يحرص السوريون في بلدان اللجوء على عدم انقطاع صلتهم بوطنهم الأم الذي تركوه مرغمين هرباً من الحرب، والتمسك بهويتهم عبر تسمية محالهم بأسماء مدنهم وتزيين مكاتبهم بمعالم سورية.
في مصر، من الطبيعي جداً أن تشاهد في المناطق التي يسكنها السوريون اسم مطعم أو محل يحمل اسم "السوري" أو "الشامي" أو "الحلبي.
غادر ملايين السوريين بلادهم هرباً من جحيم الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، وانتشروا في كل أنحاء المعمورة، ولم يستطع كثير منهم حمل شيء من رائحة الوطن سوى" اسمه" وبعض الصور والذكريات لأماكن قضى فيها حياته.
يعيش منهم أكثر من مليون ونصف مليون في مصر بحسب آخر إحصائية للحكومة المصرية، وينتشرون في جميع المحافظات، وأسسوا مشاريع كثيرة في جميع المجالات المتاحة في السوق.
أسماء المحال ووقعها على اللاجئين
انتشرت بعد هجرة السوريين إلى مصر ظاهرة أسماء المحال التجارية والمطاعم التي تدل على"سوريا" وتنوعت الأسماء بتنوع المحافظات والمناطق والمعالم السورية.
بدأت الظاهرة أولا في المطاعم، ولا تكاد تخلو أسماؤها من "السوري، أو الشامي، الحمصي، الحلبي" ليدل على أن المنتج الذي يباع سوري، وللفت الأنظار وجلب الزبائن سواء من السوريين أو المصريين.
ولكن مع تزايد المهن والمجالات المتنوعة التي دخل السوريون إليها في سوق العمل المصري، لم تعد الظاهرة تقتصر على المطاعم، وأصبحت هناك محال للألبسة، والمفروشات، حتى العربات الصغيرة كان لها حظ من هذه الأسماء.
كان وقع الأسماء على قلوب السوريين كبيراً، لأنها تمثل صلة بينهم وبين الوطن الذي تركوه مجبرين عنوة، فمن يرى اسم مدينة أو مأكولات سورية تراوده فورا مشاعر من الحنين والذكريات للمكان.
أحمد علاء (40 عاما) سوري وصاحب مطعم صغير في القاهرة يقول، غادرت سوريا منذ عشر سنوات، وعندما فتحت مطعمي أطلقت عليه اسم الشامي، حيث كان هناك حنين كبير بداخلي، بالإضافة إلى خوف كبير من ضياع الهوية، وانقطاع العلاقة بيننا وبين المكان الذي نحلم بالعودة إليه.
بينما كانت لأبي عماد، ستيني سوري، طريقة مختلفة في التعبير عن حنينه لحياته السابقة في سوريا، وبالإضافة للاسم الذي أطلقه على عربته الصغيرة التي تحمل اسم" أبو عماد السوري" قرر أن يصنع أنواع الكبة الحمصية، والتي كان يحضرها منذ شبابه مع زوجته لأولادهم في حمص قبل أن يغادرها.
يقول أبو عماد وعيناه مليئة بالدموع، تركت كل شيء هناك، وتفرقت أسرتي، ولم يبق لنا شيء سوى الذكريات والحنين وبعض الصور.
كما كان للأسماء وقع مميز في قلوب الزبائن السورييين، فكلما لمح أحدهم اسم سوري، يشعر بالفخر أولا، ثم بالانتماء والذي عززه وجود كل المنتجات السورية في مصر، مما لا يجعل الزبون يحتار في تأمين أي شيء سوري.
ريما الحسن (35 عاما) تقول لموقع "تلفزيون سوريا"، عندما غادرت حلب كنت في بداية شبابي، وكنت أعيش فيها حياة رائعة، ولكن في كل مرة أتذكر فيها حجم الدمار أشعر بألم كبير، ولكن ما يعوضنا في الغربة هو وجود السوريين في كل مكان، وانتشار محالهم في كل مكان، مما يجعل ألم الغربة أخف وطأة.
بدوره، أحمد خياطة (44 عاما) يقول عندما أجد محلا جديدا لسوري، لا أستطيع أن أمنع نفسي من الدخول إليه، حتى لو كنت سأدعمه بالكلام فقط، وأفرح كثيرا عندما أشاهد اسم سوري، أو ألمح أحد أبناء بلدي، حيث إننا نعرف بعض حتى من خلال الملامح ومن دون كلام.
الاسم السوري جاذب للزبون المصري
لم يختلف الأمر بالنسبة للمصريين الذي أصبحوا يشكلون النسبة الأكبر بين زبائن المحال السورية، فالاسم السوري كفيل بمنح الثقة للزبون المصري، الذي يستمر وعلى مدار السنوات بالإشادة بالمنتجات السورية، وحسن خلق الضيوف السوريين في بلادهم.
سلمى محمد (25 عاما)، شابة مصرية، تقول على الرغم من آلامهم استطاع السوريون بناء حياتهم في مصر من الصفر، مما يجعل المصري يرغب في تجربة منتجاتهم بسبب إصرارهم على إنجاح كل المشاريع التي دخلوها.
بدوره رامي سعيد (37 عاما) يقول، كلما مررت بمحل سوري أسمع لهجاتهم التي حافظوا عليها، وطريقتهم المميزة في البيع، كما أنهم يفتخرون بمناطقهم ومعالمهم، فكلما سألت أحدهم عن بلد بقولها بصوت عالي وبفخر.
صور ومعالم من رائحة البلاد.
بالإضافة إلى الأسماء، والمنتجات التي تنوعت على حسب المحافظات والمناطق السورية، كان للصور والتماثيل التي توضع في المحال الصغيرة والكبيرة دور كبير في تعريف المجتمع الجديد على جمال البلاد التي هجِّر السوريون منها.
الجامع الأموي، سوق الحميدية، قلعة حلب، نواعير حماة، والجسر المعلق بدير الزور وكثير من المعالم السورية الراسخة في ذاكرة اللاجئين، زينت جدران المطاعم والمحال، كما أن بعض المحال اعتمدت الأسلوب الدمشقي في الديكورات، لإضافة نكهة سورية إلى المكان.
كما يوجد أيضا التماثيل الصغيرة للسيف الدمشقي في ساحة الأمويين، وباقي المعالم السورية التي توضع على المكاتب.
تقول سيماز مرعي (40 عاما) عندما دخلت أحد أكبر المطاعم السورية في القاهرة وجدت صورة كبيرة لبيت دمشقي يتوسطه"بحرة" تلقائياً بدأت دموعي بالانهمار، كنت أظن أني نسيت ولكن مهما طال الوقت لن ننسى.
تضيف سيماز، أولادي لايذكرون سوريا أبدا، وخرجوا منها صغار، ولكن من الجميل أن يروا الصور ويشعروا بالفخر بانتمائهم إلى كل هذا الجمال والتاريخ الأصيل.
وكان للصور دور بارز في تعرف المصريين على المعالم السورية، فبات معظهم يميز بين المعالم بعد انتشار السوريين في مصر، وخصوصا أن معظم المحال تضع صورا أو رموزا تدل على الأماكن.