة ستة وعشرين مليار دولار.

فكانت إجابات بني غانتس بأن إسرائيل منفتحة على كل المحاولات، وهي تريد السلام والأمن، وإذا ما فُرضت فكل الخيارات متاحة. وهذا يتطابق مع تصريحات بنيامين نتنياهو القائمة على أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب، وإنما تريد خطة سلام وفقاً للقرارات الدولية التي تحمي حدودها، وتعيد الأهالي إلى مستعمراتهم في الشمال. وهذا الخطاب أُطلق قبل الذهاب إلى واشنطن من أجل إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي.

الولايات المتحدة بشقّيها السياسي والعسكري لا تريد الحرب، وإنما تحاول استنباط الحلول الدبلوماسية التي لم تنتهِ بعد، بالرغم من التصعيد المستمر من المتطرفين، لكن هذا التصعيد لا يزال مضبوطًا ضمن دائرة الاشتباك التي ترفع الوتيرة وتخفضها بحسب الفعل وردة الفعل. "الحزب" يطلق الصليات الصاروخية الدائمة على مناطق محددة وخاصة في الرد على عمليات الاغتيال وضرب المواقع وطرق الإمداد.

هذا يعني بأن الحرب الواسعة غير محتملة طالما حُدّدت قواعدها ونُظمت طرق ردّها واستخدامها. إذ لا توجد مؤشرات منطقية على اندلاع مواجهة كبرى بين الطرفين المتحاربين تؤدي إلى خسارة واضحة لهما، وخاصة أن الجانب الإيراني منذ اندلاع حرب غزة قد أعطى الكثير من الإشارات بأنه لم يكن على علم بما تفعله حماس، وتنصل منها سريعًا، أي التهرب الواضح من المواجهة، بالرغم من الخطابات السياسية عالية النبرة من جانب المحور الإيراني. بينما كانت إيران تحاور الولايات المتحدة بالطريقة المباشرة أو غير المباشرة، وحتى عندما تم استهداف السفارة الإيرانية في سوريا كان الرد متفقاً عليه ومدروسًا.

وهنا لابد من الإشارة السريعة إلى مواقف إيران عبر وزير الخارجية الإيراني المكلف علي باقري كني، بأن الخلاف الإيراني الأميركي هو فقط على النفوذ، لتعيد إيران عبر بعثتها في الأمم المتحدة توجيه رسالة للولايات المتحدة بأن "حزب الله" قادر وحده على المواجهة، ولديه ما يكفيه لذلك من القوة، وهي لن تتدخل مباشرة.

أما "حزب الله" الذي انخرط في المعارك كشريك في المواجهة ضمن شعار "وحدة الساحات"، فقد حدد دوره الذي يقتصر على المساندة التي بدت خجولة ومحدودة جدًا إلا في حالات الرد على العمليات التي تستهدف قيادته. كما أنه صرح عدة مرات بأنه لم يكن يعلم ولم ينسق مع ما تفعله حماس.

إيران تطالب بمكان لها في المفاوضات القادمة، و"الحزب" يريد حوافز معينة له في الداخل اللبناني ابتداءً من إعطائه الشرعية لتسمية الرئيس القادم. ومن هنا نرى بأن التسوية لم تجهز بعد ولكن البحث لا يزال قائمًا بظل التصعيد والمحاولات الأميركية للتسوية الدبلوماسية

إن قواعد الاشتباك المتصاعدة بقيت مضبوطة بالرغم من التصعيد المتبادل واستخدام المتصارعين الحروب النفسية في دعايتهم التحريضية من أجل شدّ عصب البيئة الحاضنة للطرفين.

وهنا يطرح السؤال التالي: "هل يمكن أن ينزلق الوضع في لبنان إلى حافة الهاوية بظل هذا التصعيد بين الطرفين؟" يمكن القول إنه ربما يحدث خطأ معين ما يأخذ الجميع نحو المواجهة التي قد يتم ضبطها سريعًا، لأن الطرفين يعرفان جيدًا أن الحرب الكبرى غير مرغوبة دوليًا والرغبة الدولية تتجه نحو الحلول الدبلوماسية. ومن هنا نرى أن الأطراف المتحاربة ترفع مطالبها عاليًا لمعرفتها جيدًا بأن الصفقة السياسية للأزمة لم تنضج حتى اللحظة، لذلك ترفع من شروط مطالبها بالنيران ريثما تنضج الصفقة السياسية، فعندها يكتمل المشهد للحلول الدبلوماسية، ليذهب الجميع إلى تسوية، وهذه التسوية متصلة بعدم الرغبة الدولية بالحرب، لأن الأطراف يدركون أنهم غير قادرين على إنتاج أي نصر بالحرب وخاصة أننا صرنا في بداية الشهر العاشر لهذه الحرب.

فالموقف الأميركي بالطبع سيكون إلى جانب إسرائيل في حربها التي ستخوضها بحال فُرضت عليها، لكن غياب الغطاء الدولي، وغياب الغطاء من اللوبي اليهودي هو المانع الأساسي للحرب طالما أن نتنياهو وفريقه لم يستطيعا تحقيق انتصارات سريعة للكيان الإسرائيلي، لأن أي حرب مع لبنان لن تساعد إسرائيل وتلمع صورتها، بل ستكون حربًا تدميرية سيدفع الجميع فيها أثمانًا غالية.

إن الدبلوماسية الأميركية تتوافق مع الدبلوماسية الغربية في محاولة جادة لسحب فتيل الأزمة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية والتفتيش عن حلول دبلوماسية. لذلك كانت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان لمناقشة المبادرة الأميركية-الفرنسية المعدلة قائمة على ثلاثة بنود: البند الأول التوصل إلى اتفاق أمني ينهي مأساة الناس على الحدود بين البلدين وإعادتهم إلى بيوتهم، وبالتالي الحصول على حوافز اقتصادية تتعلق بالإعمار والكهرباء والتعويض على السكان عن طريق المجتمع الدولي. وهذا يقدم كانتصار "لحزب الله"، ويمكن التغني به كما تغنّى بصفقة ترسيم الحدود البحرية مع نفس المفاوض. أما النقطة الثانية فتتعلق بتموضع قوات "الرضوان" العسكرية "لحزب الله" وإعادة انتشارها شمال منطقة الليطاني، وتطبيق القرار 1701 وتسليم الجيش اللبناني والقوات الدولية القرار في هذه المنطقة.

النقطة الثالثة متعلقة بترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل التي لا تزال في محل خلاف وهي 13 نقطة ويجب بذل جهود دولية فعلية لحل هذه المشاكل، وربما زيارة وزيرة الخارجية الألمانية تأتي لتفعيل الجهود الدولية لإنضاج خطة سلام حقيقية.

لكن "حزب الله" وإيران ربطا التهدئة في الجنوب بإنهاء الحرب في غزة، وإيران تطالب بمكان لها في المفاوضات القادمة، و"الحزب" يريد حوافز معينة له في الداخل اللبناني ابتداءً من إعطائه الشرعية لتسمية الرئيس القادم. ومن هنا نرى بأن التسوية لم تجهز بعد ولكن البحث لا يزال قائمًا بظل التصعيد والمحاولات الأميركية للتسوية الدبلوماسية.

لكن الرفض العالمي والأميركي لأي عملية عسكرية ضد لبنان بات واضحًا وإن أتى من خلال استراتيجية أميركية وغربية سابقة تم التوافق عليها في العام 2019-2020 لإحلال السلام العالمي في المنطقة والوصول إلى خطة سلام لإنهاء الصراعات المحورية في المنطقة والتفرغ لإدارة المواجهة القادمة مع الصين. ويمكن الوقوف أمام الاتفاق الإيراني السعودي الذي حد من لهجة التوتر في المنطقة، وبالتالي إنهاء موضوع غزة والحرب اللبنانية يأتي في صلب الاستراتيجية الدبلوماسية الأميركية. ومن هنا نرى التمسك الأميركي بالتفتيش عن حلول دبلوماسية لإنهاء الأزمة بأسرع وقت، وهذا ما عبّر عنه وزير الدفاع في لقائه مع غانتس بأن الرغبة الأميركية تتجه نحو الحلول الدبلوماسية.

وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي في لقائه مع القيادة الإسرائيلية في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل بأن عليكم التفكير السريع باليوم التالي لما بعد الحرب في غزة، وهذه المهمة الصعبة لنتنياهو وفريقه في التوافق على كيفية الإدارة القادمة لغزة والمعابر وتأمين الحياة الإنسانية للشعب الفلسطيني في القطاع.