بعد تخبط خلال الأسابيع الماضية حول ملف إعادة اللاجئين السوريين في لبنان، ولجوء وزراء في الحكومة اللبنانية إلى طرح مبادرات فردية على طريقة "بيي أقوى من بيك" لنسب إنجاز لنفسه، واجتماعات في القصر الرئاسي مجهولة القرارات، إلى رسالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الأمم المتحدة للقول إن الملف بيده، وهي رسائل بعضها سياسي واضح في الرغبة بتعويم "العهد القوي" للقول إنه حقق إنجازا وبعضها لتقديم خدمات لنظام بشار الأسد وتقديم الطاعة له وبعضها ابتزاز للمجتمع الدولي حتى تحصّل السلطة أموالا تدعم بها خزينتها تمهيدا لسرقتها من جديد.
بعد ذلك كله، رست الأمور على تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بمتابعة ملف إعادة اللاجئين السوريين مع النظام السوري، والعودة إلى التنسيق الأمني مع النظام لإرسال اللاجئين بباصات خاصة إلى سوريا.
وحسب ما جرى تداوله من معلومات تسلم إبراهيم من وزير المهجرين عصام شرف الدين، لائحة تضم 374 عائلة سورية من منطقة القلمون القريبة من حدود لبنان، أبدت رغبتها "بالعودة الطوعية" من ضمن خطة إعادة النازحين التي تقضي بعودة 18 ألف نازح شهريا.
وسوف يقوم الأمن العام اللبناني بالتدقيق في الأسماء وإرسالها إلى وزير الشؤون المحلية ووزير الداخلية في حكومة النظام للتدقيق ومن ثم المباشرة بعد نحو عشرة أيام بتجهيز قافلة العودة التي ستضم نحو 200 سيارة. كما سرب أن هناك أسماء أخرى سترسل للأمن العام لنازحين سوريين في منطقة عكار ومدينة طرابلس أبدت رغبتها بالعودة.
العودة التدريجية للاجئين السوريين من لبنان
هذا الملف تسبب بتوتر العلاقة بين لبنان والمفوّضيّة العُليا لشؤون اللّاجئين، ولكن يبدو أن ما يحصل اليوم هو اعتماد سياسة العَودة التدريجيّة التي كانت بدأت بين الأعوام 2018 و 2020 قبل بدء جائحة كورونا، وبذلك يسحب فتيل التوتر ولا يتم تجاوز صلاحيات وزير لصالح وزير ىخر، كما ينقذ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أرسل رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة هيبته، وفي الرسالة سرد للهواجس اللبنانية من ملف اللجوء السوري والأزمة التي يتسبب بها، وبتكليف اللواء إبراهيم بالملف ووضع الخطوات العملية تفض الاشتباكات التي قامت بين الأطراف المعنية بهذا الملف لبنانيا.
موقع تلفزيون سوريا تابع هذا الموضوع وتبعاته وسبل الحل إن وجدت مع عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب بلال العبد الله الذي ينظر إلى موضوع اللاجئين السوريين في لبنان باعتباره موضوعا وطنيا وسياسيا وإنسانيا، وشدد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، على "ضرورة مواءمة هذه المواضيع مع بعضها، ومن الصحيح القول إن لبنان يرزح تحت عبء اقتصادي كبير وخطير، وينوء تحت أثقال كثيرة موجودة وجزء منها قضية النازحين السوريين ولكن في الوقت نفسه لا بد من الأخذ بالاعتبار أن التسوية السياسية في سوريا لم تحصل حتى الآن".
ويوضح: "اليوم في سوريا جيوش متعددة ومناطق منقسمة وأعتقد أن الطريقة الوحيدة المتاحة الآن هي التواصل الأمني الذي يحدث عبر اللواء عباس إبراهيم..".
ويضيف العبد الله "الكل يعرف أن العودة الكاملة للاجئين السوريين من لبنان بحاجة إلى تسوية سياسية توافق النظام السوري الذي يعتبر أن هؤلاء النازحين ورقة سياسية بيده خاصة في لبنان والأردن وتركيا، للمفاوضة مع المجتمع الدولي من خلالها لتثبيت شرعيته أولا وثانيا لتأمين أموال إعادة الإعمار وهذا حتى الآن غير متوفر لذلك أعتقد أنه في الوقت الحاضر هذه الطريقة المثلى في هذا الجو وفي ظل المعطيات الموجودة هي الطريقة المثلى بعد الخلافات التي حصلت في مجلس الوزراء وبعض المظاهر الشعبوية في تناول هذا الموضوع كان من الأفضل أن تاتي بإيقاع ولو بطيء ولكن على الأقل ثابت ورويدا ورويدا".
وفي الإطار العام لهذه القضية يؤكد النائب العبد الله: "نحن مع العودة الطوعية بوجود ضمانات أيضا لأنه للأسف هناك كثير من المعلومات حول خطف وقتل واضطهاد وتعذيب والضغط على سوريين عائدين".
استغلال ملف اللاجئين السوريين في لبنان
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي لـموقعنا: "إن موضوع النازحين السوريين في لبنان بدأ يأخذ أكثر فأكثر طابعا استغلاليا أو انتهازيا بمعنى أن العهد في أسابيعه الأخيرة يحاول أن يسجل نقطة ما في سجله الفارغ وبالتزامن مع أمله بتحقيق خرق بترسيم الحدود البحرية. أما مسألة النازحين السوريين فقد تم نقلها من يد إلى يد.. من وزير المهجرين إلى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. هذه المسألة قد تحقق شيئا فلوكلوريا، فهي خطوة فلوكلورية، من خلال إعادة مجموعة من النازحين غير كبيرة طبعا على غرار المجموعات الصغيرة التي تمت إعادتها إلى سوريا على يد عباس إبراهيم نفسه قبل سنوات وانتهت بكونها خطوة فولكلورية لم تكن على مستوى الأزمة الخطيرة التي يعاني منها لبنان".
وكمراقب لا يتوقع الزغبي أن يتمكن إبراهيم من القيام بخطوات فعلية أكثر مما فعله سواه لأن المسألة في عمقها تتصل في رفض النظام السوري وبشار الأسد شخصيا عودة النازحين لأن معظمهم معارضون لنظامه وهذا يلتقي مع عمليات تغيير ديموغرافي تحصل في سوريا على يد النظام الإيراني وحزب الله تحديدا لتغيير الطبيعة الديموغرافية في بعض المناطق السورية".
إجبار اللاجئين على العودة وتبييض صفحة النظام السوري
في الجانب القانوني، يشير المحامي والأستاذ الجامعي في مادة القانون الدولي طارق شندب في حديثه لـــ " موقع تلفزيون سوريا"، إلى "وجود حملة واضحة في لبنان وشبه اتفاق وإجماع بين الأطراف السياسية بدءا من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والوزراء كافة على إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى نظام بشار الأسد وهذا أمر بات واضحا سواء من خلال الخطابات الرسمية ومواقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، ويبدو أن الأمر أصبح شبه منتهٍ دون أن يواجه بمعارضة من أي طرف سياسي في لبنان".
ويقول إن "الخطة المرسومة لإعادتهم تتعلق بالأمور التقنية، وليس هناك تفاصيل أو معلومات عنها، ولكن ألفت النظر إلى أنه بالرغم من أن مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان أصدرت بيانا أكدت فيه أن شروط العودة الطوعية والآمنة غير متوفرة للاجئين السوريين وهناك تقارير دولية وثقت عمليات قيام النظام السوري بقتل الكثيرين من الذين عادوا وتعذيبهم".
ويلفت المحامي شندب إلى وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين "يعتبرون أنفسهم لاجئين لكنهم ليسوا كذلك، وهم يدخلون إلى سوريا ويخرجون منها وهؤلاء لا تنطبق عليهم صفة اللجوء وأسماؤهم موجودة لدى الأمن العام ويجب إعادتهم وهو أمر أساسي ومهم جدا، ويمكن البدء بهم".
"إذا ما رجعتوا ع بلدكن عم تعملوا حرب تانية بإيدكن"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) September 12, 2022
أكبر رجال الدين المسيحي في #لبنان يهدد اللاجئين السوريين
استمع إلى حديثه#نيو_ميديا_سوريا #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/xZwVvAH3PB
أما إجبار اللاجئين على العودة بطريقة أو بأخرى، فيرى أن ذلك مخالف للقانون اللبناني وللاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان والتي تلزمه بعدم إجبار أي لاجىء بالعودة إلى نظام بشار الأسد، و"لكن في مطلق الأحوال هي خطة تهدف إلى تبييض سجل صفحة الأسد وإعطاء إشارة وصورة إيجابية للمجتمع الدولي على أن النظام في وضع ممتاز وأن لا مشكلات داخل سوريا والمناطق آمنة، وهذا يعطي شرعية وتبريرا لأعمال القتل التي قام بها النظام بالإضافة إلى تبرير أعمال القتل إلى قامت بها ميليشيا حزب الله أيضا".
ويضيف حول تصريحات الراعي الأخيرة "موقف البطريرك الراعي فهو كغيره لم يتحدث عمن تسبب بهذا اللجوء، فما نسبتهم بين 70 أو 80 في المئة من اللاجيئن هم من القصير وريف دمشق ومضايا والزبداني وهؤلاء لجؤوا إلى لبنان بعدما ذهبت ميليشيا لبنانية قتلت الشعب السوري على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ولكن لم نسمع من البطريريك أو رئيس الحكومة أو أي وزير يقول إن من تسبب بموجة اللجوء السوري لبنانيون من ميليشيا حزب الله التي احتلت منازلهم وأراضيهم في القصير وحمص وحلب وغيرها والأولى أن ينسحب هؤلاء من سوريا حتى يعود اللاجئون إلى المناطق التي هجروا منها، وكل كلام آخر هو نوع من المزايدات ولا يرتقي إلى مستوى المسؤولية بل هو كلام أقرب إلى دعم بشار الأسد".
وتابع "سبق للبطريرك أن زار نظام الأسد والسلطة الللبنانية تتجاوز المجتمع الدولي وتريد ابتزازه إما دفع الأموال أو نجبرهم على العودة لذلك المجتمع الدولي لا يثق بالدولة اللبنانية ونعرف أنهم سينهبون الأموال كما حدث في السابق لذلك توقف الدعم".