تعرّض مزارعو الحبوب العطرية في الشمال السوري لكارثة زراعية، خلال الموسم الزراعي 2024/2023، نتيجة المنخفضات الجوية المتواصلة التي استمرت حتى ثلث شهر نيسان الجاري، بينما أعقبها ارتفاع في درجات الحرارة، ما تسبب في تعرض المحاصيل لهجمات مرضية فطرية وضعت أصحابها على المحك.
وتوسعت زراعة الحبوب العطرية (الكمون، الكزبرة، حبة البركة، اليانسون، الشمرة..) بشكل واسع في الشمال السوري عموماً، على حساب الزراعة التقليدية كالقمح والشعير، لما حققته من أرباح للمزارعين خلال الموسم الزراعي الماضي، لا سيما مادتي الكمون وحبة البركة رغم ارتفاع تكاليف زراعتهما.
تقلبات ومنخفضات جوية تهدد مزارعي المحاصيل العطرية
تعرضت مناطق الشمال السوري لمنخفضات جوية متلاحقة، خلال الأيام الأولى من شهر نيسان، مترافقة مع درجات حرارة معتدلة بدأت بالارتفاع مع حلول منتصف الشهر، الأمر الذي تسبب في تضرر بعض أنواع المحاصيل الزراعية العطرية.
وحذّر مهندسون زراعيون في الشمال السوري من تعرّض الحبوب العطرية إلى هجمة مرضية فطرية تسمى (الألترناريا)، ولفتوا إلى ضرورة متابعة الأراضي المزروعة بالحبوب العطرية ورشها بالمبيدات الفطرية، بهدف السيطرة على اللفحة الفطرية التي تنشط مع ارتفاع درجات الحرارة الحالية.
وتضرّر محصول الكمون لدى مصطفى رياض قرب مدينة مارع شمالي حلب، من جرّاء المنخفضات الجوية واعتدال درجات الحرارة ثم ارتفاعها، ما استدعى إلى رشها بالمبيدات والأسمدة بهدف اجتياز مرحلة الإزهار ووصولها إلى مرحلة تكوين البذور.
وقال رياض خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "محصول الكمون الذي زرعه على مساحة هكتار ونصف كتجربة زراعية أولى خلال الموسم الزراعي الحالي تعرض للفحة مرضية فطرية، ما هدد بخسارة مشروعه الذي وصلت كلفته الإجمالية إلى حدود ثلاثة آلاف دولار أميركي".
وأضاف: "أنه لاحظ تضرر محصول الكمون من جراء الهطولات المطرية وارتفاع درجات الحرارة المفاجئ، ما دفعه إلى مكافحة المرض بالمبيدات الفطرية، ومتابعة مراحل نمو المحصول، من خلال تقديم عناية وخدمة الأرض الزراعية عبر القضاء على الأعشاب الضارة".
وأوضح، أن كلفة المبيدات الفطرية والأسمدة تتراوح بين 50 و75 دولاراً أميركياً للدونم الواحد، وفي حال عدم استجابة النبات لعلاج اللفحة المرضية، سيفشل مشروعه الزراعي ويخسر ما وضعه من مصاريف وكلف زراعية.
وشمل تأثير المنخفضات الجوية محصول حبة البركة، إذ اضطر المزارع سامر محروق في بلدة تلالين شمالي حلب، إلى قلب محصول حبة البركة بسبب تضررها من جرّاء المنخفضات الجوية وتأخره في استخدام المبيدات الفطرية والأسمدة.
وقال خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: "إنني استأجرت هكتارين لزراعة حبة البركة بين بلدتي تلالين واحتيملات شمالي حلب، لكن فشل المشروع نتيجة التقلبات والمنخفضات الجوية، حيث أصيبت بمرض فطري في مرحلة الإزهار".
وأضاف: "أنه بعد استشارة المهندس الزراعي رشَّ الأرض بمبيد فطري إلا أن الاستجابة ضعيفة ما دفعه إلى قلبها وحراثتها مجددًا بهدف زراعتها حمّص ربعي"، موضحاً أنّ "خسارته فاقت الألفي دولار، كون أرضه الزراعية مستأجرة".
أمراض فطرية تضرب المحاصيل العطرية
حذّرت مديرية زراعة حلب التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة مزارعي الكمون من تعرض محاصيلهم لهجمة مرضية شرسة تؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة لهم، في حال عدم استجابتهم لعلاج مرض شلل الكمون.
وأكدت على صفحتها في "فيس بوك"، أنّ الظروف ملائمة لانتشار المرض (الرطوبة المرتفعة ودرجات الحرارة المعتدلة، والتربة الحامضية، وزيادة عنصر الآزوت ونقص عنصر البوتاسيم في التربة)؛ مشيرةً إلى أنّ "محصول الكمون يتأثر بالمرض في مختلف مراحل النمو منذ فترة البذار حتى النضج، حيث يتحول لون الأوراق من اللون الأخضر إلى اللون الأصفر في النباتات المزروعة مبكراً، وبدءاً من الأوراق القديمة باتجاه الأوراق الفتية وفي حالة الاصابة الشديدة يذبل النبات".
وأوضحت أنّ "آثار المرض على جذور النباتات المصابة على هيئة بقع بلون بني داكن، وفي حال إصابة المحصول بالمرض في مرحلة الإزهار تبقى الأزهار عقيمة بينما إذا تعرضت للإصابة في مرحلة تشكل البذار تتسبب في بقائها صغيرة الحجم ومجعدة، مع إمكانية نقل المرض إلى البذار السليم خلال عملية الحصاد".
من جهته مدير زراعة حلب في "المؤقتة" حسن الحسن، أكّد تضرر الحبوب العطرية بشكل كبير خلال الموسم الحالي مع ارتفاع نسبة الهطولات المطرية الذي ترافق مع اعتدال درجات الحرارة وارتفاعها بشكل مباشر ما أدى إلى انتشار الأمراض الفطرية.
وقال لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "مرض الألترناريا هو أخطر مرض يصيب الكمون وينشط بعد هطل الأمطار وارتفاع الرطوبة والحرارة المرتفعة نهاراً ما يتسبب في توسع انتشار الفطر بشكل كبير"، مضيفاً أنّ "الظروف الجوية ملائمة لنشاط الألترناريا وعلى وجه التحديد الحقول المزروعة مبكراً والتي تحتوي على كثافة نباتية".
آلية وكلفة علاج الأمراض الفطرية
كذلك، أكّد المهندس الزراعي موسى البكر، أن المنخفضات الجوية أثّرت بشكل كبير على المحاصيل العطرية، وتركّزت على مادتي الكمون وحبة البركة، ما أدّى إلى قلب وإنهاء آلاف الهكتارات المزروعة بهما في الشمال السوري، بينما كان ضررها أقل في باقي المحاصيل العطرية كاليانسون والشمرة والكزبرة.
وقال لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "محصول الكمون الذي تعرض لخناق الجذور وصل إلى مرحلة الانتهاء، لكن إذا كانت لفحات يمكن للمبيدات الفطرية إيقافَ الأمراض". مضيفاً أنّ "لفحة الألترناريا، ومرض الذبول، والأمراض الفطرية تصيب الجذور وسوق النباتات، وتحتاج إلى علاج مباشر من خلال رشها بمبيدات فطرية مثل (بافستين - أمستار) بهدف إيقاف المرض الفطري".
ورجّح المهندس تضرّر المحاصيل العطرية خلال الموسم الحالي، نتيجة التبكير في الزراعة حيث بدأ المزارعون في زراعة الكمون منذ كانوني الأول والثاني ما أدى إلى نمو النباتات وظهور كثافة نباتية واضحة ما أدى إلى توسع الإصابات مع المنخفضات الجوية، في المقابل تكون الزراعة الفعلية الصحيحة خلال النصف الأول من شهر شباط، ما يجعل تكوين النبات أكثر مقاومة.
أسعار مغرية تسببت في توسع زراعة الحبوب العطرية
تنشطت زراعة الحبوب العطرية في مناطق الشمال السوري على حساب القمح والشعير، نتيجة انخفاض أسعارهما، خلال العام الفائت، ما استدعى إلى بحث المزارعين عن مصادر زراعية أكثر ربحاً، حيث يعد الكمون من أبرز المزروعات العطرية زراعةً وأكثرها تضرراً في موجة المرض الحالية.
ووصل سعر طن الكمون خلال الموسم الزراعي الماضي إلى حدود ثمانية آلاف دولار أميركي، بعدما كان قبل فترة الحصاد نحو 3500 دولار، ما دفع المزارعين خلال الموسم الحالي إلى توسيع زراعته، رغم عدم صلاح وضعف مخزون بعض الأراضي الزراعية لزراعته، وفق ما أوضح "البكر".
ولا توجد إحصائيات دقيقة توضّح المساحات المزروعة بمادة الكمون وحبة البركة، لكن خلال جولة أجراها موقع "تلفزيون سوريا" بين مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، أظهرت وجود مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالحبوب العطرية وعلى رأسها مادة الكمون وتليها حبة البركة.
وأكّد مدير زراعة حلب، أن المساحات المزروعة بالمحاصيل العطرية تجاوزت ضعف مساحتها خلال الموسم الزراعي الماضي، بسبب ارتفاع سعر بعضها مثل الكمون واستقرار أسعار الأنواع الأخرى، مقارنةً مع الزراعات التقليدية كالقمح والشعير، والتي تعرضت لانخفاض كبير أوصلت بعض المزارعين إلى الخسارة.
ويتأمّل المزارعون الذين تجاوزوا المحنة بمحصول زراعي وفير من المحاصيل العطرية التي وضعوا تكاليف عالية لنجاحها لعلها تنتشلهم من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي باتت تلامسهم في مختلف نشاطاتهم الزراعية التي تعتبر مصدر دخل رئيسي لهم.