عاد ملف اللجوء السوري في لبنان إلى الواجهة مجدّداً في ظل المخاوف من موجة لجوء جديدة ارتفعت وتيرتها، منذ آب الماضي، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا.
إذ تفيد تقارير أمنية لبنانية بأنّ نحو 22 ألف لاجئ سوري جديد دخلوا لبنان عبر المعابر غير الشرعية، منذ بداية العام الحالي، ثمانية آلاف منهم فقط خلال شهر آب الفائت.
وعلى وقع تصاعد الضغوط السياسية الداخلية والمطالبات باتخاذ إجراءات أكثر صرامة جرى استنفار حكومي وأمني لوضع حدٍّ لموجة جديدة من اللجوء السوري، التي يُخشى منها زيادة خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين، وتعريض حياتهم للخطر، لا سيما في حال ترحيلهم قسراً إلى سوريا التي ما تزال غير آمنة لهم، خصوصاً المعارضين منهم للنظام السوري.
قرارات حكومية
قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية لزيارة النظام السوري ومتابعة قضية اللجوء، خلال 15 يوماً، (علماً أن هذا القرار عطّلته سابقاً خلافات بين الوزراء حول صلاحية إدارة الملف)، ومن المقرّر أن تُقدَّم نتائج هذه الزيارة إلى المجلس في نهاية أيلول الحالي لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وقد أسفر الاجتماع الحكومي عن جملة قرارات مفصّلة تتعلّق بملف اللجوء السوري الجديد ضمن مستويات أمنية وعسكرية وعلى مستوى البلديات، وضمّت ضبط الحدود بتعزيز نقاط التفتيش واستهداف شبكات التهريب ومنع دخول اللاجئين السوريين بطرق غير شرعية، واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم وإعادتهم إلى بلادهم وتكثيف اجتماعات المحافظات الحدودية المعنية.
وشملت القرارات أيضاً، التبليغ عن أي تجمعات مشبوهة للاجئين، وإجراء مسح للقاطنين وتكوين بيانات عنهم، وإزالة مخالفات البنية التحتية، وقمع مخالفات المحال المستثمرة من قبل اللاجئين، والتشديد بقانون السير وإحالة جميع المخالفين إلى القضاء، واستعجال الحركة القضائية والمحاكمات التي تخفف من اكتظاظ السجون واتخاذ إجراءات مناسبة لترحيل المحكومين السوريين بمراعاة الاتفاقيات والقوانين ذات الصلة.
إلى جانب ذلك، الطلب من "الجمعيات كلها، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها".
وطُلب من وزارة العمل "التشدد في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل والأنظمة مرعية الإجراء، رفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية تمهيداً لإدراجها في موازنة العام 2024 الجاري بحثها".
ولم تسلم وزارة الإعلام، حيث وجّهها مجلس الوزراء إلى إطلاق حملات توعية من مخاطر اللجوء على المجتمعين السوري واللبناني، وحث المواطنين على التعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية للقبض على عصابات التهريب على الحدود.
قرارات عشوائية غير منسقة
عن الإجراءات الحكومية، قال الباحث القانوني في جمعية "كلنا إرادة" علي مراد، في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "القضية مرتبطة بأمرين القرار السياسي وتحلّل الدولة، فاليوم قطاع العمل في لبنان هو قطاع غير منظم بالنسبة للبنانيين وبالتالي هناك أزمة بنيوية، فلا قواعد تحدد وتتحكم بفتح المحال التجارية وتنظيمها حتى أن اللبنانيين غير مسجلين في الضمان".
وأضاف أنّه "إذا كانت الدولة اللبنانية فعلا تريد حلّ هذا الملف، فهي تستطيع بقرار سياسي وهي قادرة أن تطلب تمويلاً لتنظيم سوق العمل، بطريقة تزيد الواردات من جهة وتوقف حتى استغلال اليد العاملة السورية ووضعها في موقع المنافسة مع اليد العاملة اللبنانية، وتنظيم الأعمال التجارية للسوريين في لبنان"، مردفاً: "هذه الحلول المتعلقة بتنظيم سوق العمل فيها مصلحة للعمال اللبنانيين وأيضا السوريين".
ورأى أن "تنظيم سوق العمل ليس فقط من خلال فرض الحصول على التراخيص والرسوم والضرائب، علماً أنّه من ضمن حقها السيادي وضمن هامش التزاماتها الدولية، لكن الأهم فهو بأي إطار تتخذ هذه القرارات"، مشيراً إلى أنّها "كلها قرارات عشوائية غير منسقة دون وجود رؤيا شاملة وهي فقط تجاوب لردود الفعل ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي".
التواصل الثنائي لن يحل أزمة اللاجئين
حول زيارة سوريا والعلاقة مع النظام السوري ذكّر مراد بالبديهيات وأن النظام هو المسؤول عن تهجير السوريين بشكل ممنهج، وهو حتى اللحظة لم يعطِ إشارة جدية لرغبته في عودة اللاجئين، كما أشار إلى عدّة مستويات:
- أولاً: النظام هجّر شعبه بطريقة ممنهجة ولا يريد عودتهم بعد فرزه الطائفي، ولا يريد التنازل عن مصالحه.
- ثانيا: إذا كان هنالك جدية لدى النظام السوري في إعادتهم فهو يريد مقابل ذلك شيئين: اعتراف وعودة إلى المجتمع الدولي ودعم مالي.
وأكّد أنّ "هاتين النقطتين لا يستطيع لبنان تأمينهما للنظام السوري، بالتالي مَن يظن في لبنان أنّ الحوار الثنائي مع النظام سيسهل عملية إعادة اللاجئين فهو مخطئ".
إلى ذلك أشار مراد إلى أن "النظام السوري لم يعد يحكم مناطقه، فالسلطة المركزية حتى في مناطقه تلاشت، بمعنى أن مَن يحكم سوريا على الأرض اليوم عصابات أمنية وغير أمنية تتولّى تصنيع وبيع الكبتاعون وصولاً إلى تهريب البشر والاتجار بهم، كذلك توصيلهم إلى الحدود اللبنانية".
لبنان لا يستطيع انتظار الحل السياسي
فيما يتعلق بموجة اللجوء السوري المستجدة، قال مراد: "لا شك أن ملف اللاجئين السوريين يشكّل ضغطاً على المجتمع اللبناني، ويشكّل أزمة بعد 15 عاماً على الحرب، والحديث عن أنّ العائدات أكثر من كلفة هذا اللجوء هو خاطئ".
وتابع: "في أي مجتمع في العالم يدخل إليه أكثر من ثلث سكّانه وهو معافى سيتعرض لضغوطات فكيف في زمن الانهيار"، مردفاً: "لذا علينا أنّ نعترف كلبنانيين وسوريين حريصين على العلاقة اللبنانية السورية أن هذا الملف يشكل إشكالية وثمة حاجة للتفكير بعقل الـ2023، لا أن نبقى أسرى الـ2011، وهنا نتحدث عن المعارضة السورية ومعارضي النظام في لبنان، فلا يمكن التغاضي عن أهمية هذا الملف وإعادة سردية 2015 و2014".
"على الدولة اللبنانية ضبط حدودها"
أكّد مراد على أن "الوضع في سوريا لا أفق لحله، بالتالي لا يمكن القول إن على لبنان فقط ضمان حقوق اللاجئين وغيرها من دون وضع أفق، علينا في الحد الأدنى البحث عن سبل الحل".
وتابع: "اليوم الوضع الاقتصادي في سوريا ينتج عنه موجات لجوء جديدة إلى لبنان، وهنا يأتي دور الدولة اللبنانية التي يجب أن تتخذ قراراً بضبط حدودها وتنظيم هذه المسألة، وقراراً بتسجيل اللاجئين والولادات وعقود الزواج لأنّ في هذا مصلحة للبنانيين والسوريين على حد سواء، وأن يكون للبنان سياسة خارجية واضحة ليدافع عن مصالحه في إدارة هذا الملف والبحث عن إيجاد حلول من الآن بانتظار الحل السياسي لسوريا، وأن لا يلوم الآخرين الذين يهربون بحثاً عن فرص للحياة".
ورأى أن "المجتمع الدولي لا يستطيع القول للبنان أن يُبقي الحال على ما هو عليه حتى إتمام الحلّ السياسي، ومن جهة ثانية، لا يمكن أيضاً أن تقول بعض الجهات السياسية ليعد اللاجئون مهما كان الثمن، فحتى اليوم لا قدرة للدولة اللبنانية حتى إن أرادت إعادتهم فهي غير قادرة داخلياً من جهة، ومن جهة ثانية النظام لن يتعاون".
"يجب تفهم هواجس الشعب اللبناني ولكن.."
وشدّد مراد على أن أزمة اللجوء هي مسألة تتحمل مسؤوليتها الدولة اللبنانية في طريقة إدارة الملف وهو يشبه فشلها في كل الملفات الأخرى، وكل الخطاب الشعبوي الذي يضع الفقراء اللبنانيين في مواجهة الفقراء السوريين، هذه التعبئة يجب التصدي لها، ولكن في الوقت نفسه يجب تفهّم هواجس الشعب اللبناني وألا نتهم كل مَن يثير هذا الملف بالعنصرية".
وأضاف "يمكن للدولة اللبنانية تبنّي سياسة واضحة لتحرك داخلي وإقليمي ودولي يحسن من شروط أزمة اللاجئين وتتحرك لضمان حق عودتهم، وأن تحترم قواعد القانون والالتزامات الدولية، يمكن الاستفادة من التجربة الأردنية في إدارة ملف اللاجئين".
وبحسب مراد فإنّ التواصل الثنائي لن يحل مسألة اللاجئين التي تحل بأن يكون للبنان سياسة خارجية فعالة، مشيراً إلى "زيارة الرئيس ميشال عون للنظام السوري، وحتى اليوم لم نحصل على معلومة واحدة تخص المفقودين اللبنانيين، لذا فالتطبيع السياسي مع النظام وعرضه كأنه يفيد في حل الأزمة لن يجلب نتيجة، فالعلاقة الثنائية تًجمّل وضع النظام فقط، وإن أعاد الأخير ألف لاجئ أو حتى ثلاثة آلاف، فنحن نتحدث عن مئات الآلاف".
أسباب اللجوء
تأتي اليوم الموجة الجديدة تحت عنوان تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع رفع الدعم وانهيار الليرة السورية من جهة، ومن جهة ثانية التظاهرات التي تخرج من جديد في سوريا مطالبة بإسقاط النظام التي انطلقت شرارتها من السويداء واحتمال تطور الأوضاع في الأيام المقبلة إلى ما يشبه مجريات العام 2011.
ناهيك عن ذلك فإن قسماً من اللاجئين السوريين يدخلون إلى لبنان بهدف الهروب لاحقاً نحو أوروبا عبر البحر، لا سيما وأن هذا النوع من الهجرة قد نشط مؤخراً، وأكثرية المهاجرين من السوريين.
وبحسب المعلومات فإنّ شهري أيلول وتشرين الأول سيشهدان مزيداً من الرحلات لأن الظروف المناخية تكون هي الأنسب للإبحار، إذ يستغل المهرّبون هدوء البحر والأمواج لتأمين انطلاقة آمنة لمراكبهم.
وهناك شبكات تدير عمليات تهريب البشر عبر الحدود ومن ثم تسفيرها إلى الخارج عبر مراكب غير شرعية مقابل مبالغ تصل في كثير من الأحيان إلى 10 آلاف دولار على الشخص الواحد، وهذه الشبكات التي تنشط على طول الحدود وخصوصا في منطقة الشمال، هي محل ملاحقة مستمرة من قبل الأجهزة الأمنية.
يشار إلى أنّ السلطات اللبنانية نظّمت عبر جهاز الأمن العام، في وقتٍ سابق، حملات عودة لللاجئين بعنوان "العودة الطوعية" للسوريين إلى بلدهم، غير أنّ منظمات حقوق الإنسان تعتبر هذه العودة قسرية.
تجار البشر
أشار مركز "وصول" لحقوق الإنسان (ACHR) إلى أن الحملة الأمنية التي استهدفت اللاجئين السوريين في لبنان، وتسببت في ترحيلهم قسراً، أسهمت في تصاعد حالات الابتزاز المالي عبر الحدود من قبل تجار البشر.
وقال المركز إنّ "عدد ضحايا الترحيل القسري منذ بداية الحملة الأمنية في نيسان الماضي، إلى حزيران الماضي، بلغ 365، في حين بلغ عدد ضحايا الاعتقال التعسفي 841".