icon
التغطية الحية

على وقع هجوم أنقرة.. هل عمّقت دعوة بهتشلي الانقسامات داخل حزب العمال الكردستاني؟

2024.10.24 | 16:58 دمشق

آخر تحديث: 24.10.2024 | 17:30 دمشق

زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي
زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي
إسطنبول - حمزة خضر
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، دعا عبد الله أوجلان لإلقاء خطاب في البرلمان التركي، مما أثار جدلاً واسعاً.
  • الرئيس التركي أردوغان وصف هذه الدعوة بأنها "فرصة تاريخية" لتعزيز الوحدة ومكافحة الإرهاب.
  • بهتشلي يسعى لإخراج ملف الإرهاب من أجندة تركيا، مؤكداً استعداده لتحمل المسؤولية من أجل الوطن.
  • تصريحات بهتشلي تأتي في ظل تعقيدات إقليمية متعلقة بحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، مع إشارات إلى دور أميركي في المنطقة.
  • الهجوم الإرهابي الأخير في أنقرة يثير تساؤلات حول الارتباط بين الأوضاع الداخلية والتوترات الإقليمية.

أدلى زعيم حزب الحركة القومية (MHP) وحليف حزب العدالة والتنمية (AKP) ضمن تحالف الشعب، دولت بهتشلي، بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً لدى الرأي العام التركي، وذلك بعدما دعا زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف على قوائم الإرهاب التركية والأميركية، عبد الله أوجلان، إلى إلقاء خطاب في البرلمان التركي أمام حزب المساواة والديمقراطية الشعبية (DEM)، بهدف إعلان إنهاء العداء مع الدولة التركية، مقابل إطلاق سراحه من سجنه في جزيرة إمرالي وفق قانون "حق الأمل".

تصريحات بهتشلي أحدثت ضجة في المشهد السياسي التركي، خاصة أنها جاءت من زعيم حزب يميني قومي، وهو الحزب الذي نشأت منه معظم الأحزاب القومية التركية، مثل حزب الجيد (İYİ Parti) وحزب النصر (ZP)، والتي تُعرف بمعارضتها الشديدة لأي حوار مع الأحزاب الكردية بسبب علاقاتها المشبوهة مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما أكده زعماء هذه الأحزاب في تعليقاتهم على تصريحات بهتشلي.

ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوات بهتشلي بالفرصة التاريخية، وذلك بعد 3 ساعات فقط من تصريحاته. وأكد خلال اجتماع موسع مع أعضاء حزبه: "لا مكان للإرهاب ووجهه المظلم في مستقبل تركيا. نريد جميعاً بناء تركيا خالية من الإرهاب والعنف. يجب ألا يُضحى بالفرصة التاريخية التي أتاحها تحالف الشعب من أجل الطموحات الشخصية".

ويطمح بهتشلي من خلال هذه الدعوة إلى إزالة ملف الإرهاب من أجندة تركيا، قائلاً: "دعونا نخرج هذه القضية الإرهابية الثقيلة والتاريخية من جدول أعمال البلاد بالكامل. نحن مستعدون لذلك. من أجل الوطن، والشعب، والدولة، والعلَم، والمستقبل المشترك، والاستقلال التام، نحن مستعدون لتحمل كل شيء".

وتحذر تركيا في معظم لقاءاتها الخارجية من خطر حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها أنقرة ذراع الحزب في شمال شرقي سوريا. تولي أنقرة أهمية بالغة لأمنها القومي، مما يعني أن أي تهديد تواجهه تركيا سينعكس بالضرورة على سوريا والعراق، خاصة إذا حدث تغيير في نهج حزب العمال الكردستاني وأذرعه في المنطقة.

العدوان الإسرائيلي و"البنية التابعة" في سوريا

أشار الصحفي التركي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، إلى أن العملية السياسية التي بدأت في تركيا تعززت بخطاب الرئيس أردوغان في افتتاح البرلمان مطلع الشهر الجاري. إذ قال أردوغان: "إن إسرائيل بعد غزة نقلت الحرب إلى لبنان، وهناك خطر اندلاع حرب إقليمية". ودعا إلى تجاوز الخلافات بين الحكومة والمعارضة وتعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة هذا الخطر المشترك.

واتخذ بهتشلي خطوة غير مسبوقة بعد خطاب أردوغان، إذ توجه إلى مقاعد حزب (DEM) وصافح أعضاءه، معبراً بذلك عن دعمه لدعوة الرئيس التركي لتعزيز الوحدة الوطنية. وفي تعليقه على هذه المصافحة، أوضح بهتشلي أن الهدف منها هو تقوية الجبهة الداخلية، مشيراً إلى تطلعه لأن يصبح حزب (DEM) "حزباً تركياً". من جانبه، أيد أردوغان هذا التحرك، واصفاً خطوة بهتشلي بأنها "غاية في الأهمية"، بحسب ما نقله سيلفي في مقاله على موقع (Hürriyet) التركي.

وفي الثالث من تشرين الأول، زار الرئيس أردوغان بهتشلي في منزله، وهو لقاء وصفه سيلفي بأنه نقطة تحول هامة في المشهد السياسي التركي، خاصة مع عقد اجتماع مجلس الأمن القومي في اليوم نفسه. وأشار سيلفي إلى أن هذا الاجتماع اكتسب أهمية بالغة، لا سيما في ضوء التحذيرات المستمرة من الرئيس أردوغان بشأن ما اسماه "البنية التابعة" في سوريا.

وأضاف سيلفي: "ما يقصده أردوغان بـ البنية التابعة واضح: قوات سوريا الديمقراطية (قسد) - حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا. في شهري أيار وحزيران، حاولت الولايات المتحدة منح وضع ذاتي للـ PKK-YPG عبر انتخابات مزعومة، لكن تحت ضغط تركيا تراجعت عن هذا المسار. ورغم ذلك، لم تتخلَ عن هذا الهدف".

ويشير سيلفي أيضاً إلى أن وجود قوات سوريا الديمقراطية على الحدود يعتبر تهديداً وجودياً بالنسبة لتركيا، وهي مستعدة لفعل كل ما يلزم لمنع هذا. وهو ما يتطلب "تعزيز الجبهة الداخلية". مستنداً إلى تصريح أردوغان حين قال: "بينما تُرسم خرائط الشرق الأوسط بالدماء وتنقل إسرائيل الحرب إلى لبنان، علينا تعزيز جبهتنا الداخلية". ويعتقد سيلفي أن تحركات أردوغان وبهتشلي كانت تهدف جزئياً إلى تحقيق هذا الهدف.

حلول داخلية.. واختزال أطراف المعادلة

تسعى تركيا منذ سنوات إلى إيجاد حل لمشكلة حزب العمال الكردستاني، واتجهت أنقرة نحو تعزيز علاقاتها بشكل أكبر، سواء مع الولايات المتحدة التي تدعم (قسد) لوجستياً وسياسياً، أو مع العراق، مستغلة التوترات القائمة بين (PKK) وإقليم كردستان. كما تعمل تركيا مؤخراً على تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، الذي يعتبر "خياراً أقل سوءاً" مقارنة بـ (قسد) بالنسبة لأنقرة.

وعلى الرغم من هذه المساعي، وجدت أنقرة أن حل المشكلة انطلاقاً من الداخل نحو الخارج يمكن أن يكون أكثر فاعلية، وفي سبيل هذا الهدف، قدم بهتشلي دعوته لأوجلان إلى البرلمان، وهو ما عبر عنه قائلاً: "تركيا لا تحتاج إلى عملية حل جديدة، بل إلى تفعيل العقل الجماعي، اتخاذ خطوات صادقة وصريحة، والبقاء بعيداً عن الضغوط الخارجية، وتعزيز الأخوة التي دامت ألف عام".

وأكد أعضاء حزب الحركة القومية أن تصريحات بهتشلي لا تعبر عن "انفتاح"، بل تشكل "نقطة تحول تاريخية" تحمل 6 رسائل رئيسة، أهمها توجيه رسالة إلى الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، بأن "هذه قضيتنا". ونقلت صحيفة (Yeni Şafak) المقربة من الحكومة التركية عن أعضاء الحزب أن بهتشلي يوجه أيضاً رسالة إلى (PKK) وأذرعه، مفادها: "لا تكونوا أدوات بيد أميركا وإسرائيل، تعالوا للتفاوض معنا؛ نحن من يحدد المعادلة في المنطقة، والمبادرة بأيدينا".

كما قال أعضاء الحزب إن دعوة بهتشلي تهدف إلى تعزيز موقف تركيا في مكافحة الإرهاب، إذ يُفهم من تصريحاته أنه يريد إيصال رسالة واضحة: "بذلنا كل جهد ممكن، لكن التنظيم الإرهابي ما زال يتحرك وفق أجندته الخاصة"، مما يمنح تركيا المزيد من الشرعية في نضالها ضد (PKK).

ويُعد توقيت الهجوم الذي استهدف شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TUSAŞ) يوم أمس في منطقة كهرمان كازان بالعاصمة أنقرة، وأسفر عن مقتل 5 أشخاص، لافتاً، حين جاء بعد تصريحات بهتشلي، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الهجوم رداً رافضاً من حزب العمال الكردستاني لتلك التصريحات. إذ أشار وزيرا الداخلية والدفاع التركيان إلى أن الهجوم يشبه الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذها الحزب في تركيا.

انقسامات مبكرة تهدد العملية

وأشار الدكتور سمير صالحة، أستاذ القانون والعلاقات الدولية، إلى أن هذا الهجوم قد يكون انعكاساً لانقسامات داخلية بين قيادات الحزب بسبب الحراك السياسي الداخلي التركي: "قيادات في حزب العمال منزعجة من الحراك السياسي الداخلي في تركيا. ولكن هناك ملاحظة مهمة جداً، وهي موقف حزب الشعوب الديمقراطي (DEM)، الذي لم يكن يندد بمثل هذه الأعمال الإرهابية في السابق، لكنه اليوم اتخذ موقفاً مختلفاً ودان الهجوم، داعياً إلى الحوار السياسي كحل للقضية الكردية".

وعبر الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، صلاح الدين دميرطاش، عن دعمه دعوة بهتشلي، ودان الهجوم على أنقرة، وذلك في تغريدة نشرها على منصة (X) قال فيها: "ندين الهجوم في أنقرة، ونتمنى الرحمة للضحايا، ونعزي أسرهم ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى. أولئك الذين يحاولون قطع طريق الحوار والسياسة بدماء الأبرياء يجب أن يعلموا أنه إذا اتخذ أوجلان مبادرة وفتح الطريق أمام السياسة، سنكون بكل قوتنا وراءه".

وأضاف: "لن نقبل بأي محاولة لتشويه أو إضعاف جهود السياسة الديمقراطية والسعي للسلام. يجب على الجميع إعادة حساباتهم وفقاً لذلك. لن نسمح أبداً بإسكات صوت دعاة السلام، مهما كان مصدره". وهو ما اعتبرته الصحافة التركية تحدياً لجهات يمكن أن تكون رافضة لهذا الدعوات، على رأسها جميل بايك.

وتداولت وسائل الإعلام التركية مقطعاً مصوراً لـ بايك نُشر في عام 2015، قال فيه: "نحن المسؤولون عن التنفيذ العملي. القائد أوجلان ليس مسؤولاً عن ذلك. أوجلان لا يمكنه تنفيذ أو قيادة أي حركة أو اتخاذ أي قرار بشأن هذه المسائل. نحن من نقرر انسحاب القوات المسلحة. لا الحزب ولا أوجلان يمكنهما اتخاذ ذلك القرار. حتى وإن جاءت تلك الدعوة، نحن من نقرر، لأنها تعنينا".

ورأى صالحة في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، أن هذا التغير في موقف حزب الشعوب الديمقراطي قد يكون إشارة إلى تحولات داخلية في بنية الحزب وأطرافه السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى بروز خلافات بين الحزب والأذرع المسلحة لحزب العمال الكردستاني. 

تداخل إقليمي يعقد عملية نزع السلاح

وتحدث صالحة عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مشيراً إلى أن هذه القوات تحافظ على تنسيق مباشر مع الولايات المتحدة وبعض الجهات الإقليمية، مما يضعها في مواجهة مع تركيا. وأوضح صالحة أن تركيا قد كثفت في الآونة الأخيرة عمليات استهداف مواقع قسد في شرقي الفرات، مشيراً إلى أن هذا التصعيد يبرز الترابط بين الأوضاع الداخلية في تركيا وبين التطورات الإقليمية. 

وقال: "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا العمل الإرهابي حدث خلال تواجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة 'البريكس'، وهناك انزعاج أميركي وغربي واضح من تزايد الانفتاح التركي على روسيا والصين".

وأكد صالحة أن الأبعاد الإقليمية للهجوم لا يمكن تجاهلها، مشيراً إلى أن هناك عدة أطراف إقليمية قد تكون مستاءة من الحراك التركي الإقليمي، خاصة في ظل تعزيز أنقرة لتحالفاتها مع دول مثل روسيا والصين، مما قد يدفع بعض الجهات إلى استغلال التوترات الداخلية في تركيا لتحقيق أهدافها.

وتحدث الصحفي التركي إرسين جيليك عن الأبعاد الإقليمية لهجوم أنقرة، مشيراً إلى أن القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، تلعب دوراً كبيراً في توجيه الأحداث في المنطقة. وأوضح أن هذه القوى تسعى إلى استخدام حزب العمال الكردستاني وأدواته الإقليمية مثل قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق مصالحها. 

وأضاف جيليك في مقال نشره على موقع صحيفة (Yeni Şafak) التركية: "نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ليس بيد قياداته في قنديل أو في الداخل التركي، بل إن القوة الحقيقية تكمن في الدعم الذي يتلقاه التنظيم من القوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة. هذا الدعم يجعل من المستحيل تقريباً التوصل إلى أي حل سلمي يضمن نزع السلاح".

وأكد أن التصعيد الحالي يعكس تطوراً جديداً في المواجهة بين تركيا و"التنظيمات الإرهابية"، مشيراً إلى أن تركيا بدأت تتبنى استراتيجية أكثر شمولية، تهدف إلى القضاء على هذه المنظمات من جذورها بدلاً من الاكتفاء بمواجهتها على فترات متقطعة.