ملخص:
- بدأت لجنة برلمانية عام 2013 لدراسة "عملية الحل" لتحقيق السلام المجتمعي في تركيا.
- شمل التقرير تعريف المشكلة على أنها "هوية، ثقافة، وعنف"، مع انتقادات لنهج حزب الحركة القومية.
- أشار التقرير إلى سعي الجمهورية لخلق أمة متجانسة كسبب رئيسي للمشكلة.
- قدم حزب السلام والديمقراطية تقريراً بديلاً ينتقد تجاهل تعريف "المشكلة الكردية" وعدم إشراك أوجلان.
أثارت الأحداث المتلاحقة في تركيا مؤخراً تساؤلات حول إمكانية بدء "عملية حل" جديدة، وهي العملية التي تعود أصولها للفترة ما بين عامي 2013 و2015، حين أُنشئت لجنة برلمانية خاصة لدراسة وتقييم سبل السلام المجتمعي في البلاد.
وعُرِف التقرير الذي صدر عن اللجنة باسم "تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المشكلة لدراسة سبل السلام المجتمعي وتقييم عملية الحل".
وتأسست اللجنة بموجب قرار برلماني في 9 نيسان 2013 مع بداية عملية الحل، وكان من بين مبررات تشكيل اللجنة ما ورد في البيان الرسمي: "المسألة لا يمكن حلها بسياسات تركز فقط على الأمن، وأنه يجب السعي لحل المشكلة ضمن مبادئ ديمقراطية".
وأكد البرلمان على ضرورة أن تلعب السياسة البرلمانية دوراً محورياً في هذا المسار، مع التشديد على فتح قنوات للحوار الديمقراطي.
التركيبة والتحديات
وتألفت اللجنة من 17 عضواً، شملوا 10 نواب من حزب العدالة والتنمية (AKP)، ونائباً واحداً من حزب السلام والديمقراطية الكردي (BDP) الذي يُعد من أسلاف حزب الشعوب الديمقراطي (DEM Parti) الحالي.
ولم يُشارك حزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب الحركة القومية (MHP) في تقديم ممثلين للجنة. وعمل مع اللجنة عدد من الخبراء، منهم المفتشان الرئيسيان في وزارة الداخلية آنذاك، جيم توكر وإسماعيل شاتاكلي.
وخلال فترة عملها، عقدت اللجنة 24 اجتماعاً، واستضافت 43 خبيراً و129 ضيفاً من مختلف المدن، منهم أسر الجنود والشرطة وأعضاء في حزب العمال الكردستاني الذين فقدوا حياتهم في الصراع.
وكان من بين الأشخاص الذين استمعت إليهم، الرئيس السابق لبلدية أسنيورت الذي اعتقل وعين وصي مكانه، أحمد أوزر، ووفقاً لما ورد في التقرير، قدّم أوزر عرضاً أمام اللجنة، واستشهد بآراء أوزر في أجزاء مختلفة من التقرير.
كما كان الأكاديمي علي كمال أوزجان، الذي زار جزيرة إمرالي قبل الانتخابات البلدية المعادة في إسطنبول في 23 حزيران 2019 والتقى عبد الله أوجلان، وشارك رسالة أوجلان التي دعت إلى "الطريق الثالث" في الانتخابات، من بين الأشخاص الذين استمعت إليهم اللجنة.
كيف عرّف التقرير أسباب المشكلة؟
وعرض رئيس اللجنة، نجي بوستانجي، في 2 كانون الأول 2013، التقرير على الرأي العام خلال مؤتمر صحفي، ورفعه إلى رئاسة البرلمان. وأكد التقرير أن المشكلة لم تُعرف بحدود واضحة، بل شُرحت على أنها "مشكلة هوية وثقافة وعنف".
في مقدمة التقرير، لم تستخدم اللجنة تعريفاً محدداً لوصف المشكلة المتعلقة بفترة الصراع التي بدأت في الثمانينيات، ومع ذلك، تم تقييم القضية على أنها "مشكلة هوية وثقافة وعنف".
وتضمن التقرير نقداً لمواقف الأحزاب السياسية، فقد وُصف تعامل حزب الحركة القومية مع القضية بأنه قائم على نهج أمني بحت. وأشار إلى تقرير (MHP) السابق بعنوان "قضية شرق وجنوب شرق الأناضول" الذي أكد أن "الكردية ليست لغة مستقلة، بل هي إحدى لهجات اللغة العثمانية"، ما يعكس تركيز الحزب على الحلول الأمنية.
وأضاف: "فضل حزب الحركة القومية (MHP) التعامل مع المسألة على أنها مشكلة 'إرهاب وأمن'. (...) العمل الوحيد المعروف لـ MHP هو تقرير بعنوان 'قضية شرق وجنوب شرق الأناضول' الذي أُعد في فترة حزب العمل القومي. ذكر التقرير أن 'الأكراد ينحدرون من أصل تركي'، وأنه لا توجد إثنية تُسمى الأكراد، وأن الكردية ليست لغة بل هي إحدى تفرعات العثمانية. ومن هذا المنطلق، تم تبني منظور يُعرّف المشكلة بمنهج أمني بحت".
سياسات الجمهورية ودور العدالة والتنمية
وأشار التقرير إلى سياسات الجمهورية التركية كأحد أسباب المشكلة: "بالرغم من وجود أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية عديدة وراء المشكلة، فإن السعي إلى خلق أمة متجانسة من قبل الجمهورية يُعد السبب الأساسي. إن تطور الجمهورية إلى تشكيل أيديولوجي 'إثني علماني' أضعف القيم الأخلاقية التي يمكن أن تحقق الوحدة، وفي الوقت نفسه حفّز القومية المضادة".
وفي القسم الحادي عشر من التقرير، ذكر أنه تم اتخاذ خطوات مهمة على طريق الديمقراطية في تركيا خلال فترة حكومات حزب العدالة والتنمية بين عامي 2002 و2013.
واعتبرت هذه التطورات ممهدة لعملية الحل: "خصوصاً بعد عام 2002، أسهمت الخطوات المتخذة في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، إلى جانب التحول نحو الاستقرار ثم التطور في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا، في فتح الباب على مصراعيه أمام عملية الحل".
واختُتم التقرير بـ 42 توصية، أبرزها أن "الحل ليس نتيجة يمكن تحقيقها في وقت قصير، بل هو سلسلة من العمليات المتواصلة". ودعا إلى الحذر من التأثير السلبي للديناميات الخارجية العابرة للحدود. وأكد على ضرورة اتخاذ خطوات تفاعلية تجاه المخاطر المحتملة.
التقرير البديل
وفي تلك الفترة، واجه تقرير اللجنة انتقادات من حزب السلام والديمقراطية (BDP)، الذي أعد تقريراً بديلاً وقدمه إلى رئاسة البرلمان واللجنة.
وأوضح الحزب موقفه قائلاً: "التحفظات والسياسات الأساسية للحزب لم تُؤخذ في الاعتبار خلال إعداد التقرير". كما أشار الحزب في انتقاده: "رغم أن التقرير تطرق إلى القضية في عدة مواضع، إلا أنه لم يجرؤ على تسميتها 'المشكلة الكردية'".
وانتقد أعضاء حزب السلام والديمقراطية الخلفية التاريخية التي قدمها التقرير، مؤكدين: "التقرير يربط جذر المشكلة بتطبيقات فترة الحزب الواحد ونظام 12 أيلول، في حين تمتد الجذور التاريخية للمشكلة إلى محاولات المركزية في الإمبراطورية العثمانية، وتقديم فترة ما بعد حزب العدالة والتنمية كحقبة إصلاحات ديمقراطية هو خطأ".
وأشار التقرير البديل إلى أن "اللجنة تأسست بناءً على اتفاق بين الحكومة وعبد الله أوجلان". وفي ختام التقرير، شدد الحزب: "يجب تحسين وتعديل كل الظروف التي تتيح لعبد الله أوجلان دوراً في إجراء المفاوضات".
وأضاف: "على الرغم من اقتراحنا للجنة، لم تتم مقابلة أوجلان، وهذا يُعتبر قصوراً". وأكد الحزب على ضرورة "إنشاء الشروط القانونية لضمان حق أوجلان في ممارسة السياسة".
تضمن التقرير البديل توصية أخرى تنص على: "بعد توفير شروط النضال السياسي الديمقراطي، يجب خلق الظروف التي تتيح دمج جميع القوى المسلحة في الحياة السياسية". كما دعا إلى "ضرورة إنشاء لجان للتحقيق في الحقائق والمصالحة"، بهدف معالجة القضايا التاريخية وتعزيز الثقة بين الأطراف.
يُذكر أن كلا التقريرين، تقرير اللجنة وتقرير حزب السلام والديمقراطية البديل، متاحان اليوم للوصول عبر المصادر المفتوحة على الإنترنت.