هاجر إلى مصر مئات الآلاف من الشباب السوريين منذ بداية الحرب، أملاً بمستقبل آمن هرباً من الحرب والحصول على فرص عمل تنشلهم من أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.
يعمل الشباب بمجالات متعددة كان أبرزها الأكل السوري الذي لاقى شهرة كبيرة في مصر، والملابس والعطور، ودخلوا السوق المصري سواء بمشاريع صغيرة، أو كعاملين في مشاريع التجار السوريين الكبار.
مع مرور الوقت ازدادت الأوضاع الاقتصادية صعوبة، وأصبحت الأحلام مؤجلة لحين الحصول على فرص أفضل يستطيعون من خلالها بناء مستقبلهم، وزاد هذه الأوضاع سوءا الغلاء والأجور الضعيفة التي لا توازي المصروفات المطلوبة منهم.
سكن جماعي لسنوات
تزداد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي المطالبة بأماكن سكن مشترك مع شباب سوريين لتوفير المال، حيث أصبح عدد كبير منهم عاجزا عن السكن وحده بسبب ارتفاع الأجارات والأسعار.
السكن المطلوب غالبا يكون في أماكن تجمع السوريين لقربه من أماكن العمل، حيث لا توفر أغلب المصانع والمعامل والشركات أماكن مبيت للمغتربين.
يبلغ إيجار المنزل في الأماكن مثل مدينة "ستة أكتوبر" و"العبور" و"العاشر من رمضان"، القريبة من القاهرة، من 3 آلاف إلى 7 آلاف على حسب جودة المنزل ونوع الأثاث وغير ذلك، ويتقاسم الشباب الغرف الموجودة وقد يصل عددهم في المنزل الواحد نحو 5 أفراد يتقاسمون المصاريف والإيجار.
سليمان عبد الغني (27 عاما) سوري يقيم في القاهرة يقول، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، عندما وصلت إلى مصر منذ 5 سنوات استأجرت منزلا وحدي، ولكن بسبب ضيق الحال قررت أن أسكن مع عدة شباب من أجل توفير المال وإرساله إلى عائلتي في حمص.
وحال سليمان كحال العديد من الشباب الذين يعملون من أجل تأمين بعض مستلزمات الحياة لأسرهم في الداخل، ومحاولة النجاة من الظروف الصعبة في سوريا.
ويصف حازم مهنا (30 عاما) السكن مع عدد من الشباب بأنه ممتع على الرغم من صعوبته ويقول، الظروف جمعتنا فأصبحنا مثل عائلة واحدة في الغربة، نقسم الأعمال المنزلية فيما بيننا، وتعلمنا الطبخ لكي نوفر مصاريف الأكل الجاهز، وعندما يمرض أحدنا نكون عونا له.
وخلال رمضان والأعياد والمناسبات، يجد الشباب في تجمعهم نوعا من الدفء الذي يخفف شعور غربتهم عن عائلاتهم، ويعدون الطعام معا في رمضان، ويحتفلون بالأعياد، ويتقاسمون مرارة الأيام.
يقول براء الحاج (28 عاما) في رمضان الماضي، كنا نتقاسم الأدوار على حسب مواعيد عملنا، فأحدنا يحضر لنا الإفطار، والآخر يحضر السحور، بينما يقوم الباقي بتنظيف المنزل.
يضيف براء، الحياة المشتركة صعبة جدا ولكن علمتنا الاعتماد على أنفسنا وساعدتنا قليلا بتحسين أوضاعنا على الأقل في الوقت الحالي.
أفراح وأحلام مؤجلة على أمل العودة
يوفر الشباب السوريون المغتربون أحلامهم وأفراحهم على أمل العودة إلى الوطن مما يحرمهم من الاستمتاع بأيامهم وأموالهم ويجعل السنوات في الغربة تمضي من دون مشاعر البهجة والمتعة.
بينما يفتقد بعضهم شعور العائلة والأصدقاء، مما يجعلهم يعيشون حياة بائسة في انتظار تغيير الأوضاع الصعبة والشعور بالأفراح مع العائلة، وكم فقد بعضهم أفرادا من العائلة خلال سنوات غربته وهو ينتظر اللقاء.
علي محسن (36 عاما) سوري مقيم في القاهرة يقول، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، منذ 10 سنوات وأنا أوفر المال وأمنع نفسي من كل متع الحياة من أجل أن أشتري منزلا في مصر وتأتي أمي إلي، ولكن منذ سنتين وفي أثناء فترة "وباء كورونا"، توفيت أمي بسبب المرض، مما جعلني أشعر بأن السنوات العشر ضاعت هباءً من عمري.
يضيف علي، لم أتزوج، كنت أريد أن أحقق هدفي قبل هذه الخطوة، ولكن الآن أنا عالق ما بين شعوري بالخيبة، وبين أوضاعي التي ساءت بعد وفاة أمي.
ضعف الأجور وغياب الخطط البديلة
تزداد الأوضاع الاقتصادية صعوبة على الشباب من الطبقة المتوسطة، وتزداد معها المعاناة بسبب ضعف الأجور، التي أصبحت لا تكفي حتى لنهاية الشهر مع كثرة المسؤوليات.
تتراوح الأجور للعاملين ما بين 4000 إلى 7000 أي ما يعادل (150 دولاراً أميركياً) شهريا، وهي أجور لا توازي الضغوط الاقتصادية الموجودة من إيجارات وأكل وشراب وملبس ومواصلات.
نبيل الحلبي (25 عاما) يقول، في البداية كان الراتب يكفي وكنت أستطيع إرسال مبلغ قليل لعائلتي مما أدخره، أما الآن فأشعر بالعجز فأنا بالكاد أؤمن مصاريفي الشخصية.
يضيف نبيل، أصحاب المعامل والمحال هنا في مصر لا يراعون الظروف، ولا غلاء الأسعار، فكل شيء ارتفع ثمنه علينا حتى المواصلات، ولكن الأجور ما تزال غير مناسبة للأوضاع.
بدوره علاء قدورة (33 عاما) يقول، بعد ثلاث سنوات في العمل بمطعم سوري، زاد راتبي ألف جنيه، بينما تضاعفت أسعار كل شيء، ولم أعد أستطيع كفاية بيتي.
كما أن غياب الخطط البديلة يصعب الأمر على الشباب، حيث إن موضوع الهجرة ينطوي على مخاطر كثيرة ويحتاج لتكاليف كبيرة، بينما لا يستطيع الآخرون المخاطرة بأنفسهم بالعودة إلى سوريا، حيث إن الحياة هناك معدومة لمن لا يوجد لديه مشكلات مع النظام، ومنتهية لمن فر من الظلم.
أمين سرحان (29 عاما) سوري خرج من سوريا في سن 18 سنة يقول إن فكرة العودة ملغاة بالنسبة لي، فأنا تعودت على الحياة في مصر، وأصدقائي مصريون، ولكن الظروف أصبحت ثقيلة ولا أعلم كيف ستستمر الحياة بهذه الطريقة.
تغيرت الخطط بالنسبة للبعض، وعلى الرغم من الترحيب والحب الذي وجدوه في مصر، قرروا البحث عن فرص عمل في الخليج، خصوصا بعد أن سمحت دبي للسوريين بالسفر إليها.
يحيى حفني (30 عاما) يقول: عندما استنفذت الحلول للبقاء في مصر، وجد لي أحد أقاربي عملا في دبي، وأحاول وأنتظر الآن ترتيب أموري من أجل السفر وبداية حياة جديدة.