ينتشر عشرات المشردين من مختلف الأعمار على جوانب الطرقات وسط العاصمة دمشق، التي تخضع لسيطرة قوات النظام، انتشار المشردين الذي كان نادرا في شوارع المدن السورية، بات اليوم ظاهرة تعكس الواقع الذي حل بالسوريين، فكثير من هؤلاء البائسين ضحايا غياب رعاية حكومة النظام أو تعمدها أحيانا، بينما البطالة وتضاعف الأسعار عدة مرات مؤخرا تكمل الخناق على هؤلاء البائسين.
الحدائق العامة ملجأ للمشردين في دمشق
محمود مهجر من مدينة حرستا مع عائلته المؤلفة من ثلاثة أشخاص، بعد انهيار منزله بقصف جوي، يقول لموقع تلفزيون سوريا، "انهار منزلي وأجبرت على الخروج منه بالتزامن مع خسارتي لعملي في سوق الحميدية بعد هجرة صاحب ورشة الخياطة التي كنت أعمل بها إلى مصر ضمن موجة المهاجرين الجدد، لم أستطع الهجرة معه لأنني لا أملك ثلاثة آلاف دولار كلفة الهجرة بمفردي دون أفراد عائلتي".
ويضيف "أجلس في هذه الحديقة ضمن زاوية لي ولعائلتي بشكل يومي طوال النهار وفي الليل نذهب للنوم في منزل أهل زوجتي الكائن في شارع الثورة، لأننا لا نستطيع البقاء طوال اليوم في المنزل بسبب وجود ابنهم النازح مع عائلته من مدينة حماة بسبب خسارته لعمله هو الآخر قبل أكثر من شهرين".
يكمل محمود حديثه: "ذهبنا لكثير من المنظمات وإلى مكتب الصليب الأحمر الدولي ولم نتلقَ أي وعود منهم لحل مشكلة السكن التي نعاني منها أو مساعدتي بفتح مشروع صغير أقتات منه وعائلتي لتأمين مصروفنا اليومي، فقد قدمت لهم مقترحا لفتح مشروع صغير وهو عبارة عن -بسطة صغيرة- على أطراف الحديقة التي أجلس بها مع عائلتي لأبيع فيها بعضا من الأشياء الصغيرة مثل المشط ـ والخيط ـ وحاجيات أخرى مشابهة، إذ لا يكلف هذا المشروع أكثر من 150 ألف ليرة سورية لكنهم رفضوا بحجة أنهم لا يدعمون هذه المشاريع أو غيرها".
المحال الصغيرة برسم الإيجار لسكن العائلات المشردة
المحظوظ من المشردين في دمشق من يجد دكانا أو مستودعا صغيرا يلجأ إليه مع عائلته متخذا منه منزلا مع أطفاله هاربا من عذابات التشرد في الطرقات.
طارق وهو خريج جامعي من حي مساكن برزة أخرجه صاحب المنزل بسبب عدم قدرته على دفع الإيجار الشهري، الذي يبلغ 150 ألف ليرة سورية، فلم يجد ملجأ إلا السكن في مستودع صغير بمدينة التل بريف دمشق كمأوى يقيه برد الشتاء هذا العام.
يقول طارق لموقع تلفزيون سوريا "لم ينتظر صاحب المنزل القديم الذي كنت أقطنه لشهر آخر حتى أجد فرصة عمل تأمن مصاريف عائلتي المؤلفة من أربعة أشخاص -زوجتي وطفلان- كنت أعمل لدى شركة صغيرة بالتسويق الإلكتروني، لكن الشركة استغنت عن خدماتي مع ستة موظفين آخرين بسبب العجز المالي في الشركة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد".
يضيف طارق تخرجت في كلية الاقتصاد بدمشق عام 2017، ولم أجد حتى الآن فرصة عمل مناسبة في إحدى الشركات المشابهة بعد خسارتي لعملي السابق أو حتى في ورشة صغيرة لتأمين مصاريف أسرتي، ما اضطرني للسكن في هذا المستودع الصغير بإيجار شهري يصل إلى 50 ألف ليرة سورية وحالي كما العديد من العوائل التي أجاورها هنا، نتشارك الفقر والتشرد وسط مدينتنا ووطننا".
لا يختلف حال أبو أحمد في المستودع المجاور لمستودع أو منزل جاره طارق، فهو وعائلته من مهجري مدينة دوما في الغوطة الشرقية، حيث كان يمتلك مطعما لبيع الوجبات السريعة قبيل هدم المطعم والمنزل من قبل حكومة النظام بحجة تصدعهما إضافة للعديد من المنازل الأخرى بالقرب منه.
يقول أبو أحمد "كنت أملك مطعما للوجبات السريعة وأعدت تأهليه على الرغم من تصدعه نتيجة قصف الطائرات على مدينة دوما، وبعد سيطرة قوات النظام على المنطقة رجعت إلى بيتي ومحلي التجاري لأعيد تأهيله والبدء بالعمل من جديد، عملت لمدة ثلاث سنوات ونصف وبدأ وضعي المادي بالتحسن تدريجيا، لحين قدوم لجنة من مجلس مدينة دوما وبيدهم وثيقة إنذار بالإخلاء بمدة لا تتجاور الأسبوع لهدم المنزل والمحل إضافة لهدم بناء مجاور لنا بدعوى تصدعه أيضا، وخشيتهم على حياة قاطنيه على حد زعمهم، خرجت من المنزل وتوجهت إلى مدينة التل لا أملك سوى فرش منزلي وخبرتي بالعمل".
يضيف أبو أحمد "بحثت عن فرصة عمل مشابهة لعملي لأكثر من ثلاثة أشهر، لكني لم أحظى بأي فرصة نتيجة امتلاء السوق بالعاملين، فاضطررت لبيع آلات العمل التي كانت في دكاني، وبدأت أعمل بصنع المسبّحة والمخلل وبيعهم مقابل بيتي الجديد الذي لا يحتوي على أبواب إنما شوادر من منظمة الأمم المتحدة يمكن أن تحمي زوجتي وأطفالي الأربعة نظرات المارين في الطريق وشيئا من برد الشتاء القادم".
مشردون آخرون قالوا إنهم هجروا من منازلهم بعد قرارات النظام وبلدياته بتنظيم مناطقهم كـ حرستا والقابون ومساكن برزة ومنطقة التل وعجزهم عن دفع إيجار منزل في أي منطقة شعبية، حيث يتراوح إيجار المنزل في العاصمة دمشق ما بين 400 إلى مليون ليرة سورية أما في ريف المدينة فيبلغ إيجار المنزل ما بين 150 و300 ألف ليرة سورية.
إيجار المنزل في العاصمة دمشق ما بين 400 ألف إلى مليون ليرة سورية
إهمال المنظمات الإنسانية للفقراء والمشردين
يقول أبو أحمد "بينما أنتظر أكثر من 60 يوما للحصول على سلة إغاثية من منظمة الهلال الأحمر السوري بحجة عدم توافر المواد، أرى المواد ذاتها تحمل شعار الأمم المتحدة تُباع على أرصفة الطرقات وخاصة في منطقة برزة بنصف سعرها، وهنا أتساءل كما المئات من أهالي دمشق متى تضع حكومة النظام حدا للفساد الذي ينخر في جسد هذه المنظمات، التي تغض الطرف عما يحل بالناس من فقر وجوع وهمهم الوحيد ملء جيوبهم بالمال على حساب فقراء المدينة من السوريين".
وأشار أبو أحمد إلى أنه "على الرغم من فساد كثير من موظفي المنظمات إلا أنهم يعودون بالنفع أحيانا على السكان الفقراء في دمشق كونهم يبيعون المواد الإغاثية لتجار أو سماسرة في العاصمة بنصف سعرها الحقيقي، وبدورهم يقوم التجار ببيعها على البسطات أو في المحال التجارية الصغيرة على أنها "مواد إغاثة" أي أنها ليست بالجودة التي توازي المواد الأخرى".
يتجمع يوميا العشرات من هؤلاء المشردين عند منطقة جسر الثورة في الحدائق الصغيرة، قرب سوق المستعمل ليقضوا يومهم، فيما يضطر كثير منهم لمزاولة التسول في شوارع المدينة على مرأى من حكومة النظام والمنظمات الإنسانية العاملة في العاصمة دمشق.