تعيش الأمهات السوريات، ممن فقدن المعيل، سواء أرامل أو مطلقات في مصر معاناة كبيرة في تأمين متطلبات الحياة التي تحتاج إلى مجهود كبير في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، مما يزيد من أعبائهن الكثيرة، سواء بتأمين إيجار المنزل، أو المأكل والمشرب والملبس حيث تضاعفت أسعارهم، أو حتى مصاريف الأطفال من دروس خصوصية وغيرها.
تعاني أغلب الأمهات "الوحيدات"، اللاتي يعشن مع أطفالهن بسبب الترمل أو الطلاق، من صعوبة دائمة باستخراج الأوراق الرسمية، كجوازات السفر، وسحب الملفات الدراسية لأطفالهن من المدارس من أجل النقل من مرحلة دراسية إلى أخرى، أو حتى النقل من مدرسة لأخرى.
بالإضافة إلى رغبتهن الدائمة بحماية أنفسهن من نظرة المجتمع المحيط لهن الذي ينظر إليهن كفريسة سهلة، مما يدفعهن إلى تعزيز وسائل الحماية لخصوصياتهن، سواء المبالغة بالمحافظة على العادات والتقاليد، واتباع أسلوب حياة معين يساعدهن على وضع حدود للتعامل مع الآخرين، أو حتى تجنب الاختلاط الدائم إلا للضرورة أو في مجال العمل فقط.
صعوبات الحياة
تحاول الأمهات السوريات "الوحيدات" في مصر الوقوف على أقدامهن في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، التي يصعب على امرأة وحيدة مجابهتها لوحدها من دون معيل، بالإضافة إلى التزايد المستمر بأسعار السلع الأساسية، وإيجارات المنازل مع ثبات الأجور، أو زيادتها بشكل طفيف لا يغطي كافة المصاريف.
فاطمة محمد (44 عاما) سورية مقيمة في مدينة "ستة أكتوبر" إحدى ضواحي القاهرة، وهي أم لطفلين أكبرهما يبلغ من العمر 15 عاما، وصلت إلى مصر قبل عشر سنوات برفقة طفليها، بعد أن انفصلت عن زوجها هناك.
حاولت فاطمة بناء حياة جديدة، وبدأت مشروعا صغيرا عبارة عن طبخ وجبات في المنزل وبيعها، ولكن في ظل الظروف الأخيرة، تعاني فاطمة من قلة الطلبيات مما جعلها تقع في ضائقة مادية.
تقول فاطمة، كانت مفوضة اللاجئين تساعدني براتب شهري، يغطي إيجار المنزل، وأعيش أنا وأولادي من ثمن الطعام الذي أبيعه.
تضيف فاطمة، تزايدت أسعار السلع كثيرا فأصبحت أدفع في المواد الأولية أكثر من ثمن الوجبات التي أبيعها، كما أن الطلبيات قلت بشكل كبير مع موجة الغلاء، وزاد إيجار المنزل مع ثبات الراتب المخصص لي من المفوضية، وضاقت بي الظروف كثيرا ولا يوجد لدي أي معيل.
كما تعاني نسبة من السوريات اللواتي عملن خارج المنزل من تدني الأجور أيضا، هناك من يعملن في محلات للبيع سواء الملابس، أو العطورات والمكياج، أو حتى من يعملن في مجال التدريس أو أي مهنة أخرى.
ريماس خلف (36 عاما)، سورية مقيمة في مدينة العبور في القاهرة ومعلمة في إحدى المراكز التعليمية السورية، أم لطفلة في الثامنة من عمرها، تقول لموقع"تلفزيون سوريا" تزوجت من شاب مصري عندما أتيت إلى مصر، لكننا اختلفنا كثيرا بعد أن ولدت ابنتي، وبعد فترة انفصلنا، وأعيش الآن مع عائلتي أنا وطفلتي، فأساعد في مصروف المنزل كي لا أكون عبئا عليهم، كما أؤمن كافة مصاريف ابنتي لأن زوجي يرفض أن يصرف عليها، والنفقة المخصصة لها لا تغطي أي مصاريف.
تضيف ريماس، أعمل صباحا في المدرسة، وفي المساء أقوم بإعطاء دروس خصوصية لأحاول توفير جميع النفقات في ظل هذه الظروف الصعبة، ولكن كل هذا الجهد لم يعد كافيا.
صعوبة استخراج الأوراق الرسمية
تتطلب أغلب الإجراءات الرسمية في الدول العربية وجود الزوج، أو والد الأطفال، أو أي أحد من طرف الأب سواء عم أو جد أو عمة، أو حتى وجود وصاية شرعية للأم من أجل الحصول على أوراق رسمية، مثل سحب الملف الدراسي من المدرسة، تجديد جواز السفر، مما يصعب الأمر كثيرا على الأمهات "الوحيدات" سواء أرامل أو مطلقات، مغتربات بدون معيل.
رجاء الفهد، خرجت من سوريا مع أطفالها بعد أن قُتل زوجها في حلب، وقام جد الأطفال بمنحها وصاية مؤقتة على الأطفال من أجل السفر، واستقرت رجاء في مصر منذ أكثر من 8 سنوات.
تقول رجاء، توفي والد زوجي بعد أن سافرت بسنتين، وكان أطفالي صغارا، وعندما ذهبت لأجدد جواز السفر في السفارة السورية، طلبوا مني وجود الأب أو أي أحد ينوب عنه من عائلته، وعندما أخبرتهم بظروفي طلبوا أن يقوم عم أطفالي بمنحي الوصاية بعد أن توفي زوجي ووالده، وتعذبت كثيرا إلى حين حصولي على الوصاية، ودفعت الكثير من المال من أجل الأوراق وتصديقها في ظل ظروف صعبة.
أما بالنسبة لسحب الملف الدراسي من المدرسة، سواء من أجل النقل من مدرسة لأخرى، أو من مرحلة دراسية لمرحلة أخرى، أيضا يجب أن يكون الأب أو أحد من عائلته ينوب عنه موجودا من أجل الحصول على الملف، ولا يمنح الملف بأي شكل للأم إلا بوجود وصاية شرعية.
ريم الريس (42 عاما)، سورية مقيمة في حي المعادي، مطلقة وأم لولد وحيد تقول، ذهبت لأسحب ملف ابني من المدرسة من أجل أن أنقله لمدرسة أخرى، فرفضت المدرسة إعطائي الملف، وطالبت بوجود طليقي أو أحد من عائلته، مع العلم أن ابني يعيش معي وأنا المسؤولة عنه، ولكن الإجراءات القانونية معقدة جدا في هذا المجال.
تضيف ريم، كان طليقي مسافرا خارج مصر واضطررت أن أنتظر عودته من أجل تسجيل ابني في المدرسة، ولو تأخر قليلا كنا لن نحصل على مكان لطفلي في المدرسة الجديدة بسبب التأخير.
محاولة المحافظة على الصورة العامة للأم المطلقة أو الأرملة
تعاني أغلب الأمهات "الوحيدات" في الدول العربية سواء كن مطلقات أو أرامل من نظرة المجتمع المحيط بهن، ويحاولن دائما التمسك بالعادات والتقاليد واتباع أسلوب حياة مشابه للمجتمع الذي يعشن فيه لحماية أنفسهن من النظر إليهن كفريسة سهلة.
وعلى الرغم من التطور الذي حصل في مجال حقوق المرأة، إلا أن المطلقة والأرملة دائما ما تتعرض للمضايقات من المحيط سواء الأهل الذين يرفض غالبيتهم فكرة الطلاق، أو المحيط من جيران وأصدقاء وزملاء عمل.
وتحاول الأمهات "الوحيدات" وضع حدود لعلاقتهن بالمحيط، من أجل المحافظة على خصوصياتهن وحدودهن الخاصة.
غفران عبد الهادي (40 عاما) سورية تعيش في القاهرة، مطلقة وأم لطفلين تقول، انفصلت عن زوجي في مصر بعد خلافات كبيرة، وأعيش مع أولادي في بيت منفصل، ولكن أهلي دائما مايضغطون علي لكي أعيش معهم، بحجة أن الناس لا ترحم المطلقة.
تضيف غفران، أعمل في مجال الترجمة وأؤمن جدا بقدراتي، كما أنني مسؤولة عن أطفالي بشكل تام، وعلى الرغم من هذا أتعرض لضغط كبير من عائلتي لأنني أعيش وحدي مع أطفالي.
بدورها مها العمري (39 عاما) سورية تقيم في "حي العاشر من رمضان" تقول، توفي زوجي ولم نكمل سنتين زواج، كان ابني رضيعا، وقررت أن أكرس حياتي من أجله فأعمل وأصرف عليه وأحاول أن يعيش حياة كريمة، وتضيف مها، لكني أشعر بالوحدة، وعلى الرغم من وجود أصدقاء لي إلا أني لا أحب أن أزورهن في منازلهن، فدائما ما ينظر المجتمع للأرملة أو المطلقة على أنها خطر على حياتهن، فلا أعرض نفسي ولا الآخرين لأي سوء فهم.