ميكافيلية بشار الأسد والبقاء الدائم في السلطة

2024.07.01 | 06:11 دمشق

 ميكافيلية الأسد والبقاء  الدائم  في السلطة
+A
حجم الخط
-A

 يتساءل كثيرون عن موقف النظام السوري من الحروب التي تستعر في الشرق الأوسط على مدار تسعة أشهر نتيجة لعملية "طوفان الأقصى" في غزة، والتي امتدت إلى دور المحور المدعوم من نظام الملالي في إيران. باتت الجبهة مفتوحة من البحر الميت حتى لبنان عبر الأذرع الولائية التي تخوض الحرب نيابة عن طهران لتحسين شروط تفاوضها المقبل مع واشنطن. ومع ذلك، كان من المفاجئ غياب النظام السوري عن الحدث الحربي والسياسي منذ إطلاق الشرارة الأولى في غزة، بالرغم من أن الميليشيات الإيرانية تستبيح الأراضي السورية وتحاول استخدامها في المواجهة.

النظام السوري اختار لنفسه دور المراقب لما يحدث في المنطقة بعد السابع من أكتوبر، محاولاً إرسال رسائل للغرب عبر عدم إثارة غضب إسرائيل وواشنطن، من خلال تمييز نفسه عن القوى والحشود الإيرانية وعدم تعريض سوريا لضربة عسكرية، لتقديم أوراق اعتماده في أي تسوية مقبلة.

يتضح أن السلطات الأمنية التابعة للنظام السوري قيدت تنظيم أي تظاهرة أو وقفة للتضامن مع غزة منذ بداية الحرب، كما شمل التضييق الأمني الفلسطينيين، حيث تم رفض أي وقفات تضامنية، ومنع تنظيم وقفة لإضاءة الشموع من قبل الأطفال في المخيمات الفلسطينية، نصرة لأطفال غزة وشجباً للعدو الصهيوني وإجرامه. شمل المنع كل الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام الموجودة على الأراضي السورية خوفاً من رد الفعل الإسرائيلي.

هذه الإجراءات تثير كثيراً من الأسئلة ولا تتماشى مع الشعارات التي يطرحها النظام السوري، والتي تدّعي أن فلسطين هي القضية المركزية لأفكاره القومية. يبدو أن النظام السوري يحاول التوازن بين الأميركي والإيراني في هذه الحرب، مستفيداً من الفرص القادمة من الطرفين عبر الهوامش المطروحة أمامه، مستخدماً سياسة المراوغة التي يتقنها منذ أيام الأسد الكبير، والذي كان يعتبر نفسه حاجة مهمة في المنطقة.

السؤال المطروح الآن: هل يحاول الأسد فك الارتباط مع النظام الإيراني؟ الأسد يدرك أن الاستسلام لنظام الملالي والحشد الولائي يعني الذوبان داخل الهيمنة الإيرانية، ولهذا يفضل التملص التدريجي من القبضة الإيرانية والتوجه نحو الغرب والعرب لزيادة أهمية نظامه، مما يجعله مطلوباً أكثر من الطرفين.

النظام السوري لا يمكن مقارنته بالنظام الإيراني لأننا يجب أن نميز فعلياً بين النظام السوري ونظام المرشد الأعلى. النظام السوري صعب السيطرة عليه أيديولوجياً، لأنه يتبع النظرية الميكافيلية، يقرأ المرحلة بحسب الظروف. له سجل حافل بتغيير المواقف، وهو نظام بعثي وقومي عند الطلب لكنه براغماتي. أسس مدرسته العسكرية وفقاً لقواعد سوفييتية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اتجه إلى الغرب وأرسل قواته للمشاركة في عاصفة الصحراء، وبعد انتهاء حرب الخليج، قبض النظام السوري الثمن بتلزيمه لبنان، مما قربه من الأميركيين. تحدث عن الاشتراكية والقومية وتحرير فلسطين، لكنه تحالف مع إيران ونظامها المذهبي. تبنى الأسد الابن كل حركات المقاومة لكنه حرمها في أرضه المحتلة. شعاره الدائم هو الرد في الزمان والمكان المناسبين.

النظام السوري لا يمكن مقارنته بالنظام الإيراني لأننا يجب أن نميز فعلياً بين النظام السوري ونظام المرشد الأعلى. النظام السوري صعب السيطرة عليه أيديولوجياً، لأنه يتبع النظرية الميكافيلية، يقرأ المرحلة بحسب الظروف. له سجل حافل بتغيير المواقف، وهو نظام بعثي وقومي عند الطلب لكنه براغماتي

قاتل شعبه وضربهم بالبراميل المتفجرة وتحالف مع الروس ضد شعبه وضد حريته، لأن الروس يؤمنون له السلاح والفيتو في الأمم المتحدة. إنه تحالف ثنائي الأجنحة: إيراني مذهبي وروسي أممي. 

لكن الميكافيلية الأسدية ترى الآن أن الروس والإيرانيين لا يستطيعون رفع أي بند من العقوبات أو رفع الحصار عن نظامه، بينما لا يقدم النظام العربي أموالاً للنظام من دون تغيير فعلي في سلوكه ووضع حد للميليشيات الإيرانية، مما دفعه لعدم الدخول في مواجهة مع العدو الإسرائيلي لاسترضاء الغرب وفتح خطوط الحوار معهم ومع العرب وابتزاز إيران من دون فك الارتباط معها.

استراتيجية الأسد تكمن في بقائه في السلطة والحفاظ على عرشه عبر ضمانات فعلية من خلال فتح الحوار المباشر مع الأميركيين وغير المباشر مع الإسرائيليين. الضغط الأميركي قد يفتح باب التحاور مع المعارضة ضمن توجهاته الخاصة، لإبقائه في السلطة وتزيينها بمعارضة على قياسه. يدرك الأسد أن الضغط الدولي على إيران يتطلب الخروج من العباءة الإيرانية عبر إرسال رسائل متعددة للغرب والأميركي لفتح الحوار، خاصة أن الوجود الإيراني بات عبئًا فعليًا عليه.

الصمت الذي سيطر على وجوده في قمة البحرين كان رسالة واضحة للمجتمعين العرب والغرب بأن المنظمة التي تحالف معها قد تخطت حدود المكان بعد حرب غزة، وأصبح يرى نفسه خارجها، مما أعطى إشارة واضحة لدول الاعتدال العربي، وتحديدًا المملكة السعودية، بالالتفاف حوله ومحاولة جديدة لفصله عن النظام الإيراني من خلال تقديم عدة حوافز صغيرة. من هنا جاء تعيين المملكة العربية السعودية لسفيرها في دمشق فيصل المجفل بعد انقطاع دام 12 عامًا من إغلاق سفارتها في دمشق، والذي يعتبر بمنزلة مكافأة للأسد على قتل الشعب السوري.

لكن في السياسة، تختلف الأمور. فهذه الخطوة تعتبر مؤشراً مبدئياً لإعادة سوريا إلى الطاولة العربية واستئناف العلاقات الدبلوماسية، ومهمة لضرب الغزو الثقافي والأيديولوجي والعسكري الإيراني الذي بات يتحكم بسوريا ومصيرها. إذن، إنها الحرب الناعمة التي تهدف إلى استرجاع الدول العربية المحتلة من قبل إيران إلى الحاضنة العربية، وسوريا من ضمنها. قد يكون مفهوم الاستعادة هو شعار المرحلة المقبلة التي تتخللها لاحقاً الإصلاحات المطلوبة للشعب والثورة السورية.

النظام السوري يعاني من أعباء كثيرة داخلية وخارجية، والحصار الخارجي أنهك النظام ووضعه في أزمة اقتصادية خانقة حتى إن المناطق الموالية باتت تعترض على سياسته الداخلية وتركيبته الوزارية. هروب رؤوس الأموال السورية من داخل سوريا والتفتيش عن أماكن آمنة أضعف النظام. الارتباط مع إيران أصبح يشكل أزمة داخلية للنظام، خاصة بعد تدخل الميليشيات في تركيبته وأجهزته الأمنية التي باتت تعاني من تصدع وانقسام بين الأجهزة التابعة لإيران والأجهزة التي ترتمي في أحضان الروس من أجل حمايتها من الميليشيات.

إن تصنيف نظام الأسد كنظام الكبتاغون يعني أن المافيات المحلية والدولية تسيطر عليه وعلى تركيبته الأمنية والعسكرية، مما يضعف دوره وقدرته على المواجهة والنهوض. إيران تشكل سلطة موالية لها ومرجعيات خارجة عن سلطته، مما يعزز مفهوم الدويلة على حساب الدولة. بالإضافة إلى حراك الأقليات الذي يهدد وجوده ودوره، مثل حراك السويداء، والذي أطلق النار على شعاراته.

فك الارتباط من قبل الأقليات سيضعف سلطته ودوره، بالإضافة إلى التغيير الديمغرافي من خلال نشر التشيع الفارسي الذي يضعف سلطته ويجعل طائفة السنة أقلية تذوب داخل المد الإيراني. النظام السوري الذي لعب على الخلافات الخارجية أصبحت كل الألعاب واضحة ومكشوفة للجميع وتمت محاصرتها، مما جعله يحاول التوجه إلى الغرب من أجل البقاء، لأن الحليف الإيراني تجاوزته المرحلة الحالية وبات من الأفضل الخروج من المعركة بأقل الخسائر.

النظام السوري الذي يصعب تغييره أيديولوجياً، ينتظر زعيمه البراغماتي بشار الأسد إشارة أميركية واضحة لإعادة تأهيله في سوريا وإعطائه دوراً جديداً في المنطقة من خلال تقديم العون العربي والغربي له. لكن الأسد يبقي إيران في الاحتياط من أجل الابتزاز وأخذ المطلوب من الغرب.

من هنا، نرى أن النظام السوري يعيش أوقاتاً صعبة جداً حيث بات الخناق يضيق عليه، فهو بين محور الممانعة والعودة إلى الأحضان العربية من خلال تقديم تنازلات حاول التملص منها سابقاً. يمكن القول إن سوريا ونظامها يعيشان مرحلة صعبة جداً نتيجة للعديد من الأحداث السياسية التي باتت غير مقبولة، وعلى النظام اتخاذ القرارات السريعة بشأنها، مما أثار العديد من التساؤلات عن توجهات رأس النظام وإمكانية حدوث انعطاف فعلي بظل الأحداث الجارية في المنطقة والعالم، خاصة بظل التهديد الإسرائيلي بتوجيه ضربة قاسية للبنان وشعبه تنهي قدرات حزب الله العسكرية واللوجستية وتفرض ترسيماً جديداً وتطبيق قوانين وقرارات دولية. 

بات الأسد يحاول الابتعاد عن هذه القرارات وعدم تأييدها السياسي والدبلوماسي واللوجستي. كيف سيكون الرد الإيراني على الانعطاف السوري؟ الاكتفاء فقط بالمطالبة بالديون التي أعلنت عنها مؤخراً، أو الدخول في اشتباكات داخلية بين النظام وأجهزته ضد الميليشيات في محاولة تحجيمها والحد من دورها؟

بهذه الفرصة، تنشغل إيران في حربها مع إسرائيل، ويمكن للأسد الحد من قدراتها وإخراج ميليشياتها، لأن قلق طهران كبير من تجاوب دمشق مع مؤشرات الانفتاح الغربي عليها، والتي عبرت طهران عملياً عن رفضها لهذا التقارب، وشنت هجوماً واضحاً على الأسد في أثناء حضوره القمة العربية في البحرين، مما دفع بالأسد لعدم حضور جنازة رئيسي وتأخره عن تقديم واجب العزاء للمرشد، الحليف الفعلي للنظام.