ملخص:
- انتشار الأوراق النقدية القديمة من فئات الألف والخمسمئة ليرة في أسواق دمشق بشكل كثيف، رغم تلفها بسبب طول فترة التداول.
- ضخ كميات ضخمة من هذه العملات القديمة والتالفة من قبل مصرف سوريا المركزي عبر شركات الحوالات وبعض الرواتب دون توضيح السبب.
- النقود القديمة لا تُقبل في التعاملات التجارية بشكل واسع، ولا تقبلها البنوك أو ماكينات الدفع الإلكتروني بسهولة.
- هناك احتمال أن يكون الهدف من ضخ هذه العملات هو دفع الناس للتوجه نحو الدفع الإلكتروني لتخفيف الأعباء المرتبطة بالتعامل بالنقد الورقي.
- الخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل يرى أن هذا الإجراء هو نتيجة لسياسة حبس السيولة التي يتبعها المركزي، ويهدف للحد من نقل الأموال بين المحافظات وتقليل عمليات تصريف العملات الأجنبية.
تشهد أسواق دمشق انتشارا كثيفا لأوراق نقدية قديمة من فئة الألف ليرة والخمسمئة ليرة (إصدار عام 1998-1997) وهي الشكل القديم لهذه الفئات قبل إصدار طبعة جديدة عام 2013 بشكل مختلف.
هذه الفئات القديمة جداً أصيبت بالتلف نتيجة كثرة تداولها خلال أكثر من ربع قرن، وتراجع وجودها في السوق بعد إصدار الطبعات الجديدة وفئات الألفي ليرة والـ5 آلاف ليرة لكن ضخها عاد من جديد.
من غير المعلوم سبب طرح هذه الكميات الضخمة من العملة التالفة والقديمة في الأسواق من خلال شركات الحوالات أو حتى بطرحها كرواتب لبعض الموظفين بقرار من مصرف سوريا المركزي، إذ أكد عاملون في شركات حوالات بدمشق لموقع تلفزيون سوريا، أن المركزي أرسل لهم هذا الشهر كميات ضخمة من الأوراق النقدية القديمة والتالفة، دون توضيح السبب.
نقود غير قابلة للتداول في أسواق دمشق
تلك الفئات من العملات لا تقبلها ماكينات سيريتل وإم تي إن التي تغذي حسابات الدفع الإلكتروني عبرهما، ولا تقبلها البنوك غالباً أو تقوم بقبول جزء بسيط منها، ولا يقبلها كثير من الباعة في الأسواق، فهي عملات شبه تالفة وغير قابلة للتداول التجاري نتيجة حجمها الكبير وصعوبة عدها كون أغلب العدادات النقدية لا تقبل عدها.
وفي أيار الماضي، طلب "البنك المركزي" من المصارف العاملة الالتزام بتسلّم الأوراق النقدية المهترئة المستوفية للشروط، وذلك نتيجة لرفض بعض المصارف تسلّم الأوراق النقدية بما يخالف القانون رقم 23 لعام 2002 ولا سيما المادة رقم 15 التي تؤكد أن الأوراق النقدية تتمتع بقوة إبراء قانونية غير محدودة لتسديد جميع الديون، ولها صفة التداول القانوني، وفقاً لجريدة "الوطن" المقربة من النظام.
يشير العاملون في شركات الحوالات لموقع تلفزيون سوريا، أن هذا الكم الضخم من الأموال التالفة سبب لهم الكثير من المشاكل والخلافات مع الزبائن الذين انهالوا عليهم بالانتقادات، خاصةً وأن الشركات هذه وبتوجيه من المركزي (وفقاً للعاملين) لا تقبل إرسال الحوالات بتلك الأوراق التي سلمتها هي نفسها كحوالات واردة للزبائن الذين لا حول لهم ولا قوة سوى بقولها.
أغلب الأسر السورية تعيش على المساعدات القادمة من الخارج، وبالتالي ضخ الحوالات الواردة عبر العملات القديمة سيغرق السوق. لكن ما السبب الذي قد يدفع مصرف سوريا المركزي لهذا الإجراء؟
الدفع الإلكتروني والتضخم في سوريا
لا يوجد سبب واضح أو معلن حول سبب عودة ظهور هذه الإصدارات من العملة السورية بهذه الكثافة. هناك من يرى أن السبب يعود لإخراج السوريين مدخراتهم المخزنة مجبرين إثر التضخم الكبير في الأسعار، وبعضهم قال إن ذلك محاولة من الحكومة لإجبار الجميع على التوجه نحو الدفع الإلكتروني للتخلص من هذه العملات وصعوبة التعامل معها.
وبالفعل في شباط الماضي، أصدر المصرف المركزي بياناً أكد فيه على إمكانية استخدام كافة الفئات النقدية في التعاملات وأنه في حال عدم قبول أي فئة من الفئات النقدية من قبل أي جهة كانت يمكن تقديم شكوى أصولية إلى مصرف سورية المركزي تتضمن كافة التفاصيل. مع التأكيد على ضرورة توجه المواطنين إلى فتح الحسابات المصرفية واستخدام القنوات الإلكترونية في عمليات الدفع كونها آمنة وغير محددة بسقف وتسهم في التخفيف من المخاطر ومن الأعباء التشغيلية الكبيرة في حمل النقود ونقلها.
لكن، للخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل رأي آخر. وقال "صحيح أن المركزي ضخ أكبر كم من هذه العملات في السوق هذه المرة لكنها ليست المرة الأولى التي يضخ بها تلك الفئات في السوق فقد تكرر ذلك مراراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة".
وأضاف "كل مرة يضخ بها المركزي هذه الفئات يعني ذلك أن مستويات التضخم زادت، وكلما زادت الكمية زاد التضخم".
وفقاً لأبو فاضل، فإن المركزي يلجأ لهذه الفئات لأنه يتبع سياسة حبس السيولة، وتخزين العملات لديه وفي البنوك والمصارف أمر مكلف حيث تزداد مع الأيام كميات السيولة المحتجزة، ولزاماً بات عليه التخلص من الأموال التي تحجز مكاناً كبيراً دون قيمة مقابل حبس الفئات الكبيرة من 5000 آلاف أو الـ2000 ليرة، وهذا ما يبرر عودة أوراق الألف ليرة والخمسمئة ليرة طبعة 2013 التي لم يعد لها قيمة تقريباً والتداول بها صعب جداً نتيجة قلة قيمتها قياساً بالتضخم.
ومن الفوائد التي يحققها المركزي من هذه العملية، هي الحد من نقل الأموال بين المحافظات، حيث يمكن أن يكون نقل مئات ملايين الليرات بهذه الفئات أمر شبه مستحيل. ويعرقل المركزي بهذا الإجراء عمليات تصريف العملات الأجنبية خارج شركات الصرافة وخاصة للمبالغ الكبيرة الخاصة بالتجار والشركات.