أثرت الحرب الدائرة في سوريا منذ العام 2011 بشكل كبير على المهن اليدوية الصعبة، حيث دفع الخوف من قصف قوات النظام كثيراً من أصحاب تلك المهن إلى تركها.
وفي ظل ظروف الحرب التي يشنها نظام الأسد ضد قطاعات واسعة من الشعب السوري، تعمل عائلة نافو الحلبية جاهدة للحفاظ على صنعة "تبييض الأواني النحاسية" وإنقاذها من الاندثار بعد أن انخفض عدد العاملين فيها إلى حد كبير.
مدينة الباب شمال شرقي محافظة حلب، كانت في وقت ما إحدى المدن التي تزخر بالمهن اليدوية مثل الرسم والكتابة على الخشب وترصيع اللؤلؤ وتبييض النحاس، لكنها الآن مهددة بالاضمحلال، في حين يحاول القليل من الحرفيين الحفاظ على هذه المهن التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
تبييض النحاس في سوريا
عائلة نافو في مدينة الباب من أبرز العائلات التي تسعى للحفاظ على مهنة تبييض النحاس حيث يعمل الحرفي عبدو على نقل المهنة التي تعلمها من والده إلى ولده نديم البالغ 14 عاماً.
ويقضي نديم معظم وقته في مشغل أبيه بعد العودة من المدرسة، حيث يتعلم أصول المهنة.
ويقول نافو الأب لوكالة الأناضول، إنه "يعمل بالمهنة التي عمل بها آباؤه وأجداده ويسعى للحفاظ عليها، وأنه يشعر بالسعادة لذلك".
ويضيف أنه "يمارس المهنة رغم كل المصاعب التي يواجهها ويقوم بتبييض أواني النحاس وتلك المصنوعة من معادن أخرى".
ويردف: "فقدنا الكثير من الحرفيين خلال الحرب، ولم يبق هنا سوى شخصين يعملان في هذه المهنة، ونحن نعمل بكل جهدنا للحفاظ عليها من الاندثار إذ إن الجيل الجديد من الشباب لا يتقبلها لأنها متعبة".
وكان تبييض الأواني النحاسية من المهن المنتشرة في سوريا، حيث يلجأ الناس إليها للحفاظ على أوانيهم الغالية الثمن، وكذلك تلك التي ورثوها عن آبائهم كتذكار.
لكن بعد الحرب تراجعت هذه المهنة إلى حد كبير كسائر المهن الأخرى، إذ تحول معظم حرفييها إلى نازح أو لاجئ وحتى الذين بقوا في مدنهم وبلداتهم لم يجدوا الأمان ليمارسوا أعمالهم.
كما أن حالة الحرب والفقر الذي جلبته غيّرت أولويات الناس فلم تعد تحظى بالإقبال كما في السابق.
توريث المهنة
ويلفت نافو إلى أنه "يعلّم ابنه المهنة حتى يضمن استمرارها للأجيال المقبلة".
ويتابع: "المكان الذي أعمل فيه كان مشغل جدّي ثم بيع بسبب الحاجة للنقود، والآن استأجرته وأمارس فيه نفس المهنة وأحاول الحفاظ عليها في ظل ظروف صعبة وعدم وجود حرفيين ماهرين في المجال كما في السابق".
ويؤكد أنه "يعتزم تعليم أبنائه وأقاربه هذه المهنة حتى ينقلوها إلى أبنائهم بدورهم لضمان عدم اندثارها".
من جانبه، يقول نديم إنه "يقضي أوقات فراغه خارج المدرسة في مشغل والده يتعلم المهنة باعتبارها المهنة التي توارثوها من أجدادهم"، معرباً عن رغبته "في تعلّم كل تفاصيل المهنة وإتقانها بشكل كامل".