icon
التغطية الحية

لماذا يبيع أصحاب الأراضي الزراعية أملاكهم شمالي حلب؟

2024.06.20 | 08:53 دمشق

IMG_7583.JPG
يشكل تخلي الأهالي عن الأراضي الزراعية التي حصلوا عليها بالكد والتعب طوال سنوات عمرهم أمراً في غاية الصعوبة (تلفزيون سوريا)
حلب ـ حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تكررت حالات بيع الأراضي الزراعية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، على الرغم من أنها مصدر دخل أساسي تعتمد عليها شريحة واسعة من السكان المحليين، قبيل اندلاع الثورة السورية، إلى جانب الأعمال المهنية والوظائف في القطاعين العام والخاص في كبرى المدن الرئيسية.

وأحدثت مواجهة النظام السوري للثورة السورية في الآلة العسكرية من جهة، و"تنظيم الدولة" "داعش"، من جهته أخرى، على مدار السنوات الماضية، تبدلات واضحة في النواحي الاقتصادية والمعيشية للسكان، لا سيما توقف الرواتب وانهيار قيمة الليرة السورية، وعدم قدرة السوريين على متابعة أعمالهم لأسباب أمنية، ليغدو الناتج الزراعي مصدر معيشة رئيسي، لكنه اليوم بات لا يغطي تكاليف الزراعة ما أحدث فجوة كبيرة لدى أصحاب الأراضي الزراعية.

الاضطرار لبيع الأراضي الزراعية

يضطر الأهالي في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي إلى بيع أملاكهم من الأراضي الزراعية، بهدف تغطية احتياجات المعيشة ومصاريف الحياة اليومية، وسط الظروف الاقتصادية المتردية التي أطبقت على أنفاسهم جراء استمرار تداعيات الصراع في سوريا.

عمر أبو محمد (65 عاماً) الذي ينحدر من قرية اليمامة الواقعة على الطريق الواصل بين مدينتي مارع واعزاز شمالي حلب، هو واحد من ملاك الأراضي الزراعية الذين اضطروا لبيعها جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية التي بات من الصعب تداركها تزامناً مع الخسائر الفادحة التي طالها القطاع الزراعي متأثراً في التغيرات المناخية التي انعكست على الإنتاج؛ إضافةً إلى الأوضاع الأمنية وعدم استقرار السوق ما جعل المنتوجات الزراعية بين انخفاض وارتفاع.

يقول خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "إن الأرض الزراعية البالغة نحو ثلاثة هكتارات موزعة في مناطق مختلفة، كانت تشكل مصدر دخل رئيسي لعائلتي المكونة من 14 شخصاً بين ابن وابنة، لكنها لم تعد تغطي الاحتياجات المعيشية في السنوات الأخيرة، ما تسبب في تراكم الديون عليَّ".

وأضاف: "أن غياب الموارد المالية من جراء الخسارات المتتالية التي لحقت بالقطاع الزراعي، وتراكم الديون، وحاجته للسيولة المالية لتغطية نفقات المعيشة، دفعه إلى بيع أرضه الزراعية على عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى (قبل عامين تقريباً) باع أرضاً تبلغ مساحتها 18 دونماً على مقربة من قريته، وفي المرحلة الثانية (بداية الشتاء الماضي) باع أرضًا تبلغ مساحتها 5 دونمات".

وأوضح، أنه بقي لديه نحو 5 دونمات، يحاول الحفاظ عليها بعدما فقد معظم الأراضي الزراعية التي كان يملكها، إلى جانب عدد من الماشية (أغنام)، بينما يعمل اثنان من أبنائه في أعمال مياومة متقطعة تصل أجورها إلى 100 ليرة تركية (3 دولارات أميركية) في أحسن الأحوال.

لا يختلف واقع أبي محمد عن واقع آخرين التقى بهم موقع "تلفزيون سوريا"، واضطروا إلى قضم أراضيهم الزراعية بشكل متتالي وفقاً للحاجة المادية والاقتصادية التي كانت تدفعهم إلى البيع.

ويشكل تخلي الأهالي عن الأراضي الزراعية التي حصلوا عليها بالكد والتعب طوال سنوات عمرهم أمراً في غاية الصعوبة، وهم يبررون بيع (شقا العمر) بالحاجة الملحة والضغوط المحكمة التي رافقتهم بين قصف ونزوح وتهجير وتوقف الأعمال ومصادر الدخل الأساسية وانسداد الأفق.

لماذا يبيع الأهالي أرضهم؟

لفهم السياق أكثر، لا بد من لمحة قصيرة توضح الأسباب والدوافع الرئيسية التي جعلت المزارعين وملاك الأراضي الزراعية يبيعون أملاكهم؛ والتي تتجذر في أن مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي مرت بأزمات متعددة بدءاً من قصف نظام الأسد خلال الأعوام الأولى من الثورة السورية والتي تسببت في نزوح الأهالي، لكن ما شفع في تلك الفترة في أنها كانت تحت سيطرة المعارضة.

لكن في العام 2014، كان "تنظيم الدولة" سيطر على مناطق غربي الفرات وصولاً إلى مدينتي مارع واعزاز، ما يعني تحول المعارك إلى داخل القرى والبلدات، ما تسبب في نزوح الأهالي في فترات زمنية متفرقة، ومنعهم من زراعة الأراضي أو حصادها حتى عام 2017.

إلا أن تحرير المنطقة من "تنظيم الدولة" لم ينه الأزمة، ففوجئ الأهالي في التغيرات المناخية التي طرأت، وبدورها أحدثت فجوة كبيرة بين الكلفة الزراعية والقدرة الإنتاجية، خاصةً خلال الأعوام الخمسة الماضية، حيث كانت المواسم لا تغطي كلفة الزراعة وتضع الفلاح في خسائر كبيرة.

ويشار إلى أن الأهالي طوال السنوات الماضية كانوا يحاولون العيش بما يتوفر من إمكانيات، لكن مع الاستقرار الأمني نسبياً، بدأت احتياجات المعيشة تزداد أكثر، وسط تنامي السكان وارتفاع أعدادهم جراء عمليات النزوح والتهجير القسري التي تضاعفت خلال العام 2018.

وأخذت أحوال المعيشة تضيق أكثر فأكثر، لا سيما انهيار الليرة السورية، والاستعاضة عنها بالليرة التركية التي خسرت من قيمتها الشرائية وارتفاع الأسعار، والبطالة وقلة فرص العمل، وسط تضاعف الاحتياجات.

مصطفى القدور (50 عاماً) كان يملك أرضاً زراعية بين بلدتي إرشاف ودابق شمالي حلب، اضطر لبيع أجزاء من الأرض الزراعية البالغة 5 هكتارات في مواقع متفرقة، على دفعات، بحسب الحاجة، لا سيما حاجته إلى زواج ابنيه، وإجراء عملية جراحية له، كونه مصابا بالسكري.

وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "إنني قضمت أرضي تدريجياً، فالحالة المعيشية صعبة، ولا يوجد مردود يمكن الاعتماد عليه لتغطية احتياجات أسرتي، فبالكاد يغطي راتب ابني احتياجاتهم".

وأضاف: "أنه قرر زواج أبنائه بعدما دخلوا سن الزواج، واضطر حينها إلى بيع هكتارين، بينما في العام الثاني تعرض لوعكة صحية صعبة اضطر حينها أيضاً إلى بيع هكتار آخر بهدف تغطية نفقات العمل الجراحي والمرض المزمن الذي أصابه".

وأوضح، أنه كان يعمل موظفاً حكومياً، ومنذ تحرير المنطقة من نظام الأسد ترك وظيفته، ولجأ إلى العمل الزراعي، لكن الأرض بالكاد تغطي احتياجات المعيشة حتى انعدمت وأصبح العمل خاسراً، ولا يمكن إحداث أي نقلة نوعية بمردودها كالزواج أو العمل الجراحي أو مشروع تجاري.

ويبدو أن الأسباب كثيرة التي تدفع الأهالي إلى بيع أملاكهم من الأراضي الزراعية، والتي يمكن وضعها في الشكل الآتي:

  • غياب الاستقرار الأمني وانقطاع مصادر الدخل، والفقر.
  • خسائر القطاع الزراعي (الزراعة البعلية) جراء التغيرات المناخية.
  • تراكم الديون والضغوط المالية بسبب غياب مصادر الدخل.
  • ارتفاع كلف المعيشة، وعدم القدرة على مواكبة ارتفاع الأسعار، وتغيرات قيمة العملة المتداولة.
  • عدم القدرة على وصول الأراضي الزراعية بسبب وقوعها على خطوط التماس.
  • الحاجة لإجراء أعمال جراحية، والحاجة إلى تزويج الأبناء.
  • ضرورة افتتاح مشروع أو مصدر دخل أساسي، رغم أنها محاولات فشلت في بعض المواقف.
  • الهجرة من البلاد بشكل كلي بسبب انسداد أفق الحل.

استغلال حاجة البائعين

ويتعرض الأهالي الذين يضطرون إلى البيع بشكل مستعجل إلى الاستغلال من خلال دفع أسعار منخفضة مقارنةً مع السعر الحقيقي للأرض، في وقت يكون أصحاب الأراضي بأمس الحاجة للمال، لكن لا يوجد بديل آخر، فالمشتري غير مجبر على الشراء.

يؤكد، الحاج عبد الله نجار، من مدينة صوران، أن التجار وملاك الأراضي الزراعية في المدينة دفعوا أقل من سعرها، لكن اضطر لبيعها نتيجة حاجته الماسة للمال، بعدما خسر في زراعة محصول الكمون قبل عامين، وتراكمت الديون عليه.

وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "التاجر دفع 1000 دولار بالدونم، بينما كان سعره الحقيقي يصل إلى حدود 1500 دولار، ويمكن أن ينخفض في حال كان هناك بازار". وأضاف "أنه اضطر لبيع الأرض بعدما عزف التجار عن شرائها منه، بسبب دخول شخص لشرائها".

بينما وائل عبد الحليم، الذي ورث عن والده نحو 4 دونمات وبئر ماء (2 إنش) بالقرب من مدينة مارع شمالي حلب، اضطر لبيعها بسبب حاجته الماسة إلى تزويج ابنه، وفتح مشروع للعمل، لكن أحد المزارعين الكبار على مستوى المنطقة دفع سعراً منخفضاً.

وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": اضطررت لبيع الدونم بقيمة 1000 دولار أميركي، لكن بعد فترة قصيرة اشتروا من آخر بسعر يصل إلى 1400دولار، رغم أن المسافة بين أرضي وأرض البائع الثاني لا تتجاوز مائتي متر". وأضاف: "رغم أن الأرض على شارع رئيسي، وفيها بئر ماء، كان سعرها منخفضاً نتيجة حاجتي الضرورية للمال، بينما كان دفع لجاري في الدونم (أرض بعلية) سعراً جيداً إذ ما قورن معي". 

وتختلف الأسعار من منطقة إلى أخرى، كما يرفع الشارع الرئيسي وتوافر بئر ماء، وبعد وقرب الأرض الزراعية من المدن الرئيسية، ونوع تربتها، من سعر الأرض، ويتراوح سعر الدونم في الأراضي المحاذية للمدن بين 12 و20 ألف دولار أميركي، بحسب ما أوضح زكور الحمد، صاحب مكتب عقاري في مدينة الباب شرقي حلب.

وأكد خلال حديثه لـ "تلفزيون سوريا" أن سعر الدونم يبدأ من 1000 دولار، في الأراضي الزراعية التي تصلها طرق ترابية، ويرتفع المبلغ في حال كانت تربة الأرض حمراء، وتوافر بئر ماء، لكن محيط المدن الرئيسية، يكون السعر مرتفعا، وكلما كانت مساحة الأرض كبيرة انخفض السعر".

وأشار الأهالي، إلى أن المزارعين الكبار الذين يعتمدون على زراعة العديد من المحاصيل الزراعية المروية، يشترون أراضيهم، كونهم واصلوا عملهم في المنطقة مستغلين الظروف الأمنية المتردية، وسط ارتفاع الأسعار وانخفاضها عندما كانت هناك معابر لا سيما مرحلتي داعش في الباب، وقسد في عفرين.

بالتوازي مع ذلك، نشط شراء أشخاص حديثي المال وهم شخصيات من أصحاب السلطة العسكرية والنفوذ والمقربين من الفصائل، واستطاعوا شراء مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، في مناطق متفرقة من منطقتي ريف حلب الشمالي والشرقي؛ إضافةً إلى المخيمات والتجمعات السكنية الناشئة التي يشتريها المتبرعون، والمنظمات الإنسانية لبناء مخيمات.