حرب أوكرانيا.. السلاح الأميركي وضرب العمق الروسي

2024.06.24 | 05:48 دمشق

آخر تحديث: 24.06.2024 | 05:48 دمشق

 Ukrainian serviceman launches a mid-range
+A
حجم الخط
-A

لم يكن القرار الأميركي بالسماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية في العمق الروسي مجرد زلة لسان من الرئيس جو بايدن كما عودنا دائمًا، بل هو قرار تم اتخاذه في الكونغرس الأميركي وأعلن عنه الناطق الرسمي للبيت الأبيض.

وقع القرار بعد التوافق الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مساعدات لأوكرانيا بقيمة واحد وستين مليار دولار. بالرغم من التمهل الأميركي بهذا القرار والتقاعس الواضح في دعم الحرب الأوكرانية، توافق الطرفان على إقرار الدعم الواضح لهذه الحرب بما يدعمها ماليًا وعسكريًا ولوجستيًا. الحزب الديمقراطي وافق على هذه الهبة كي لا يترك ثغرة في التفاوض القادم بين الرئيس الجديد والرئيس الروسي، وخاصة أن ترامب كان يصرح علنًا بأنه سوف ينهي الحرب بسرعة.

بالرغم من التمهل الأميركي في إمداد أوكرانيا بالسلاح، وافقت الولايات المتحدة على ضرب العمق الروسي بهذا السلاح ووضع حد نهائي للهجمات الصاروخية الروسية ضد المدن الأوكرانية من خلال استخدام سلاح غربي يغير طريقة الحرب المستمرة ضد أوكرانيا لإسقاطها.

حاولت روسيا سريعًا تغيير المعادلة على الأرض من خلال الهجوم السريع الذي شنته على الشرق الأوكراني للتقدم نحو خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، من أجل نقل خطوط المواجهة إلى المدينة التي كانت تعتبرها روسيا موالية لها منذ العام 2014 إثر الانتفاضات التي خرجت للشوارع تطالب بعلاقات جوار مع روسيا. لكن خاركيف كانت السد المنيع للحملة الروسية المتجهة نحو الجنوب، وخسرت روسيا العديد من جنرالاتها في هذه المدينة. بالإضافة إلى أنها أصبحت تشكل خطرًا مباشرًا على مدينتي "برينسك وبيلغورود" اللتين تتعرضان لقصف صاروخي مباشر من كييف.

حاول الرئيس الروسي بعد انتخابه في 18 آذار/مارس الماضي تغيير الخارطة والتقدم نحو خاركيف لاحتلالها أو إقامة خط فاصل بينه وبين المدن الروسية حيث يصعب الوصول إليها، مما يساعد روسيا في السيطرة عليها بالمدفعية.

التوجه الروسي كان واضحًا طوال شهر أيار/مايو الماضي حيث حققت روسيا بعض النجاحات في اختراق الخطوط الأمامية، مستغلة غياب المساعدات الغربية لأوكرانيا. وهذا التقاعس يساعد روسيا في تغيير وجهة الحرب الميدانية بسرعة، حيث رفع الرئيس الروسي شعارًا واضحًا أمام الأميركيين بأنه يقبل التفاوض على مستقبل أوكرانيا بشرط إبقاء الوضع كما هو عليه، أي الاعتراف بالمناطق التي ضمتها روسيا إليها. وبالتالي، فإن التفاوض سيكون على مدن (خاركيف وأوديسا أو ميكولايف) في حال تم التوغل السريع والسيطرة العسكرية عليها.

لكن ما حدث هو إقرار سريع من الاتحاد الأوروبي وأميركا بتسريع المساعدات العسكرية وإيصالها إلى الجيش الأوكراني. وبدأت هذه المساعدات تصل تدريجيًا إلى الجيش الأوكراني الذي بات يستخدمها في المعارك المستعرة على الجبهة، حيث أصبحت تعطي نتائج سريعة مما فرض نوعًا من إعادة رسم الخطوط على الجبهة دون تغيير كبير في خطوطها.

لكن أوكرانيا لم تكتفِ بذلك، بل ذهبت أبعد من ذلك نحو استخدام هذا السلاح بما يتوافق معها لصد الخطر الذي يشكله الاتحاد الروسي. استطاع الرئيس زيلينسكي إقناع الدول العشر بالسماح لأوكرانيا باستخدام السلاح المرسل لها لضرب العمق الروسي. لكن المشكلة بقيت عند فرنسا، التي كانت ترسل رسائل إلى روسيا بأنها سوف ترسل مدربين وقوات خاصة إلى أوكرانيا في حال سقوط الخطوط الأمامية، ولن تسمح أوروبا بأن يطرق بوتين أبواب عواصمهم. وكان الموقف الألماني شديد اللهجة نحو عدم استخدام السلاح الألماني لضرب العمق الروسي.

الموقف الأميركي بات يريد القول إنه منفتح على كل الاحتمالات ولن يعطي نصراً مجانياً لروسيا ورئيسها، ولن يسمح بهزيمتها وإنما جرها إلى طاولة المفاوضات

لكن المشكلة كانت تكمن في القرار الأميركي، الذي يعتبر المشكلة الأساسية بسبب قراره الثابت بعدم استخدام هذا السلاح إلا لحماية الأراضي الأوكرانية. لكن الجيش الأوكراني الذي سجل عملية ارتدادية سريعة في استعادة الكثير من النقاط التي خسرها في الآونة الأخيرة، أعطى ورقة جديدة للدبلوماسية الأوكرانية بتشكيل لوبي أوروبي ضاغط بقيادة بولندا ودول البلطيق والنرويج وهولندا ورومانيا للتأثير على مصادر القرار وإقناع النخبة بأن ضرب العمق الروسي سوف يعطل تقدم القوات الغازية ويمنع الإمدادات اللوجستية والتخزين والمحروقات والاتصال والتواصل.

في ظل هذا التطور الذي أدى إلى تغيير المواقف الدولية، باتت الدول الغربية تعتبر أنها ستكون العامل الأساسي في تغيير طبيعة الصراع الحالي في أوكرانيا من خلال الدلائل التي أعطتها الدول الغربية باستخدام سلاحها خارج أوكرانيا، بما فيها ألمانيا وفرنسا، ولكن الحدث الأكبر أتى من الولايات المتحدة التي سمحت باستخدام سلاحها المرسل لضرب الأهداف العسكرية في العمق الروسي. بالطبع، الولايات المتحدة باتت معنية في فرض تغيير في عملية الصراع من خلال فتح الأوراق كلها أمام روسيا، لأن الغرب يرسل رسائل واضحة للنظام الروسي بأن انهيار أوكرانيا خط أحمر وغير مسموح، وحتى لو أدى ذلك إلى تدخل أوروبي وأطلسي في الصراع.

الموقف الأميركي بات يريد القول إنه منفتح على كل الاحتمالات ولن يعطي نصراً مجانياً لروسيا ورئيسها، ولن يسمح بهزيمتها وإنما جرها إلى طاولة المفاوضات.

يتبلور الموقف الروسي في خطابات التهديد التي يطلقها مسؤولون في السلطة والدفاع، وما يبين الخيبة التي تلقتها من الغرب بأنها لم تكن جاهزة لهذا السيناريو، حتى لو هددت بالنووي. لكن ذلك غير حقيقي وروسيا تعلم أن التهديد شيء والاستخدام شيء آخر.

في المقابل، يحاول حلف الناتو تعزيز القواعد العسكرية لقواته في دول البلطيق وبلغاريا ورومانيا وبولندا وفنلندا والسويد خوفًا من تحرك روسي مفاجئ. لكن الجميع سوف يعول على خطة السلام الدولية التي تحاول أوكرانيا تقديمها لإنهاء الحرب وفقًا لثلاثة شروط: 1- عدم التهديد بالنووي 2- عدم استخدام سلاح الغذاء 3- الانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة حتى حدود 1991.

يعني باختصار أن السماح الأميركي لأوكرانيا باستخدام السلاح يعود بالدرجة الأولى إلى رغبة أوروبية واضحة في تحديد سياسة مستقلة خاصة بالاتحاد الأوروبي، وهذا يساعده في الاستقلال عن أميركا والابتعاد عن روسيا.

النقطة الثانية هي أن أميركا تحاول إلقاء المسؤولية على أوكرانيا لتحديد ماذا تريد، وهذا يعفيها من التفاوض مع روسيا بل يؤكد أنها ستسير بالشروط التي تحددها أوكرانيا للدخول في عملية حوار قادمة مع روسيا من أجل إنتاج عملية سلام مستقبلية بين الطرفين.

لا شك أن السلاح الغربي في أوكرانيا سيكون له التأثير الكبير على تغيير طبيعة المواجهات وسير المعارك لإنتاج طاولة حوار بين الطرفين على قاعدة الندية بين روسيا وأوكرانيا، مما يسمح لهما بالتفاهم على بلورة اتفاق جدي وناجح لإنهاء الحرب بينهما.

لقد طرحت الولايات المتحدة مبادرة على روسيا بأن عليها الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة، وستكون أوكرانيا خارج حلف الناتو. وأوكرانيا لم تعد بحاجة للناتو اليوم، بل الناتو بحاجة لها ولخبراتها الميدانية في الدفاع عن أوروبا. بالإضافة إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استطاع في جولاته الأخيرة توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول كبرى عديدة، وتعتبر هذه الاتفاقيات أكبر من الدخول في الناتو على غرار تايوان وإسرائيل.

كلمات مفتاحية