icon
التغطية الحية

كيف ستوفق تركيا بين دعم المعارضة السوريّة والتطبيع مع النظام؟

2024.07.22 | 15:32 دمشق

آخر تحديث: 22.07.2024 | 15:51 دمشق

هل تخلت تركيا نهائياً عن فكرة التطبيع مع النظام السوري؟
كيف ستوفق تركيا بين دعم المعارضة السوريّة والتطبيع مع النظام؟
+A
حجم الخط
-A

تشير الوقائع الميدانية والسياسية إلى أن سعي تركيا للموازنة بين موقفين متناقضين بخصوص تطبيع العلاقات مع النظام السوري يبدو عملية معقّدة وصعبة وتحتاج إلى كثير من الوقت.

ففي الوقت الذي تتسارع فيه الخطى والتصريحات التركية بشأن التقارب مع النظام السوري، مع تأكيد الرئيس أردوغان عزمه تطبيع العلاقات مع النظام ولقاء بشار الأسد في تركيا أو في بلد ثالث، وتكليف وزير خارجيته "بالتواصل مع نظرائه للتغلب على هذه القطيعة والمضي قدماً في بدء عملية جديدة"، تؤكّد تركيا مقابل ذلك على استمرار دعمها للمعارضة السورية والحفاظ عليها، وأن التطبيع المحتمل مع النظام لن يكون على حسابها.

رسائل التطمين التركية للمعارضة السورية جاءت على لسان وزير الخارجية حقان فيدان خلال اجتماعه مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، حيث أكّد في تصريحاته أن أنقرة "لم تغيّر موقفها من المعارضة السورية، ولم تفرض أي أمر على المعارضين السوريين، فهم أطراف سورية، ومن الطبيعي أن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع السلطة".

وإلى جانب وجود 3 ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية، وقرابة 5 مليون في الشمال السوري يمثلون في غالبيتهم الحاضنة الشعبية للثورة السورية الرافضة لأي مصالحة مع النظام، تتجلّى صعوبة الموقف التركي بشكل أساسي في إصرار النظام على انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، الذي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من تركيا.

هذا إلى جانب تصنيف النظام للمعارضة السوريّة على أنها مجموعات "إرهابية"، حيث يصر النظام على عودة الأوضاع مع الجانب التركي إلى ما قبل 2011، أي انسحاب أي قوات تركية من الشمال السوري، و"مكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً".

من ناحية أخرى يشير كثير من المختصين بالشأن التركي إلى وجود تحوّل في النظرة التركية إلى الملفّ السوري بعد مرور 13 عاماً على بدء الصراع، إذ لم يعد الملف السوري يحظى بذات الأهمية لدى السياسات الدولية فضلاً عن تهميشه، نتيجة نشوب صراعات إقليمية أخرى في المنطقة.

أولويات تركية في عملية التطبيع

لطالما حرص المسؤولون الأتراك على التأكيد بأن الهدف الاستراتيجي من عملية التقارب مع النظام السوري هو الحفاظ على الأمن القومي التركي، وحماية تركيا من تهديد التنظيمات التي تصنفها إرهابية مثل "داعش"، و"قوات سوريا الديمقراطية-قسد"، التي تعتبرها تركيا امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني"، خاصة بعد سعي "قسد" إلى تأسيس حكم ذاتي انفصالي عن طريق كتابة عقد اجتماعي جديد وإجراء انتخابات بلدية، في أواخر شهر آب المقبل.

وفي سبيل ذلك تسعى تركيا لكسب غطاء شرعي لوجودها العسكري من خلال التنسيق مع النظام السوري في حال قرّرت تنفيذ عملية ضد "قسد".

وفي هذا السياق يبدو واضحاً أن الحكومة التركية تطمح من خلال عملية التقارب مع النظام السوري إلى تطبيق نموذج الاتفاقية الأمنية مع العراق، والتي أدّت إلى تصنيف العراق لتنظيم "حزب العمال الكردستاني" على أنه كيان إرهابي، إلى جانب تعهد العراق بمنع الـ"PKK" من القيام بأي هجوم ضد تركيا، تريد تركيا تطبيق هذا النموذج مع النظام السوري.

وكان الرئيس أردوغان أكد في شهر جزيران الفائت، أنّ تركيا لن تتردد في شن هجوم جديد شمالي سوريا "إذا مضت الجماعات التي يقودها الأكراد، في خطط لتنظيم انتخابات محلية بالمنطقة".

وإضافة إلى حماية الأمن القومي، يرى الكثير من المحللين الأتراك أن إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين الطوعية، يأتي من ضمن الأولويات التركية في سعيها للتقارب مع نظام الأسد.

وكان وزير الخارجية التركي قد نفى، في وقت سابق، صحة أي ادعاءات تتعلّق بترحيل السوريين من تركيا قسراً بعد أحداث "قيصري" قائلاً: "لن نجبر أي شخص على المغادرة إلا إذا تطوع.. والادعاءات المستفزة المقدمة بشأن هذا الموضوع ليست لها أي صحة".

تنطلق تركيا في خطوات التقارب مع النظام السوري سواء التي جرت في الاجتماعات الأمنية سابقاً أو الاجتماعات التي ستحصل مستقبلاً من ثلاث ثوابت هي:

  • أولاً: تعديل اتفاقية أضنة وشكل التعديل.
  • ثانياً: التكامل بين الأستانة وجنيف، فأستانا هي التي تجهز الأرضية الخاصة بعمليات بناء الثقة وفتح المعابر والطرق الدولية.
  • ثالثاً: الانتقال إلى القرار الدولي 2254.

إذ عن طريق هذه الثوابت، تبرّر تركيا وجودها في سوريا لدى الأمم المتحدة وأمام المجتمع الدولي، وذلك بحسب الباحث المختص بالشأن التركي في مركز القارات الثلاث أحمد الحسن.

ويرى الحسن في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه في حال تعاملت تركيا على أن هذه الثوابت غير موجودة فهذا يخلق مشكلة قانونية كبيرة لتركيا، ويصبح دخولها إلى سوريا غير شرعي، لهذا السبب -يوضّح الحسن- فإنّ أنقرة ليست في صدد أي مقاربة تتعلق بالتضحية بالمعارضة السورية أو بالإنجازات التي تمت الفترة الماضية.

وكانت أنقرة تؤكّد بشكل دائم على ضرورة أن يكون حل القضية السورية وفقاً للقرار الدولي 2254، والذي يتضمّن العودة الآمنة للاجئين، وتشكيل حكومة انتقالية يشارك فيها النظام والمعارضة، لكن النظام السوري كان يعرقل تطبيقه منذ سنوات، ويواصل التهرّب من خطواته حتى الآن.

وفي سياق الحديث عن توسيع اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا، عام 1998، والتي تضمن لتركيا الدخول مسافة 5 كم لملاحقة الإرهابيين الذين يهدّدون الأمن القومي التركي، أكّد وزير الدفاع التركي يشار غولر، في 11 تموز الجاري، على أنّ بلاده "عازمة على إنشاء ممر أمني بعمق 30-40 كيلومتراً على طول الحدود مع سوريا والعراق، وتطهير المنطقة من الإرهابيين".

طمأنة وتغييرات تركية في مناطق المعارضة السوريّة

سعت تركيا عقب الاحتجاجات التي شهدها الشمال السوري في الأول من تموز الجاري عقب أحداث ولاية قيصري، والتي تطورت إلى اشتباكات أسفرت عن 7 قتلى في منطقة عفرين، إلى طمأنة المعارضة السورية بشكل خاص، وسكّان الشمال بشكل عام من خلال التأكيد على أن تركيا “ليست ولن تكون دولة تخذل أصدقاءها".

وجاء ذلك بحسب تعبير الرئيس أردوغان في كلمة متلفزة بعد اجتماع لمجلس الوزراء في العاصمة أنقرة، حيث أوضح قائلاً: "نواصل تحسين علاقاتنا مع جميع الأطراف الفاعلة في منطقتنا، بدءاً بجيراننا، لكن في هذه العملية، لن نخذل أي شخص وثق بنا ولجأ إلينا وعمل معنا".

من جانبه أوضح وزير الخارجية التركي حقان فيدان، في 14 تموز الجاري، أنّ تركيا تقاتل جنباً إلى جنب مع المعارضة السورية ضد التنظيمات الإرهابية، منذ سنوات، مردفاً: "بصفتنا دولة مخلصة وعظيمة، لا يمكن أن ننسى هذه التضحية".

رسائل الطمأنة التركية لم تقتصر على التصريحات فقط، حيث أفادت مصادر مطلعة لـ موقع تلفزيون سوريا بأنّ الجانب التركي أجرى، يوم الثلاثاء (16 تموز)، لقاءً مع فصائل الجيش الوطني ووزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وحضره من الطرف التركي رئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، ومستشارون أمنيون مسؤولون عن الملف السوري.

وبحسب المصادر فإن الجانب التركي أكّد للوفد السوري استمرار أنقرة بمحادثتها مع النظام السوري من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومحاربة المشاريع الانفصالية، إضافة إلى تحقيق خطوات في مجال الحل السياسي، لكن هذا المسار منفصل بشكل كامل عن علاقة تركيا مع المعارضة السورية، وأنّها لن تتخلى عن هذه العلاقة، ولن تجبر المعارضة على خيارات لا تريدها.

بدوره، أكّد مصدر مقرّب من فصائل المعارضة السوريّة (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، أن اللقاء كان إيجابياً، وحمل وعوداً من قبل الجانب التركي بتنفيذ سلسلة إصلاحات على المستوى الأمني والإداري في مناطق سيطرة المعارضة، حيث أدرك الأتراك أن سبب الاحتقان في الشمال السوري لا يقتصر  أحداث "قيصري" أو على نية أنقرة في التقارب مع النظام السوري فقط، إنّما تردّي الأوضاع المعيشية والأمنية أيضاً، بسبب ضعف وترهل المؤسسات الحكومية في تلك المناطق، حيث أكّد المسؤولون الأتراك أنه "سيتم العمل على إعادة هيكلة هذه المؤسسات ودعمها لتكون أكثر تلبية لحاجات المواطنين".

هل يمكن تطبيق (نموذج درعا) في الشمال السوري؟

كثرت في الآونة الأخيرة الحديث عن إمكانية تطبيق نموذج درعا في الشمال السوري، أي إجراء "مصالحات وطنية" كما يريدها النظام السوري، ودمج بعض فصائل الجيش الوطني مع قوات النظام لمحاربة "قسد".

فالنظام السوري يريد أن يستدرج الأتراك إلى خطة مشابهة للخطة التي جرت في الجنوب، وهي فكرة "المصالحة الوطنية" أو التسوية، وأن السلطات القائمة حالياً هي سلطات شرعية، بينما الذين خرجوا عن هذه السلطات لديهم واحد من خيارين: إما الموافقة على المصالحة، أو اعتبارهم جزءاً من الإرهاب، بحسب الباحث في مركز القارات الثلاث أحمد الحسن.

لذلك فإنّ هذا المبدأ مرفوض تماماً بالنسبة لتركيا، التي عملت مع المعارضة السورية في الشمال على بناء المؤسسات والمشافي وأدخلت العملة التركية، وكل المجالس المحلية في تلك المناطق مرتبطة بالولايات التركية، بعكس الأردن وبعض دول الخليج التي كانت تدعم المعارضة في الجنوب، ولهذه الأسباب -يرى الحسن- أن الوضع القائم لا تغيير فيه وهذا الكلام هو الذي يجعل النظام غير متشجع للخطوات التفاوضية.