عندما تسير في أسواق دمشق تسمع الباعة ينادون على المارة "رماك الهوى يا ناعم"، و"خمير للأمير" و"أكل الملوك هالمعروك" و"بارد يا تمر" وغيرها من العبارات التي تسوق لبضاعتهم التي تنتشر في أسواق وعربات دمشق بشكل كبير في هذه الأيام.
وتعد هذه الأكلات والمشروبات من طقوس شهر رمضان المبارك، حيث تنزل إلى الأسواق السورية عموماً وفي العاصمة خصوصاً، لتوضع إلى جانب المائدة في ساعات الإفطار، كتحلية خفيفة ومشروب بارد يروي ظمأ الصائم ويبلّ به عروقه مع أذان المغرب كل يوم.
كيف يصنع خبز الناعم؟
ويعد الناعم من أبرز الأكلات الشامية التي يعتقد أنها بدأت في دمشق، ولا يصنع إلا في شهر رمضان، ويمتاز بطعمه المقرمش ويزين بدبس العنب أو التمر على وجهه.
ومع ارتفاع أصوات باعته، يقبل سكان العاصمة إلى العربات أو المحال التي تبيعه ليرَوا كيف يُقلى في الزيت ويأخذ لونه ثم يزيّنه صانعوه بالدبس.
وقال سامر الزين أحد صناع الناعم في حي الميدان، إن "خبز الناعم أكلة تراثية، ما زالت حتى الآن تصنع بالطريقة التقليدية، وهو مزيج من الطحين والماء والزيت بشكل أساسي ويعجن على شكل أرغفة ثم ينشف في الشمس ويجهز قبل رمضان بأسابيع".
وأضاف في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "الناعم يقلى كل يوم بيومه ليكون طازجاً ومقرمشاً، حيث يوضع في الزيت المغلي ويحرك بالعصي الخشبية ليأخذ لون (جناح الدبور) ثم يوضع على المصفاة النحاسية وبعد أن يبرد نضيف له دبس العنب أو التمر بأشكال مختلفة باستخدام أداة خشبية كبيرة على شكل (شوكة الطعام)".
وأردف الزين قائلاً: "بعد تزيين الناعم نضع كل رغيفين أو ثلاثة في كيس خبز شفاف حتى يراه الناس، وكما هو معروف، الناعم حلويات الفقير، ويلي ما بيقدر على شراء المدلوقة والنابلسية مالو إلا الناعم بسهرة ما بعد التراويح".
وأشار الزين إلى أن السوق ليس مثل قبل بسبب ارتفاع الأسعار، كيس الناعم الآن بين 6500 ليرة إلى 7500 ليرة سورية، وفي بعض المناطق يصل لـ 9000 ليرة، والسبب الأساسي في ذلك يعود لغلاء أسعار زيت القلي، وفقدان الطحين من الأسواق.
"المعروك أكلة الملوك"
وليس "خبز الناعم" فقط هو الذي يأخذ شهرته الواسعة في رمضان، إذ ينافسه خبز "المعروك" بشكل كبير، وينتصر عليه عند بعضهم.
ويزعم الدمشقيون أنهم أول من صنع المعروك بحسب رواية أبو عمر صاحب أحد الأفران في حي الزاهرة، حيث أكّد البالغ من العمر 72 عاماً، أن "المعروك صنع في دمشق أول مرة قبل أكثر من قرن، وسُمّي لأنه يُعرَك في الليل طويلاً على يد عمال الأفران والحلوانية ثم تترك العجينة لترتاح حتى الصباح ثم يدخل إلى الفرن".
وقال أبو عمر في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" إن مقولة (ياما عركوك بالليالي يا معروك) من الأمثال الشامية وتؤكد صحة كلامه، مبيناً أن "عَرْك عجينة المعروك لم تعد تتم بالأيدي بل عبر العجانة، لكن يمكن الدعك باليد في حال لا توجد عجانة أو مقطوعة الكهرباء".
ولفت أبو عمر إلى أن المعروك تطور بشكل كبير في عموم المدن السورية وحتى في بلاد الشام، حيث لم يعد أكلة شامية فقط، فقد طُوّرَ عليه، فالأصل في المعروك أن يُحشى بعجوة التمر أو بالزبيب، أما جوز الهند أو القشطة ومؤخراً الشوكولا أو الجبنة فهو جديد.
وعجينة المعروك العادية، هي: "طحين وزيت نباتي وسمنة وسكر وماء وشمرة ويانسون وسمسم وحبة بركة (بعضهم يضيف ماء زهر)، تخلط وتعجن بشكل جيد، ثم تترك لعدة ساعات حتى تختمر وتصبح جاهزة للفرد على الصواني بحسب الحجم والوزن ثم تدخل إلى الفرن وتشوى" بحسب أبي عمر.
وبيّن أيضاً أن "الوضع الاقتصادي في سوريا سيئ للغاية، حيث كان رمضان شهر الخير ولا يبيت أي معروكة عندنا في الفرن، الآن يبيت عدد منها على غير العادة بسبب غلاء الأسعار واقتصار الناس على شراء الضروريات، والحق معهم طبعاً".
ولفت إلى أن قطعة المعروك بين 8000 ليرة إلى 15000 ليرة سورية، بحسب الحجم والحشوة، ولدينا سادة وبجوز هند وبعجوة، والأخيرة هي الأكثر طلباً.
"السوس" من يحبه ومن يكرهه
ولعل شراب "العرق سوس" من أكثر المشروبات الرمضانية التي يثار حولها الجدل، حيث يدافع عنه كثير من الناس ويضرب به الكثير أيضاً.
وينادي الباعة في أسواق دمشق على السوس وتفوح رائحته بشكل كبير رغماً عمن لا يفضله، وجذباً لمن يحبه.
والعرقسوس نبات مشهور في سوريا ومصر بشكل خاص، ينتشر شرابه بشكل خاص في شهر رمضان على العربات وفي المحالّ التي تبيع الحمص والفول في دمشق.
ويستخرج من جذور شجرته مادة العرقسوس، وهي أكثر حلاوة من السكر العادي ويمكن مضغها أو تؤكل كحلويات، ويدخل في صناعة العديد من المشروبات بما فيها "الكولا"، له العديد من الفوائد الصحية والطبية.
وحول كيفية صنع شرابه، قال محمد درويش أحد باعته في سوق أبو حبل بحي الميدان، "صناعة السوس سهلة ولكن فيها نَفَسْ مثل الطبخ، يعني طبخة السوس الراكزة بتكون بعياراتها الصح".
وأضاف درويش لموقع "تلفزيون سوريا" أن مكونات العرقسوس بسيطة "ماء والعرقسوس المطحون وملعقة صغيرة من بيكربونات الصوديوم".
وتابع: "نضع العرقسوس فى إناء ويضاف إليه بيكربونات الصوديوم، ثم نرش عليه الماء بشكل خفيف حتى يبتل ونتركه مفروداً على وعاء لمدة ساعتين أو أكثر، ثم نضع المزيج في قطعة قماش بيضاء نظيفة ونربطها على شكل (بقجة)، ونضع وعاء تحتها وتتم إضافة الماء إلى العرقسوس مع الضغط عليه ليصفى في الوعاء أسفل القماشة، يضاف إليه الثلج أو يوضع في البراد".
ولفت درويش إلى أنه يبيع السوس في أكياس شفافة بما يملء إبريقا أو ليترا، و"يبلغ سعر الكيس 3000 ليرة ويعود ارتفاع سعره هذا العام لارتفاع أسعار كل شيء في السوق، فكيلو السوس الناشف بـ 15 ألف ليرة سورية، وفي عنا تكلفة المياه والأكياس".
بارد يا تمر
وبما أن "عرق السوس" يثير الجدل بين محبّ وكاره، يبدو أن هناك إجماعاً على محبة شراب التمر هندي، ورغم أنه في أصله شديد الحموضة إلا أن إضافة السكر تجعله ضيفاً مهماً على موائد السوريين في رمضان.
جاء إلى سوريا قبل مئات السنين، واشتهر على موائد الدمشقيين في زمن الدولة العثمانية، وأدخلوه إلى بعض الأكلات أيضاً، إلى جانب تقديمه كشراب بارد في الصيف ورمضان بشكل خاص.
وينتشر باعته في أسواق دمشق القديمة مثل سوق الحميدية حتى اليوم حيث يحملون على أكتافهم أواني نحاسية ضخمة يسكبون منها التمر أو السوس ويبيعونه للمارة.
وقال درويش الذي يبيع إلى جانب السوس كلاً من التمر والجلاب أيضاً، إن "الناس تفضل "التمر هندي أكثر، خصوصاً أن مذاق السوس غريب، ولا يحبه كثير من الناس، وأنا أعتبر أنه شراب الذواقين".
وأضاف أن التمر هندي موضوعه بسيط ينقع بالماء لعدة ساعات ويحرك أو يغلى، وهو شراب شديد الحموضة نضيف له الكثير من السكر حتى يعطينا حلاوته.
وأردف أن ارتفاع الأسعار دفع بعضهم لشرائه من غير سكّر ويحلونه في البيت أو من يضعون القليل من السكر فيه.
ووصلت أسعار ليتر التمر هندي إلى 2500 ليرة عادي و5000 ليرة مع سكر، في حين وصل الجلاب إلى 2500 ليرة بحسب "درويش" الذي أكّد أن سعر ظرف الجلاب 1500 ليرة، وسعر كيلو التمر هندي ناشف 12 ألف ليرة.
ارتفاع أسعار جنوني
وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري وخصوصاً دمشق، من ارتفاع هائل في أسعار السلع والمواد الغذائية، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة السوريين في رمضان، في ظل تراجع القدرة الشرائية، وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار.
وقالت سهام الأمين التي تعمل معلمة صف ابتدائي في إحدى مدارس دمشق، إن "الناعم والتمر هندي والسوس والمعروك صارت غالية علينا، وكنا من قبل نشتريها لأطفالنا لأنها رخيصة، اليوم لم تعد كذلك، أصبحت غالية".
وأوضحت لموقع "تلفزيون سوريا" أن "تأمين لقمة العيش في دمشق، وربما في كل سوريا باتت من أصعب ما يكون، كل شيء أسعاره بأضعاف مضاعفة عن الأشهر الماضية فقط، والجميع يلجأ لصناعة مأكولاته ومشروباته في البيت والكثير لا يصنع ولا يشتري ويمضيها على المساعدات".