قضى جمال أكثر من أربع ساعات منتظرا في المصرف العقاري بدمشق، لفتح حساب بنكي بلغت كلفته 50 ألف ليرة سورية، منها 15 ألف ليرة تم إيداعها في حسابه، و25 ألف ليرة كلفة البطاقة المصرفية.
جمال واحد من قرابة 4 ملايين سوري مطلوب منهم فتح حسابات بنكية، خلال ثلاثة أشهر، لتحويل "الدعم" النقدي إليهم، مقابل رفع "الدعم" عن السلع والمواد المدعومة ضمن ما سمته الحكومة "إعادة هيكلة الدعم باتجاه الدعم النقدي المدروس والتدريجي".
وكانت حكومة النظام قد أعلنت، نهاية حزيران الفائت، نيتها التوجّه نحو الدعم النقدي، ما أثار استياء معظم السكان من عراقيل فتح الحسابات البنكية، منها الازدحام الشديد أمام المصارف التي لم تلتزم بالدوام حتّى الساعة الخامسة ولا بيوم السبت، بحسب إفادة عدد من السكان لـ موقع تلفزيون سوريا.
ويرى جمال، وهو موظف حكومي، أنّ توجّه حكومة النظام نحو إلزام مستحقي الدعم بفتح حسابات بنكية هدفه "جمع المال من السوريين" خلال فترة الأشهر الثلاثة الممنوحة لفتح الحسابات، وذلك من خلال تقاضي بدل مادي مقابل فتح الحساب وإيداع مبلغ فيه.
وقال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "اتفاقية المصارف مع شركة الهرم للحوالات المالية تعني حصول الشركة على عمولات مالية من الناس لقاء سحب مبالغ الدعم المستحقة وغير المعروف قيمتها حتى اليوم، فضلاً عن العمولات التي سيتقاضاها المصرف أيضاً".
وكان المصرف التجاري قد أبرم اتفاقية مع شركة "الهرم"، تقضي بموجبها تقديم العديد من الخدمات منها الإيداع والسحب عبر التحويل الفوري والمباشر من وإلى حساب البطاقة المصرفية للمصرف التجاري عن طريق فروع الشركة، ما من شأنه "تخفيف أعباء الموظفين في الحصول على مستحقاتهم ورواتبهم"، وفق نص الاتفاقية.
هذه الاتفاقية لن تحل مشكلات الازدحام أمام المصارف وفروع الشركة للحصول على مبالغ "الدعم"، بحسب عصام -مهندس مدني يعمل في القطاع الحكومي- قائلاً لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "شركة الهرم وفروعها تعاني من الازدحام والتأخر في تسليم الحوالات الداخلية والخارجية"، ما يعني أنها لن تستطيع التعامل مع ملايين السوريين شهرياً لاستلام مبالغ "الدعم".
وأضاف بأنّ "هذه الاتفاقية تحمّل السوريين أكلافا مادية إضافية عبر العمولات المالية التي ستحصل عليها لقاء عمليات السحب التي ستزيد من معاناة الناس نفسياً ومادياً".
يؤجّل عصام عملية فتح الحساب البنكي بانتظار اتضاح كيفية عملية تحويل "الدعم" إلى دعم نقدي، إذ ما تزال العملية غير واضحة بالنسبة له ولغيره من مستحقي الدعم، خصوصاً أنّ إعلان حكومة النظام طالب المستحقين، بفتح الحسابات المصرفية، من دون طرحه لآلية واضحة لإعادة هيكلة الدعم.
ويدّعي النظام السوري أن "إعادة هيكلة الدعم، تهدف لتوجيهه إلى مستحقيه بغرض تحقيق العدالة ودعم الشرائح الأكثر حاجة، ولسد العجز في الموازنة العامة للدولة".
ويتوقّع خبراء اقتصاديون أنّ حكومة النظام السوري ستعمل في الأشهر الثلاثة الممنوحة لفتح الحسابات المصرفية على إلغاء الدعم المعمول به حالياً عن الخبز والغاز ومازوت التدفئة والبنزين وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف.
وبحسب مركز "جسور" للدراسات، هدف النظام من وراء التحوّل إلى الدعم النقدي، هو الحصول على أموال المساعدات الإنسانية الأممية واستخدامها في الدعم النقدي المباشر عبر الحسابات المصرفية لـ5 ملايين بطاقة سيُقدّم بياناتها إلى الأمم المتحدة.
ويتوقّع المركز استبدال أموال الدعم المقدَّم من خزينته بالدعم الدولي المقدَّم لمشاريع التعافي المبكر في حال وصولها، مشيراً إلى أنّ عملية التحوّل نحو الدعم النقدي تهدف لتهيئة الأرضية القانونية والاقتصادية والتقنية المناسبة لاستقبال أموال التعافي المبكر، التي سيُحوَّل قسم منها إلى حساب الأفراد لدعم مشاريعهم الصغيرة أو كبدل نقدي عن السلال الغذائية.
يشار إلى أنّ وزير الاتصالات في حكومة النظام السوري إياد الخطيب، قال "إن بناء منصة الدعم النقدي بدأ على أن تكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة القادمة"، وتنقسم إلى جزأين: جزء يخص "وزارة الاتصالات"، والآخر يخص "مصرف سوريا المركزي".