رغم الفقر والعوز وقلة الحيلة، ما زالت روائح حلويات العيد تفوح من المنازل القريبة من بعضها بعضا في دمشق، في محاولة من الناس لنسيان الأزمات الاقتصادية المتفاقمة من ارتفاع أسعار المواد وقلة المدخول وسط فشل النظام السوري في إيجاد أي حلول.
وفي طقس احتفالي تتجمع سوريات قرب أواني ممتلئة بعجينة الحلويات الشامية، لصناعة المعمول بأنواعه بالفستق الحلبي والجوز والعجوة والنانرج وكعك العيد و"البيتفور" وغير ذلك من الحلويات المنزلية التي تشتهر بها دمشق.
وأدى ارتفاع أسعار الحلويات في سوريا إلى لجوء العائلات لصناعة الحلويات بأنفسهم والابتعاد عن شراء الجاهز، رغم اقتصار الحلويات المصنوعة في المنزل على أرخص الأنواع مثل "كعك العيد (أقراص موات) أو (البيتفور).
كيلو البقلاوة بـ 3 رواتب
وبلغ سعر كيلو البقلاوة المشكل في سوق الميدان بـ 275 ألف ليرة سورية، وقد ينخفض إلى 200 ألف ليرة بحسب المحل أو الماركة التي تبيعه، ما يعني أن كيلو البقلاوة يحتاج عمل 3 أشهر لأي موظف حكومي حتى يشتريه.
ويبلغ متوسط رواتب الموظفين الحكوميين في سوريا 100 ألف ليرة سورية، وهو ينخفض بشكل مستمر مع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار (حالياً سعر الدولار 8750 ليرة سورية).
في حين يمكن أن يبدأ سعر كيلو البقلاوة العادية من 175 ألف ليرة في الأسواق الأبعد عن العاصمة في ضواحي دمشق وريفها.
ولا يقل سعر معمول الفستق الحلبي الذي تشتهر به دمشق عن البقلاوة وأنواعها الكثيرة، حيث يتجاوز سعر الكيلو غرام 200 ألف ليرة، في حين يصل كيلو معمول الجوز إلى 130 ألف ليرة، وكيلو البرازق أو الغريبة بـ 70 ألف ليرة للكيلو الممتاز.
ارتفاع التكاليف
وتعد صناعة الحلويات الشرقية (وحتى الغربية مؤخراً) في سوريا من أبرز المهن التي يعمل بها عشرات الآلاف، وإن كانت الأكثر انتشاراً هي الحلويات الرخيصة مثل العوامة والمشبك والكنافة النابلسية والمدلوقة والهريسة، أما الحلويات المصنوعة من الفستق الحلبي والجوز والكاجو واللوز فهي أقل انتشاراً.
ويشتكي العاملون في مجال تصنيع الحلويات من ارتفاع كلفة إنتاجها وتراجع الطلب عليها يوماً بعد يوم، مع ارتفاع أسعار موادها، خصوصاً السمن الحيواني والمكسرات وزيت القلي، حيث إن معدل التضخم يفوق قدرات السكان على الشراء، الذين يعدون الحلويات من الكماليات ويستعيضون عنها بالحلويات المصنوعة بالمنازل.
أقل بخمسة أضعاف
وقالت أم هاني إن غلاء الأسعار في أسواق الشام لم تعد محمولة، يعني كنا قبل عدة أعوام فقط، نستطيع شراء كيلو أو اثنين من البقلاوة والمبرومة أما اليوم فلا يمكن ذلك مع الارتفاع الهائل بأسعارها.
وأضافت أم هاني لموقع "تلفزيون سوريا" وقد بدأت بعجن الطحين لإعداد حلوياتها المنزلية مع بعض من الأقارب، أن كلفة المنزل أقل بخمس أو ست أضعاف من التي في السوق، ومع ذلك فهي مرتفعة لأي موظف ما زال يقبض 100 ألف ليرة في الشهر".
وأشارت إلى أن "الحلويات الجاهزة ما زال لها راغبوها من المقتدرين مادياً أما نحن المعترون فلنا الله وما يرسله لنا أبناؤنا من المهجر".
من جانبها، قالت أم حسن، التي تسلمت العمل على الفرن لشواء الحلويات مع أم هاني، إن "صناعة الحلويات المنزلية ممتعة وقد تعلمناها منذ الصغر مع أمهاتنا، وهن تعلمنها من أمهاتهن وهكذا، فهي صنعة متوارثة وقديمة جداً".
وأضافت أم حسن في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن غلاء كل شيء، يجبر السوريين على التكافل فيما بينهم لصناعة الأكل والحلويات معاً، مما يقلل التكاليف كثيراً، خصوصاً بما يخص الغاز.
وأردفت أنه في عيد الفطر الماضي، صنعوا الحلويات في بيتها، وهذه المرة يصنعونه في بيت أم هاني، ويبقى تقاسم تكاليف مواد الحلويات من طحين وسكر وسمن وعجوة أما الجوز والفستق الحلبي فلم نشتره من سنوات.
كم تبلغ كلفة الحلويات المنزلية؟
وقالت أم حسن، التي تولت مسؤولية شراء المواد الأولية لصناعة الحلويات المنزلية، إن سعر كيلو غرام الفستق الحلبي يبدأ من 260 ألف ليرة، أما كيلو الجوز فيبدأ من 85 ألف ليرة لذلك لا نستطيع شراء أي منهما.
تصف أم حسن ورفيقاتها، أقراص المعمول المحشوة بعجوة التمر وتلمع بسبب السمن على الصواني لإدخالها إلى الفرن _مع الخوض في الكثير من الأحاديث عن الغلاء واستمرار التضخم مروراً بحالات الزواج والطلاق الجديدة وقصص لا تنتهي_ تصف الحلويات بعد نضجها بالفرن بأنها مثل "جناح الدبور" أو "بتاخد العقل" "ما شاء الله أظرف من مليون سوق".
وعن أسعار المواد أوضحت أم حسن، أن كيلو الطحين بـ 10 آلاف ليرة، والسمنة أسوأ نوع الكيلو يبدأ من 10 آلاف ليرة، وسمنة البقرة الحلوب الكيلو بـ 100 ألف ليرة، أما قالب العجوة بـ 12500 ليرة.
وبخصوص تكاليف صنع الحلويات المنزلية، قالت أم حسن، إن كلفة صنع 1 كيلو غرام كعك العيد (أو أقراص موات) تصل لـ 50 ألف ليرة مع غاز وشوي، والأمر ذاته ينطبق على كلفة "البيتفور" و"البرازق والغريبة".
أما كلفة معمول العجوة (التمر) في البيت فيبدأ من 75 ألف ليرة للكيلو الواحد، والأمر نفسه على معمول النانرج أو البرتقال أو التين، ولذلك يلجأ الناس إلى صناعة المعمول من حشوات سعرها أقل تستخدم فيها المربيات المنزلية.