أعلن وزير الداخلية القبرصي لويزوس إيادكسيفاساليو يوم الأربعاء أن المجرمين سيكونون أول من سيجري ترحيلهم من بين المهاجرين السوريين.
في حين تحدث خبير بالشأن العربي يعرف باسم إيفانجيلوس موسى بأن أفضل فرصة لتفعيل عمليات إعادة السوريين من قبرص تتمثل بالتعامل الدبلوماسي مع النظام السوري.
إذ منذ بدء شهر نيسان وصل أكثر من ألف لاجئ سوري في قارب آت من لبنان، كما وصل ألفان آخران خلال الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام.
ويأتي توضيح وزير الداخلية القبرصي بشأن تشديد حكومة بلاده لنهجها محلياً بهدف التعامل مع أحدث موجة للهجرة عقب انتقادات طالت تلك الإجراءات وجهها مدافعون عن حقوق الإنسان وحزب آكيل المعارض.
وفي تلك الأثناء، أعلنت السلطات بأن هنالك ثلاثين سورياً باتت الوزارة على استعداد لسحب وضع الحماية منهم بحسب ما رشح من معلومات يوم الثلاثاء الماضي، وهؤلاء الأشخاص عادوا إلى سوريا من شمالي قبرص خلال السنة الماضية، ولذلك لا بد من إلغاء وضع الحماية الممنوح لهم، كما لا يحق لهم الطعن بهذا القرار بحسب ما علمته صحيفة سيبرس ميل من خلال مصدر تابع لوزارة الداخلية.
أتت تلك التطورات عقب اتخاذ قرارات هدفها جعل قبرص وجهة غير مرغوبة أمام المهاجرين، وذلك لمنع طالبي اللجوء والمهربين على حد سواء من القدوم إليها، وقد تمثل ذلك من خلال الرقابة المشددة على تشغيل الوافدين السوريين بطريقة مخالفة للقانون وعلى تحركاتهم.
وفي تصريح للقناة التلفزيونية الرسمية، قال وزير الداخلية: "إننا نهدف من خلال ذلك لمنع بقاء العناصر الإجرامية ومن انتهكوا شروط وضع الحماية عندما سافروا من قبرص إلى سوريا، وهؤلاء ليسوا عائلات، كما أنهم ليسوا أشخاصاً معرضين للخطر".
وبالحديث عن مركب آخر آتى حاملاً عشرين مهاجراً يوم الثلاثاء الماضي، تحدث وزير الداخلية أنهم سيقدمون لهم الطعام والمأوى وسيقبلون طلبات لجوئهم لكن معالجة تلك الطلبات ستؤجل، بما أن هنالك إجراءات جديدة دخلت حيز التنفيذ، وأكد بأن جميع الواصلين يحق لهم التقدم بطلب حتى يقوم أحد أقاربهم أو معارفهم باستقبالهم وإيوائهم، ولكن لا يحق لهم الحصول على أية معونات أو مساعدات، وكذلك لا يحق لهم أن يزاولوا أي عمل.
ورداً على الانتقادات بأن مراقبة المهاجرين وعملهم غير المعلن يعتبر تحدياً عند تطبيق الأمر عملياً، أكد وزير الداخلية بأن هذه العملية ما تزال خلال مراحلها الأولى، لذا إن أثبتت عدم فاعليتها، فسيعاد تقييمها وتعديلها أو تشديدها بحسب الحاجة.
ثم إن التعامل مع مهمة تطبيق الاتفاقية الأوروبية بشأن تحديد مناطق معينة من سوريا بوصفها آمنة يعتبر من التوجهات الأساسية لوزير الداخلية منذ أن تولى منصبه، ولهذا يقول إن تلك العملية يمكن أن تتم ضمن إطار زمني مناسب خلال أقل من عام، نظراً لوجود دول أخرى تدعم هذا التوجه وتؤيده.
فرصة للتطبيع وإعادة السوريين
وبالحديث عن البرنامج نفسه، ذكر المحلل موسى المختص بالشأن العربي والجيوسياسي، بأن أفضل رهان لقبرص لتفعيل عملية إعادة المهاجرين السوريين يتمثل عبر إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام، على الرغم من أن تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد تحول إلى شيء بغيض بالنسبة لعدد كبير من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.
وأضاف: "إن من ارتكبوا كل أنواع الجرائم في سوريا بوسعهم التواصل مع مهربين، والحصول على وثائق باسم مختلف، ومن ثم التوجه إلى قبرص".
وبحسب ما ذكره هذا الخبير، فإن أفضل رهان بالنسبة لقبرص لكونها غير قادرة على كبح جماح عمليات الهجرة نظراً لصغر حجمها، يتمثل بالتقارب مع النظام كما فعلت اليونان، عبر أنشطة دبلوماسية بسيطة تسمح بمشاركة معلومات عن الأشخاص بما يتيح لقبرص التعرف إلى المجرمين من بين المهاجرين.
يحذر موسى أيضاً من تدفق وشيك للمواطنين اللبنانيين إلى قبرص، نظراً لانعدام الاستقرار في لبنان، ويقول: "لقد احتاج الاتحاد الأوروبي لوقت طويل حتى يعترف بخطورة هذه الأزمة".
والآن تبين بأن المهربين أقاموا طرقاً خاصة للتهريب ولعبت تركيا دوراً مهماً كونها محوراً يستقطب المهاجرين، إذ يصل إليها السوريون ثم يسافرون إلى لبنان، ومن هناك يصلون إلى قبرص أو اليونان برأي المحلل موسى.
كما أن التحركات عبر هذه الطرق ستزداد بما أن ألمانيا تفكر بإعادة النظر في سياسة الباب المفتوح أمام المهاجرين السوريين على حد وصفه، إذ يقول: "استقبلت ألمانيا نخبة السوريين أي العلماء" ولفت النظر إلى أن استقبال أشخاص غير مهرة أو مجرمين يعتبر خطراً على أية دولة فما بالك إن كانت صغيرة وإمكانياتها محدودة كقبرص؟
يذكر أن الخبراء دقوا ناقوس الخطر عندما أعلنت الحكومة عن سياستها الجديدة الخاصة بتعليق طلبات لجوء السوريين نظراً لارتفاع عدد الواصلين بشكل جماعي بحسب ما أعلنه رئيس البلاد.
انتقاداً لهذا القرار، تقول الدكتورة ناسيا هادجيجورجيو وهي أستاذة مساعدة في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان إنه لأمر إشكالي أن يتخذ رئيس البلاد قرارات منحازة لمقترحات اليمين المتطرف.
وفي هذه الأثناء أوضح وزير الداخلية يوم الإثنين بأن تعليق طلبات اللجوء سيمتد لفترة أقصاها سنة وتسعة أشهر، كما أن أي سوري يتبين أنه سافر إلى بلده عبر الشمال خلال العام الماضي سيحرم من وضع الحماية الحاصل عليه.
وعندما سئل وزير الداخلية إن كانت الحكومة ستتعاون من السلطات في الشمال لمعرفة من سافر إلى سوريا، ذكر الوزير بأن تلك المعلومات ستصل إليهم من مصادرهم الخاصة على حد تعبيره من دون أن يحدد تلك المصادر متذرعاً بأسباب تتصل بالأمن القومي لقبرص.
خيارات مجحفة
أما الأفراد الثلاثون الذين باتوا على شفير الترحيل فأمامهم إما خيار القبول بالعودة الطوعية أو الترحيل، ولكن الخيار الثاني غير ممكن نظراً لأن سوريا ما تزال تعتبر دولة غير آمنة.
وفي حال عدم موافقة هؤلاء الأشخاص على العودة الطوعية ستعتبر إقامتهم في قبرص غير قانونية، وسيجردون من سائر حقوقهم، بحيث لن يعود بإمكانهم زيارة أي طبيب أو العمل في البلد.
وعلى هؤلاء الأشخاص يعلق أحد المصادر قائلاً: "سنراقبهم لنتأكد من أنهم لن يعملوا".
قرارات غير شرعية
في حين ذكرت إيميليا ستروفوليدو وهي مسؤولة المعلومات العامة لدى مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في قبرص بأن السفر إلى سوريا والعودة إلى بلد اللجوء لا يعتبر أساساً لسحب وضع الحماية الدولية من اللاجئ، حيث قالت: "إن السفر بتلك الطريقة لا يعتبر وحده سبباً لرفض طلب اللجوء أو إلغاء وضع الحماية الدولية".
أما الدكتورة ناسيا فأكدت بأن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة القبرصية بتعليق عملية دراسة طلبات اللجوء، إذ سبق أن فعلت ذلك خلال الفترة ما بين شباط 2022 وآذار 2023 تحت حكم وزير الداخلية السابق نيكوس نوريس.
ولذلك شكك خبراء بشرعية هذا القرار وقانونيته، على الرغم من تأكيد الحكومة أنه ينسجم مع القوانين الأوروبية، كما ذكر وزير الداخلية بأنه حصل على مشورة قانونية من مكتب المحامي العام بشأن هذا الأمر، وبأنه أكد له بأن العملية قانونية.
تمييز عنصري
وصف محامي حقوق الإنسان أخيلياس ديميتريادس هذا القرار بالتمييزي ووافقته الدكتورة ناسيا على ذلك، وذلك لأن التمييز بناء على الجنسية لا يمكن أن يعتبر سبباً مشروعاً للتمييز إلا إن كان الأمر يتعلق بالأمن القومي للبلد، بيد أن رئيس قبرص تذرع في تصريحه عبر منصة إكس بزيادة عدد الواصلين من سوريا، ومع ذلك أكدت الدكتورة ناسيا بأن السبب غير مشروع البتة، وأضافت بأن قانون قبرص بالنسبة لحقوق طالبي اللجوء مصدق عليه في البرلمان، ما يعني كما قالت بأن: "الرئيس لا يتمتع بسلطة نقض شيء لم يفعله هو"، أي باختصار، يتعين على هيئة تشريعية وضع أي تعديلات على هذا القانون، ولكن يبدو بأن الحكومة القبرصية تنسج على منوال القوانين الأوروبية التي تسمح بتمديد الوقت المخصص لمعالجة طلبات اللجوء.
جدل امتد لأشهر
في مؤتمر صحفي قالت آنيتا هيبر الناطقة باسم المفوضية الأوروبية إن قرار الحكومة القبرصية جائز بموجب لوائح إجراءات اللجوء، وبكل تأكيد يمكن لهذا التمديد أن يستمر لتسعة أشهر، ولكن لا بد من إجراء عملية إعادة تقييم لبلد المنشأ، بيد أن مسألة المدة المتمثلة بتسعة أشهر أثارت تساؤلات وشكوكاً، سعت وزارة الداخلية القبرصية لتوضيحها بما أن هذه المدة لا تتوافق مع المدة التي حددتها قبرص بسنة وتسعة أشهر، ولذلك استشهدت الوزارة بالمادة 31 من قانون إجراءات اللجوء والمادة 72 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، لتوضح بأن لديها ستة أشهر لتدرس طلب اللجوء ويمكن تمديد تلك المدة لتسعة أشهر أخرى، كما ذكرت الحكومة بأنها بوسعها أن تمدد لستة أشهر أخرى، وهكذا تكتمل الفترة بسنة وتسعة أشهر.
بيد أن محامي حقوق الإنسان وقف ضد هذا التفنيد وقال إن التأجيل يمكن أن يصل إلى سنة ونصف في ظل ظروف استثنائية، وأضاف: "إن الهدف من هذا البند هو تطبيق هذا التمديد على حالات فردية وليس كرد على ارتفاع عدد طلبات اللجوء".
في حين ذكر مصدر مطلع بأنه لا يجوز للوزارة أن تمدد لمدة ستة أشهر إلا إن لم تكن متأكدة من وضع سوريا أي أنها تتوقع أن تكون الأوضاع فيها مؤقتة.
وأضاف: "دخلت الأزمة في سوريا عامها الرابع عشر وما تزال تلك الدولة تمثل أكبر أزمة نزوح في العالم بعدما نزح أكثر من 12 مليون سوري في الداخل والخارج".
أما مفوضية اللاجئين فذكرت بأنها تعترف بالتحديات التي زادت من أعداد الواصلين وبأن هذه التحديات يمكن أن تشكل خطراً على الدول المضيفة، وجاء في بيان لها: "نحث جمهورية قبرص على مواصلة الوفاء بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951 ومبدأ عدم الإعادة بصورة قسرية، وهذا يتطلب استقبال طالبي اللجوء في البلد ومنحهم الحق بتقديم طلب لجوء وتقييم حاجتهم للحماية ومنع عودة الأفراد إلى مكان قد يتعرضون فيه لخطر يهدد حياتهم أو حريتهم"، وأضافت المفوضية بأنها على استعداد لدعم قبرص في التغلب على تلك التحديات.
بيد أن حكومة قبرص ما تزال تدرس فرض قرارين آخرين، إلى جانب قرار وقف معالجة طلبات لجوء السوريين، أحدهما يتصل بزيادة مراقبة الشرطة للسوريين الواصلين إلى قبرص بصورة غير نظامية ممن رفضوا الإقامة في دور الإيواء التابعة للدولة، إلى جانب منعهم من العمل بصورة غير قانونية.
إذ أعلن وزير الداخلية أنه من الآن فصاعداً سينقل المهاجرون السوريون إلى مركز استقبال واحد مخصص لهم حتى يقيموا فيه، وأتى هذا القرار بعد قطع جميع المساعدات المقدمة لهم وإرجاء النظر بطلبات لجوئهم، أي أنهم سيقبلون طلبات اللجوء لكنهم سيؤجلون النظر بأمرها، ويوجد حالياً عشرة آلاف طلب معلق لمهاجرين سوريين.
أما بالنسبة لتشغيل عمال غير نظاميين فقد استند هذا القرار إلى فقرة تبيح تعليق رخصة أي رب عمل يقوم بتشغيل مواطن من دولة ثالثة، وذلك في ضبط رب عمل وهو يعرض على سوري لا يحمل وثائق العمل لديه بشكل غير قانوني.
كما أن من يقيم من طالبي اللجوء السوريين لدى مراكز الاستقبال التابعة للدولة سيحصل على بطاقة تبيح له مغادرة المركز، وفي حال انتقاله للعيش في مكان آخر لا بد من التحقق من عنوانه بشكل دوري، وسيترافق ذلك مع عمليات تفتيش مكثفة لأماكن العمل بحثاً عن عمال غير قانونيين أو غير مصرح عنهم.
بحسب بيانات وزارة الداخلية وصل إلى قبرص حتى تاريخ اليوم من هذا العام 3703 مقارنة بنحو 3522 وصلوا إلى قبرص خلال عام 2023.
أما بالنسبة للعائدين فقد شهد هذا العام زيادة في أعداد العائدين بلغت ألف حالة، إذ بلغ عدد العائدين في عام 2023، 2348 في حين وصل عدد العائدين حتى الآن خلال هذا العام إلى 3337.
ويرجع ارتفاع نسبة العائدين إلى تعزيز حالة التعاون بين قبرص وفرونتيكس فضلاً عن التشجيع على العودة الطوعية ومنح كل عائد مبلغاً يتراوح ما بين ألف و ألف وخمسمئة يورو وذلك بحسب البلد الأم.
وفي هذه الأثناء تعمل قبرص على إنشاء مركز إيواء للمهاجرين قبل ترحيلهم بالقرب من لارنكا، ويتسع هذا المركز لنحو 800 شخص، ومن المتوقع أن يزود بإمكانيات تساعد في إجراء عمليات اعتقال المهاجرين وحبسهم في حال رفض طلبات لجوئهم بشكل قاطع وضبطهم وهم يقيمون في قبرص أو يعملون بشكل غير قانوني.
المصدر: Cyprus Mail