يعد شهر رمضان المبارك موسماً سنوياً لبيع الحلويات في عموم سوريا، وخصوصاً في العاصمة دمشق، حيث يتفنن صناع الحلويات في تقديم منتجاتهم بعرض يشتهيه كل من يمر أمام بسطاتهم الغنية بكل ما لذ وطاب.
وتكتمل الموائد الرمضانية بحلويات القشطة المزينة بالفستق الحلبي، لكن في الوقت الذي تبدو فيه موائد الطعام غير كاملة في ظل الغلاء الفاحش الذي تعاني منه أسواق دمشق، ليست أسعار الحلويات أقل ارتفاعاً.
ورغم محاولات بعضهم التمسك بالتقاليد وطقوس رمضان المتوارثة جيلاً بعد جيل، فإن ارتفاع الأسعار في هذا الشهر الكريم، أبعدها عن موائد الكثير من السوريين الذين اضطروا إلى اختيار وجباتهم اليومية وفقاً لميزانياتهم المحدودة أصلاً، والتي في الغالب لا تدخل الحلويات الرمضانية في قائمتها.
وبعد أن انتصف شهر رمضان المبارك، لم تنخفض أسعار الحلويات عموماً والرمضانية خصوصاً، على العكس ارتفعت بعد ارتفاعها مع دخول الشهر، رغم قلة الإقبال في ظل التضخم الذي تشهده أسواق العاصمة.
الحلويات الشامية
وفي الجزماتية بحي الميدان، تعرض محال الحلويات بضاعتها على طاولات أمام واجهاتها لجذب أكبر عدد من الزبائن الذين يقصدون هذا السوق لشراء حاجياتهم المختلفة، في ظل ارتفاع أسواق الباعة ومناداتهم وترغيبهم بالحلويات الطازجة والذي يعد بعضها فقط في رمضان.
وترى علا صواني الحلويات المليئة بـ "النمورة بالقشطة، والمغشوشة بالقشطة، وحلاوة الجبن أو القشطة، والنهش، والقطايف، والوربات بالقشطة، والغريبة بالقشطة، والمدلوقة، والكنافة النابلسية، واللبنية بالقشطة"، وغيرها من المنتجات التي تزيد أنواعها والتفنن في إنتاجها مع موسم رمضان.
ولا تغيب الحلويات التقليدية عن واجهات العرض، حيث يبقى لها راغبوها، فتظهر "المبرومة، والبقلاوة، والآسية، وأصابع الست، وعش البلبل، وكول وشكور، والعوامة والمشبك، والمهلبية، وكشك الفقراء، والناطف" وغيرها الكثير.
وعن متوسط الأسعار في السوق قال أنس الخير أحد الحلوانية بالسوق، إن "الأنواع كثيرة جداً في السوق، وتختلف من محل إلى آخر، ولكن هناك أسعار متوسطة متفق عليها، وكل زبون يرتاح لحلواني معين، يعني لا يمكن مقارنة سعر المصنوع بالسمن العربي (الحيواني) عن المصنوع بالمخلوط أو النباتي أو الزيت".
وأضاف "الخير" في حديث مع "تلفزيون سوريا" أن "الحلويات بتعرف جودتها من ريحتها وأول لقمة، يعني الحلويات المرتبة بتكون قليلة السكر بالشام، وهذا يعد صنف أول، وعياراتها محسوبة عالميليغرام".
ارتفاع الأسعار في أسواق دمشق
وأوضح أن الأسعار اليوم بالكيلو بالمتوسط هي: "النمورة بالقشطة (سمن حيواني) 28 ألف ليرة، (أما بالسمن النباتي) بـ 17 ألف ليرة، العوامة والمشبك بـ 15 ألف ليرة، المغشوشة بـ 19 ألف ليرة، الوربات القطعة بـ 3000، وصحن النابلسية أو المدلوقة لشخص واحد بين 3500 و5500 ليرة".
وأشار الخير إلى أن "كيلو القطايف سادة بـ 8 آلاف ليرة، وكيلو القشطة بـ 15 ألف ليرة، والنهش بـ 25 ألف ليرة، وقطعة الغريبة بالقشطة بين 3000 و4000 ليرة، والبقلاوة العادية بـ 45 ألف ليرة، وبقلاوة الفستق الحلبي الممتازة بـ 60 ألف ليرة، والمبرومة بـ 70 ألفاً، والمشكل نوع أول بالسعر نفسه، ومعمول الفستق بـ 60 ألفاً والعجوة 40 ألفاً، والبرازق بـ 25 ألف ليرة".
وأكّد أن "الأسعار مرتفعة جداً، هذا صحيح، وهو حديث الناس في كل مكان، حتى نحن أبناء المصلحة نعرف ذلك، ولكن ليس باليد حيلة، كل شيء غال علينا، الطحين والسمن والزيت والغاز والسكر والمكسرات".
ولفت إلى أن أسعار السمن الحيواني يتجاوز الـ 70 ألف ليرة للكيلو، والزيت النباتي سعر اللتر الواحد يتجاوز الـ 17 ألف ليرة، والسكر 4 آلاف ليرة، وهذه أسعار بالجملة علينا باعتبار نأخذ كميات منها، وكثير منها مفقود".
إقبال شعبي ضعيف
وتشهد أسواق دمشق إقبالاً ضعيفاً على الحلويات الرمضانية في ظل الغلاء الكبير في أسعارها، والاستعاضة عنها بالحلويات الرخيصة أو المصنوعة في المنزل وإن كانت كلفتها عالية أيضاً ولكن تبقى أقل من الجاهزة.
وفي سياق ذلك، قال الخير: إن "الإقبال ضعيف، وقل بنسبة 50% عن العام الماضي، إن لم يكن أكثر، في ظل ارتفاع الأسعار بنسبة 100% عن رمضان الماضي، وهناك سلع ارتفعت أسعارها 150%، وهذا زاد التكاليف على المواطن العادي الذي لا يجد ثمن وجبة السحور والإفطار، ولذلك الحلويات تصبح ثانوية".
من جانبه، قال عبد الرحمن النشواتي أحد العاملين في صناعة الحلويات أيضاً، إن "أسعار سوق الميدان أو الشيخ سعد تبقى مرتفعة مقارنة مع محال الحلويات في الضواحي أو الكراجات، طبعاً الجودة أقل، ولكن كلها حلويات بالنهاية بتمشي يعني".
وأوضح لموقع "تلفزيون سوريا" أن "سعر البقلاوة يصل إلى 70 ألف ليرة، ولا يتجاوز 35 ألف ليرة على البسطات، ورغم أنه سعر مرتفع للكثير من الناس فإن له راغبين أيضاً، وهذا ينطبق على الكثير من الحلويات الأخرى".
وأرجع النشواتي ارتفاع الأسعار إلى تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، مؤكداً أن الشهرين الماضيين ارتفعت فيهما الأسعار بشكل كبير جداً، وإن "كانت الأسعار قبل ما بترحم ومرتفعة أيضاً".
ولفت إلى أن "الناس تستعيض عن الحلويات الرمضانية بالفاكهة أو المعروك والناعم والعوامة، يعني تبقى أسعارها معقولة إلى حد ما، حيث تشهد هذه الحلويات إقبالاً أكثر في الفترة الحالية".
الأسعار تتغير بشكل شبه يومي
من جانبه، قال أبو حسام (موظف) إنه يمر من سوق الميدان كل يوم في طريقه إلى عمله وفي أثناء العودة منه، ويراقب ارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي، مضيفاً أن "الحياة بالشام مثل الكابوس، ولولا مساعدة الأقارب في الخارج لمتنا من الجوع".
وبيّن لموقع "تلفزيون سوريا" أن "الراتب لا يكفي ثمن 2 كيلو بقلاوة مشكل، أو 2 كيلو لحمة، وماذا نفعل بما تبقى من أيام الشهر، ولكن ليس في اليد حيلة".
وأشار أبو حسام، إلى أن حكومة نظام الأسد "لم تجد حلاً لما نحن فيه صحيح، ولن تجد، وهذا أصبح مطروقاً في الشارع اليوم، فيك تحكي أن الغلاء كبير حتى مسؤولو النظام يقولون إن الأسعار مرتفعة وفي تضخم، طيب أين الحل؟ لا يوجد. ولذلك سيكون الإقبال على الحلويات ضعيفاً، وربما سيكون على الخبز ضعيف بعدة مدة. الله المستعان".
وسبق أن صرح رئيس جمعية الحلويات "بسام قلعجي" لصحيفة تشرين التابعة لنظام الأسد، أن ارتفاع أسعار الحلويات في الأسواق أدى إلى انخفاض الإقبال على شرائها بنسبة تزيد على 60%، الأمر الذي سبب هذا الارتفاع لأسعار الحلويات إلى جانب ارتفاع تكاليف إجازات الاستيراد بشكل كبير وارتفاع أسعار المواد الأولية ومدخلات الإنتاج.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري أزمات اقتصادية متعددة، زادت مع دخول شهر رمضان المبارك، إذ ارتفعت الأسعار إلى درجات أكبر، في ظل فقدان العديد من السلع من الأسواق، ورفع حكومة نظام الأسد الدعم عن كثير من العائلات السورية، في الوقت الذي تشهد فيه الليرة انهياراً في أسعار الصرف أمام الدولار، وزيادة عدد الفقراء والمحتاجين إلى نسب غير مسبوقة.