يعيش كثير من الشباب السوري في مصر تحديات كبيرة في تأمين فرص عمل مناسبة ودخل يغطي كافة الاحتياجات، خاصة أرباب الأسر المثقلين بالطلبات من مصاريف إيجار المنازل والأقساط الشهرية للمدارس ونفقات تجديد الإقامة وغيرها.
وما يزيد العبء على بعضهم عدم وجود خبرة كافية في إحدى المهن ما يدفعه للعمل بأخرى لا يتقنها كمبتدئ، الأمر الذي ينعكس على دخله الشهري ويصبح محدوداً نوعاً ما، كل ذلك دفع فئة للجوء إلى العمل من خلال تطبيقات النقل الذكي، فالأمر لا يحتاج سوى إلى سيارة ومقدرة على قيادتها ( أمر يتقنه جُلّ الشباب).
وبات العمل على هذه التطبيقات (أوبر- إن درايفر- كريم.. وغيرها) لمن يمتلك سيارة خاصة كحل إسعافي سريع، يؤمن دخلا جيدا يسد احتياجات العائلة، ويكون العامل فيه سيد نفسه وهو المتحكم بمردوده الشهري حسب ساعات عمله.
وظيفة رئيسية
امتهن شبان وأرباب أسر هذا العمل كوظيفية رئيسية لعدم إتقانهم مهناً أخرى، وانخفاض رواتب العروض المقدمة لهم من محال تجارية سورية افتتحت أبوابها في مصر.
يقول "وائل برهان" شاب من ريف دمشق وصل لمصر قبل 3 سنوات قادماً من أربيل في العراق، إنه لم يجد فرصة عمل براتب جيد وكان على أبواب الزواج، ما دفعه لتأمين مبلغ من عائلته لشراء سيارة والعمل عليها ضمن تطبيقات النقل الذكي.
ويضيف في حديث لـ"موقع تلفزيون سوريا" إنه في البداية كان العمل جيدا جداً والمردود المادي ممتازا، ولكن بعد الزواج وازدياد المتطلبات لم تعد الأمور كما كانت عليه ويضطر الآن للعمل نحو 12 ساعة لتأمين احتياجات منزله ودفع إيجار الشقة الذي تضاعف خلال الفترة الأخيرة وبات 4000 جنيه مصري بدلا من 2000.
وكان "برهان" يعمل في مجال "الزينة بالورود" في سوريا، وعندما سأل على عمل مشابه في مصر تم تحديد راتب 3000 جنيه شهرياً له، والذي يعتبر قليلاً جداً مقارنة مع المصروف الذي يحتاجه.
وشاطره الرأي "أبو علي" من ريف دمشق، والذي يعمل كسائق على سيارته الخاصة عبر تلك التطبيقات، وتتجاوز ساعات عمله الـ 12 ساعة، ليؤمن احتياجات أسرته المكونة من طفلين وزوجته.
أما العمل عبر هذه التطبيقات فكان خياراً لـ"عبادة أبو نسيب" والذي كان يعمل في مجال المطاعم وتحديداً "معلم شاورما"، ولكن المردود الشهري القليل مقارنةً بالمجهود الذي يبذله، دفعه للعمل على سيارته الخاصة بهذا المجال.
يقول:"شروط العمل لدى السوريين صعبة جداً، لا يعرفها إلا من خاض هذه التجربة، فلا يوجد لك أي عطلة بالأسبوع، وفي حال لم تستطع الذهاب للعمل يتم الخصم من مرتبك، وتعمل لساعات إضافية دون أجر، ناهيك عن التحكم بالدوام ففجأة يصبح دوامه خلال ساعات المساء، علماً أن الاتفاق ينص العكس".
ويضيف: "كل ذلك الضغط دفعني للعمل على السيارة، فأريد مهنة أكون فيها أنا سيد نفسي، وعملي وتعبي هو من يحدد راتبي وليس بأحد آخر".
دخل إضافي
وتلجأ فئة من الشباب إلى العمل على السيارة ضمن هذه التطبيقات كدخل إضافي، مثلما حصل مع "رائد أحمد" طالب في كلية الطب بجامعة عين شمس، والذي عمل بهذا المجال لتحسين مردوده الشهري، خاصة أنه متزوج ولديه أطفال ومع مصاريف الجامعة الإضافية لم يعد عمله الأساسي كمترجم يستطيع تغطية كافة الاحتياجات.
عمل "رائد" عبر هذه التطبيقات لثلاث سنوات متتالية، وحققت له دخلا جيدا جداً كما يقول، وكان يخرج قبل ساعات الدوام ليعمل لمدة ساعتين ومن ثم يذهب إلى جامعته، وقبل العودة لمنزله يعمل لساعات أخرى، واستطاع بذلك تغطية جزء كبير من نفقات الكلية، كما يؤكد.
كذلك الأمر مع "أحمد العلي" من ريف حمص، والذي يعمل في مجال المطاعم، وبعد انتهاء ساعات عمله يخرج للعمل على سيارته لتحسين دخله، وتأمين كافة الاحتياجات لعائلته ووالدته المريضة، حيث يجد الأمر جيدا رغم التعب.
مساوئ كثيرة.. ولكن ليس باليد الحيلة
اتفق جميع الشباب ممن التقى معهم "تلفزيون سوريا" أن لهذا العمل مساوئ كثيرة، أبرزها أن "عمر السيارة يغدو أقصر" فالسير بها لمسافة 250 إلى 300 كيلو يومياً أمر سيء جداً، ومع الوقت يصبح من يعمل على السيارة "زبون دائم" لدى "الميكانيكي" فالمشكلات تطفو على السطح شيئا فشيئاً.
وليس ذلك فقط، فمن أكثر الصعوبات التي تواجه السوريين، انتهاء أوراق الإقامة، ما يضطر بعضهم للتوقف عن العمل لفترة لحين استخراجها، خوفاً من المرور على حواجز أمنية، والوقوع بمشكلات في هذا الشأن.
ويحمل السوري رخصة قيادة تعتبر "دولية" وتغض أجهزة الشرطة الطرف عنها، فيما يعتبر استخراج الرخصة المصرية معقداً نوعاً ما ويأخذ وقت طويل.
ويبقى الخوف الأكبر من "الحوادث" التي تعرّض لها العديد ممن يعملون على هذه التطبيقات، وتضررت سيارات بعضهم كثيراً ما اضطرهم لدفع مبالغ كبيرة من أجل إصلاحها.
ازدحام وطرقات جديدة!
ويعد ازدحام مصر وخاصة القاهرة، من أكثر المشكلات التي تواجه العاملين ضمن هذه التطبيقات، ففي ساعات الذروة يضطر السائق أحياناً للوقوف لساعات من أجل الخروج من الازدحام.
وليس ذلك فقط، فالقاهرة وبعض المدن المحيطة بها شهدت تغيراً في الطرقات ما خلق تحديات أمام السائقين، يقول "عبادة" إنه اعتاد الذهاب من طرقات محددة للتنقل بين القاهرة ومدينة نصر وعانى كثيراً من أجل حفظها جيداً ولكن وجد نفسه فجأة أمام تغيير كبير فتم بناء جسور جديدة، وإغلاق فتحات وتحويلات ومنصفات في الشوارع وفتح أخرى، وهذا الأمر يحدث بين الحين والآخر.
ويضيف أن واحداً من أكبر التحديات الصعبة التي تواجهه، قبول طلب إلى المناطق الواقعة في ضواحي القاهرة، فالشوارع ضيقة والازدحام شديد، والذهاب إلى هناك يستهلك عجلات السيارة بشكل كبير لأن بعض الطرقات غير معبّدة ويحتاج أحياناً 3 ساعات للخروج من منطقة يستطيع اجتيازها على قدميه خلال ربع ساعة، بحسب تعبيره.
يشار إلى أنّ السوريين في مصر والذي يبلغ عددهم مليون ونصف المليون، وفق آخر إحصائية، ينتشرون في مناطق مختلفة أبرزها: "ستة أكتوبر، العبور، العاشر من رمضان، الرحاب، القاهرة، الإسكندرية"، وغالبيتهم اندمجوا في سوق العمل، وبعضهم افتتح مصانع ومعامل ومحال ومراكز تعليمية وغير ذلك.