قال الباحث السوري رضوان زيادة، إن كتابه الجديد "تدمير سوريا.. كيف نجحت استراتيجية "الأسد أو نحرق البلد"؟، يفكك العوامل التي انتهجها نظام بشار الأسد لتحقيق ضمان بقائه في السلطة على حساب دمار المدن السورية وتهجير المواطنين، في ظل عدم اكتراث المجتمع الدولي.
وأضاف الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في حوار خاص مع "موقع تلفزيون سوريا" بخصوص كتابه الجديد الصادر عن "دار الريس"، أن النظام اعتمد 5 عوامل أساسية في استراتيجيته تمحورت في "سلاح الجو، والحصار والمجازر الطائفية والتهجير القسري ومصادرة الممتلكات".
ولفت زيادة إلى أن العنف الذي بدأه النظام بإطلاق النار العشوائي على المتظاهرين السلميين زاد في رقعة التظاهر وكسر حاجز الخوف لدى السوريين.
الحوار كاملاً مع الدكتور رضوان زيادة:
1- حول ماذا يتمحور كتاب "تدمير سوريا" كيف نجحت استراتيجية "الأسد أو نحرق البلد"؟
يركز على العوامل التي اعتمد عليها الأسد في تحقيق استراتيجته ضمن البقاء في الحكم، وقد ذكرت أن هذه الاستراتيجية استندت إلى 5 عوامل رئيسية "الاستخدام المكثف لسلاح الجو، الحصار، المجازر المرتكبة على أساس طائفي أو جنسي، النزوح والتهجير القسري، وحرمان العودة بعد اللجوء عبر تدمير الممتلكات الخاصة".
ضمن هذه الاستراتيجية المختلفة على مدى العقد الماضي، استطاع بشار الأسد البقاء في الحكم، وبالوقت نفسه نلحظ أن هذه العوامل تشكل استراتيجية متكاملة لم تظهر بشكل واضح مع بداية الثورة ورفع "شعار الأسد أو نحرق البلد".
2- ماذا تضمنت استراتيجية النظام بشكل أساسي لتدمير البلد وإنهاء الثورة ضده؟
واعتمد النظام في استراتيجيته على ضمان بقائه بالحكم مهما كانت الكلفة، لذلك على سبيل المثال استخدام البراميل المتفجرة كان الهدف منها بشكل رئيسي تهجير المواطنين وجعل المناطق عن الحكم غير قابلة للعيش. والنظام استخدم هذه البراميل رغم معرفته أنها مخالفة للقانون الدولي منذ تموز 2012 تقريباً، في ظل عدم اكتراث المجتمع الدولي وعدم فرض عقوبات قاسية على استخدامها ما شجعه على إعادة استخدامها بشكل مكثف حتى حققت بشكل أو بآخر النتائج المرجوة من دون أي اكتراث لتأثير هذه البراميل المتفجرة على حياة المدنيين السوريين.
3- في ظل تلك المحددات التي انتهجها نظام الأسد ضد السوريين (قصف جو - حصار - مجازر طائفية - تهجير) ما دور المجتمع الدولي في ذلك؟
اعتمد نظام الأسد على الاختبار التدريجي لقدرة المجتمع الدولي على رد الفعل، وهذا يشمل كل العوامل التي استخدمها النظام في سياسة العنف تجاه السوريين، بمعنى أنه لم يستخدم سلاح الجو بطريقة مكثفة، إنما اعتمد على الاختبار التدريجي لردة فعل المجتمع الدولي، لأن استخدام سلاح الجو دفع "الناتو" للتدخل في ليبيا عبر مجلس الأمن، في سوريا لم يحدث ذلك، ما يعني أن التراخي الدولي في التعاطي مع النظام دفعه للتصعيد في استخدام العوامل المختلفة في استراتيجته للبقاء في الحكم.
4- هل ربط النظام تدمير البلد أو بعض المناطق (ذات أغلبية سكانية) بشكل مقصود لإعادة الإعمار والتغيير الديموغرافي فيما بعد؟
نظام الأسد لم يكترث في أي يوم بحياة السوريين، ولذلك كان استخدامه لكل أنواع الأسلحة في تهجيرهم، حيث إن أكثر من ثلث السوريين بين نازح ولاجئ في أكبر كارثة إنسانية يعيشها العالم في القرن الـ 21، وهو بالطبع لم يفكر يوماً كيف سيؤثر (قصف جو - حصار - مجازر طائفية) على حياة الناس، إنما انصب كل تفكير النظام على إخضاع تلك المناطق مهما كانت الكلفة.
5- هل يمنع النظام اليوم اللاجئين من العودة بعد تدمير ممتلكاتهم أم أنه يريد عودتهم مع استقرار بعض المناطق لنفوذه؟
نعم يمنع النظام السوري عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد عبر إصدار مجموعة من القوانين تشمل مصادرة الممتلكات، لأنه يعلم أن هؤلاء سيسببون له المشكلات في المستقبل، وهو ما تحدث عنه بشار الأسد من قبل عن المجتمع المتجانس، وهو لذلك يفضل عدم عودة اللاجئين، رغم المؤتمرات التي لا معنى لها التي ينظمها مع روسيا لتشجيع عودة اللاجئين، وقد أثبتت الأدلة والشواهد على خضوع العائدين لمراجعة الأجهزة الأمنية والاعتقال، وقد وثقت المنظمات الحقوقية الكثير من الحالات.
6- هل تفترض في الكتاب أن نظام الأسد نجح في البقاء في الحكم مع تدمير سوريا بشكل نهائي، أم أنه ما زال لدى السوريين فرصة لتحقيق انتقال سياسي في الحكم؟
أعتقد أن نظام الأسد عبر استراتيجته التدميرية وعواملها المختلفة نجح بالبقاء في الحكم، بعد 12 عاماً على انطلاق الثورة السورية، ولم تستطع المعارضة أو الثورة السورية، في تحقيق الانتقال السياسي، وبالطبع فشل المجتمع الدولي في إنجاح ذلك.
يعتبر نظام الأسد ما حصل في سوريا ومجرد البقاء في الحكم مهما كانت الكلفة انتصاراً له، رغم أن 92% من السكان تحت خط الفقر، إلى جانب العدد الهائل من اللاجئين والنازحين والمهجرين، وهذا ما أردت إيضاحه في الكتاب، أن النظام نفذ تغييراً ديموغرافياً في البلاد عبر خطة استراتيجية ممنهجة لتشكيل المجتمع المتجانس التي تؤدي إلى الطاعة الدائمة لنظام الأسد.
7- هناك نظريات سياسية تجادل بأن العنف المكثف لا يصلح لإخماد الحراك الشعبي وتستحضر أمثلة من التاريخ وتستند على فكرة أن هذا العنف يزيد من دوافع الحراك والثأر على المستوى الشخصي والجماعي؟
بكل تأكيد أن استخدام نظام الأسد لإطلاق النار العشوائي من أجل إخماد المظاهرات السلمية في البداية لم تخمد نار الثورة السورية، بل أشعلتها ضده، وانهار حاجز الخوف بشكل تدريجي ودفع السوريين للجرأة والمشاركة بالمظاهرات وفرض أنفسهم رغم الكلفة العالية المترتبة عليها.
ولذلك أعتقد أن الثورة السورية لم تستطع إسقاط الأسد في الوقت الراهن، لكنها تمكنت من تحقيق الصمود والاستمرار وزيادة عدد المناصرين لها وتمددت في مختلف القرى والمدن السورية.
8- هل خالف نظام الأسد النظرية السابقة باعتماده العنف المكثف في مواجهة الثورة ما زاد من انتشار الحراك وتحول إلى مواجهة عسكرية مفتوحة أم أن الأسباب الاجتماعية المحلية إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية كانت السبب وراء ذلك؟
الكتاب يحلل دور المجتمع الدولي في دعم الأسد بشكل أو بآخر، من خلال عدم التدخل في الوقت المناسب لمساعدة السوريين ووقف قتلهم، إلى جانب الاختلاف في استراتيجية نظام الأسد، وداعميها من إيران وروسيا والميليشيات المختلفة خاصة حزب الله، وبين إرادة السوريين في التصميم على الحياة والنصر.
وهناك عوامل يتحملها المجتمع السوري، منها تشتت القرار السياسي لدى المعارضة، والانقسام العسكري لدى الفصائل المختلفة، كل ذلك لعب عليها الأسد لبناء استراتيجية تضمن بقاءه في الحكم.
رضوان زيادة في سطور
رضوان زيادة باحث وكاتب وأكاديمي سوري والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، وباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وباحث زائر في مركز كار لحقوق الإنسان في جامعة هارفارد وزميل زائر في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، بالإضافة إلى كونه معارضاً سياسياً من قبل انطلاق الثورة السورية.
له عدة مؤلفات من أبرزها: "المثقف ضد السلطة"، و"ربيع دمشق قضايا - اتجاهات - نهايات"، و"السلطة والاستخبارات في سوريا"، و"التحول الديمقراطي - سوريا نموذجاً"، وغيرها.