icon
التغطية الحية

كتب مدرسية "مهترئة".. آثار نفسية وصحية تؤرّق أهالي التلاميذ في سوريا

2024.09.23 | 05:52 دمشق

آخر تحديث: 23.09.2024 | 05:52 دمشق

كتب مهترئة
حكومة النظام السوري توزيع كتب مدرسية مهترئة على التلاميذ
تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

تواجه العملية التعليمية في سوريا العديد من التحديات، أبرزها أزمة نقص في الكتب المدرسية، رغم مرور أكثر من أسبوعين على افتتاح المدارس وبداية العام الدراسي الجديد.

وبحسب مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا فإنّه إلى اليوم لم تحصل جميع المدارس والصفوف على نسخ الكتب المدرسية، بينما حصل بعض الطلاب على بعض الكتب، وكانت قديمة ومهترئة.

"التأثير على التعليم"

وانتقد أولياء أمور التلاميذ والطلاب، التقصير الكبير في توفير الكتب الجديدة، مشيرين إلى أن ذلك يؤثر سلباً على مستوى التعليم، وأنّ الكتب القديمة لا تفي بالغرض، وربما تؤدّي إلى إحباط الطلاب.

وتأخّر الكتب أو الحصول عليها مهترئة، دفع أولياء الأمور للاعتراض، لكنّ إدارة المدارس أرجعت الأمر إلى وزارة التربية، التي أرجعته إلى وزارة السياحة، ليضيع ضمن سلسلة من الجهات الرسمية في حكومة النظام السوري، غير القادرة على حل المشكلة المتكرّرة كل عام.

وسبق أن نقلت صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام، قبل أيام، عن المدير العام لمؤسسة الطباعة في وزارة التربية، فهمي الأكحل، أنّ "مطبعة وزارة السياحة لم تلتزم بالمدة الزمنية لإنجاز الكتب".

وأضاف أنّه "تمت طباعة ما يزيد على 16 مليون كتاب مدرسي، خلال العام الحالي، بكلفة طباعة تجاوزت الـ148 مليار ليرة سوريّة"، مردفاً: "نسبة الكتب الجديدة المطبوعة للتوزيع المجاني لطلاب التعليم الأساسي تشكل الكمية الأكبر، ويبلغ عددها 13.7 مليون كتاب، وهي تزيد على 80% من الكتب التي توزّع".

موقع تلفزيون سوريا رصد ما يعتري العملية التعليمية من مشكلات وصعوبات في مناطق سيطرة النظام، وتمّ الوقوف على آراء بعض أهالي التلاميذ والطلاب في مناطق مختلفة بخصوص الكتب المدرسية.

"كتب مهترئة"

يزن -تلميذ في الصف الخامس- يحمل في حقيبته نسخة من الكتب وزّعتها عليه المدرسة مع نقص نحو ثلاثة كتب، لكن والده أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ "المشكلة لم تكن في النقص بقدر ما هي باهتراء الكتب الموزّعة، والتي لا يمكن الاعتماد عليها في الدراسة، وقد تصاب بالتلف وهي بحوزة ابني هذا العام، ما قد يجعلني أتحمّل غرامة لست مسؤولاً عنها".

وأضاف "الكتب فيها صفحات ناقصة أو مرسوم عليها أو فيها حلول للأسئلة، ما دفعني لمراجعة الإدارة، التي قالت إنّ أساس النقص في الكتب بمستودعات وزارة التربية".

والد يزن لديه طفلان آخران أحدهما في الصف السابع والآخر في التاسع، وجميعهم لديهم مشكلة الكتب ذاتها، ما دفعه للتوجه نحو أحد مستودعات وزارة التربية لشراء كتب جديدة بأكثر من نصف مليون ليرة سورية، اضطر لاستدانتها من صاحب ورشة نجارة يعمل فيها براتب 1.5 مليون أسبوعياً، متسائلاً عن سبب توفّر نسخ الكتب الجديدة لِمَن يدفع في المستودعات، بينما تحاول المدارس التحجّج بعدم وجود كتب.

من جانبه، يرى إبراهيم -والد لطفلين أحدهما صف سابع والآخر حادي عشر- أنّ ما يحدث عبارة عن انعدام مسؤولية، مشيراً إلى عدم قدرته حالياً على شراء نسختي كتب جديدة لولديه، لأنّه "لا يريد أن يكون فريسة للعبة الحكومة أولاً، فهو يرى أن وزارة التربية تحاول إجبار الناس على شراء الكتب الجديدة بتأخيرها هذا رغم ضرره الكبير على سوية التعليم، أملاً بأن تُعاد الكتب إليها نهاية العام  وتوفّر على نفسها نفقات الطباعة هذا العام والعام المقبل عندما توزّعها مستعملة مجدّداً".

والسبب الثاني -وفق إبراهيم- أنه لا يستطيع دفع ثمن نسختي الكتب حالياً، لكنه سيشتري لابنه في الحادي عشر مضطراً، لأنّ الكتب لا توزّع في هذه المرحلة مجاناً، وسيؤجّل كتب ابنه الآخر حتى الشهر المقبل، حين يحصل على راتبه من عمله في القطاع الخاص.

مشكلة "أم مجدي" في قرية الرحى بريف السويداء، أكثر تعقيداً، فابنتها نسرين تشعر بالخجل وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة بعد أن استلمت كتب متسخة، في حين زميلتها مها تسلمت نسخة كتب جديدة، لأنّ والدها "أمين فرقة حزبية".

"فجوات اجتماعية"

تقول "أم مجدي" لـ موقع تلفزيون سوريا: "ليتهم سلّموا جميع التلاميذ كتب قديمة، طالما أن عدد الكتب الجديدة لا يكفي الجميع، لا حيلة لنا لشراء كتب جديدة لخمسة أولاد، وزادوا الطين بلة حين ألغوا اللباس الموحد، الطالب الفقير لا حيلة لأهله أن يشتري له لباس جديد، بينما كان اللباس الموحد يساوي بين التلميذ الغني والفقير".

وقد أثار قرار وزارة التربية بعدم إلزامية اللباس المدرسي استياء الأهالي والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد، حيث قالت خبيرة تربوية لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "إلغاء اللباس الموحد يفتح الباب أمام ظهور الفوارق المجتمعية من معيار تفاوت قدرة الأهالي الشرائية، ويعرّض بعض التلاميذ للتنمر من قبل البعض".

وبخصوص الكتب المدرسية، قالت الخبيرة التربوية إنّه "من غير المنصف أن يحصل أحد من الطلاب على كتب جديدة في حين يحصل آخر على كتب مستخدمة، حيث يؤدي ذلك إلى نفور الطالب من الدراسة".

وأضافت أنّ "الفئات العمرية الصغيرة تفضل الكتاب الجديد، في حين تكون الفئة العمرية الأكبر من التلاميذ أكثر تقبلاً وتفهماً لاستخدام الكتاب القديم أو المستعمل، لكن بالحد المعقول، لا أن تصل إلى حد الاهتراء، ولعل التأهيل النفسي الذي يخلقه الكتاب الجديد لدى التلاميذ يكون أعلى منه في حال كان الكتاب قديماً، والأخطر هو موضوع توزيع كتب جديدة للبعض وحرمان الأكثرية منها، حيث يسود شعور غياب العدالة الصفّية لدى التلاميذ".

"مخاطر طبية من الكتب القديمة"

لا تقف خطورة الكتب المدرسية المهترئة عند الجانب النفسي أو التعليمي بل يمتد إلى الجانب الصحّي للتلاميذ، وحول هذا المحور يتحدث الدكتور فائق موسى باشا عن المخاطر المتأتية من استخدام الكتب المستعملة، لأنه يمكن لمتحورات من الأنفلونزا البقاء على قيد الحياة لفترات طويلة على الورق والقماش.

وأوضح: "هى عادة إفرازات الجهاز التنفسي التي تحمل أعلى عبء للفيروس، ولن يكون من المتوقع ظهورها عند لعق الإصبع وتحويل الصفحة، وبالتالي إذا لمس شخص مصاب بالأنفلونزا إصبعه لتحويل الصفحات، أو عطس وسعل في الكتاب من المحتمل أن يصاب شخص آخر بالفيروس".

ونبّه الطبيب إلى أن "معظم الفيروسات التنفسية تنتقل عن طريق الاتصال غير المباشر، كملامسة شخص ما للأشياء (مثل مقابض أبواب دورات المياه)، ثم يلامس غشاء مخاطياً مثل بطانة العينين عن غير قصد، بينما البكتيريا يمكن أن تنتشر عن طريق الكتب أو الأدوات المدرسية".

وبالنسبة للتلاميذ والطلاب الذين لديهم حساسية من الغبار والعفن، ينبغي عليهم بعد استعمال الكتب القديمة ولمسها تنظيف أيديهم وتجنب ملامسة أوجههم أو الأغشية المخاطية من خلال أصابع اليدين التى قد تكون ملوثة لتجنب الإصابة بفيروس.

شراء الكتب "المجانية"

من المفترض أن توزّع الكتب جديدة ومجاناً على الطلاب حتى الصف التاسع، بينما يضطر أهالي التلاميذ والطلاب لشرائها من خلال مدارسهم وبثمنها المحدد رسمياً، وفق المصادر.

ويبلغ سعر نسخة الكتب الجديدة في المستودعات للصف الأول: 93 ألف ليرة، والثاني: 109 آلاف، والثالث: 123 ألفاً، والرابع 123 ألفاً، والخامس: 160 ألفاً، والسادس: 166 ألفاً و100 ليرة، والسابع: 188 ألفاً و700 ليرة، والثامن: 195 ألف ليرة، والتاسع نحو 200 ألف ليرة، والعاشر: 181 ألفاً و400 ليرة، والحادي عشر: 186 ألفاً و100 ليرة، والبكالوريا (الثانوية العامة) تختلف الأسعار بين العلمي والأدبي وقد تصل إلى 300 ألف تقريباً للأدبي.

يشار إلى أنّ معدّلات حضور تلاميذ المرحلة الابتدائية في المدارس السّورية سجّلت نحو 98% من الأطفال، قبل العام 2011، ومعدّلات معرفة القراءة والكتابة للجنسين في حدود 90%، وذلك وفقاً لتقديرات أممية.

أما اليوم، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، هناك 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، والعدد مرشح للارتفاع نتيجة عوامل مختلفة منها نقص الكوادر التعليمية ودمار البنية التحتية وليس آخرها عدم قدرة وزارة التربية في حكومة النظام السوري، تأمين أدنى متطلبات العملية التعليمية مثل الكتاب المدرسي بجودة يصلح من خلالها أن يؤدي الغرض منه.

يبدو أنّ العملية التعليمية في سوريا، خاصّة في مناطق سيطرة النظام، تواجه العديد من التحديات التي تتراوح بين نقص الكتب المدرسية إلى الفجوات الاجتماعية والضغوط النفسية والاقتصادية.