icon
التغطية الحية

تصعيد الأسد غربي حلب يُطلق موجة نزوح ويزيد احتمالات "معركة حلب"

2024.11.02 | 19:47 دمشق

567687
قصف للنظام السوري على ريف حلب
حلب - عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

شهدت قرى وبلدات ريف حلب الغربي، موجة نزوح كبيرة خلال الساعات الماضية نتيجة التصعيد المستمر من قبل قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، والذي تمثل في قصف مدفعي وصاروخي مكثف، إضافة إلى هجمات بالطائرات المُسيّرة الانتحارية، ما دفع آلاف المدنيين إلى مغادرة منازلهم باتجاه المناطق الحدودية القريبة من مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي.

وتزامناً مع هذا التصعيد والنزوح، تواصل هيئة تحرير الشام إرسال تعزيزاتها العسكرية المتمثلة بالدبابات والمدافع والمقاتلين، ونشرهم على مقربة من خطوط التماس مع قوات النظام بدءاً من جبهات مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي حتى جبهات مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، في ظل تزايد التوقعات باحتمالية اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة خلال الأيام أو الساعات القادمة بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام السوري المدعومة من روسيا من جهة أخرى.

نزوح بعد أكثر من 100 قذيفة

يقول الناشط والمتطوع في الدفاع المدني، علي عبيد، لـ موقع تلفزيون سوريا، إن قرى وبلدات "كفر تعال، كفر عمة، تديل، تقاد، الأتارب، ومحيط معارة النعسان، ومزرعة الوساطة" بريف حلب الغربي تتعرض منذ فجر الخميس 31 تشرين الأول لقصف مكثف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والمسيّرات الانتحارية من قبل قوات النظام.

وأوضح أنه حتى صباح أمس الجمعة، مطلع تشرين الثاني، تم توثيق استهداف قوات النظام تلك القرى والبلدات بـ 9 صواريخ من نوع فيل و40 صاروخاً من راجمات غراد و35 قذيفة مدفعية ثقيلة و55 قذيفة هاون و6 طائرات مسيرة انتحارية من نوع FPV.

وأشار عبيد إلى أن هذا القصف أسفر عن نزوح أكثر من 200 عائلة من مدينة الأتارب في أقل من 24 ساعة، وما يزيد عن 80 بالمئة من سكان الأبزمو، و90 بالمئة من سكان كفر نوران، إضافة إلى نزوح شبه كلي لقريتي "تقاد ورحاب" غربي حلب، وتوجهوهم إلى مخيمات أطمة وكفرلوسين وقاح بريف إدلب الشمالي القريبة من الحدود التركية، بحثاً عن مأوى.

ووصف عبيد موجة النزوح التي شهدها ريف حلب الغربي يوم الخميس بأنها الأكبر منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في آذار 2020، مشيراً إلى أن هذه المناطق لم تشهد وضعاً مماثلاً من التصعيد العسكري منذ ذلك الحين، موضحاً أن القصف كان يتكرر بشكل يومي، بيد أن الساعات الأخيرة تصاعد القصف فيها بشكل فجائي وأصبحت المنطقة تتعرض لوابل من القذائف المدفعية والصواريخ.

وفيما يتعلق بأوضاع العائلات التي لا تزال في ريف حلب الغربي والتي لم تغادر منازلها، أوضح مدير المركز المدني لمدينة الأتارب، محمد شاكردي، أن معظم الاسر التي بقيت في منازلها هم من الأسر التي تعاني أساساً من الفقر الشديد، وليس لديها الإمكانيات المادية لتحمل تكاليف النزوح إلى مناطق أكثر أمناً، منوّهاً أن إيجارات المنازل أصبحت تتراوح اليوم في المناطق الآمنة نسبياً والتي تتوزع على طول الشريط الحدودي مع تركيا، ما بين 100 و150 دولاراً أمريكياً شهرياً، وهو مبلغ باهظ بالنسبة للعديد من هذه العائلات التي تكافح أصلاً لتأمين أساسيات الحياة.

وأضاف شاكردي في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن الأمر لا يقتصر على إيجارات المنازل فحسب، بل يتطلب النزوح أيضاً تكاليف إضافية، تشمل نقل الأثاث وبعض الاحتياجات الأساسية، ما يزيد من العبء المالي على هذه العائلات المحدودة الموارد، مشيراً إلى أن هذا الوضع دفع العديد من الأسر إلى الاكتفاء بالنزوح إلى الأراضي الزراعية المحيطة بالمنطقة، حيث أقاموا خياماً مؤقتة أو لجأوا إلى مساحات مفتوحة بعيداً عن القصف، ورغم أن الأراضي الزراعية لا توفر مأوى آمناً أو بيئة ملائمة للعيش، إلا أنها تبقى خياراً وحيداً بالنسبة لهم في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف الإيجارات والنقص الحاد في المساعدات الإنسانية المقدمة للنازحين.

وأكد أن هذه الظروف الصعبة تزيد من معاناة المدنيين وتجعلهم عالقين بين خيارين أحلاهما مر؛ "إمّا البقاء تحت تهديد القصف اليومي، أو النزوح إلى مناطق لا تضمن لهم الحد الأدنى من الاستقرار والأمان، وهو ما يبرز الحاجة الملحة إلى تدخلات إنسانية لدعم هذه العائلات وتخفيف معاناتها المتفاقمة".

ووفق فريق "منسقو استجابة سوريا"، فقد دفع التصعيد العسكري المستمر قرب خطوط التماس إلى تجدد موجات النزوح، حيث تجاوز عدد الفارين من ريفي حلب الغربي وإدلب الشرقي والجنوبي خلال 48 ساعة أكثر من 1843 نازحاً، يشكل الأطفال والنساء 81 بالمئة منهم.

وحذر الفريق في بيان نشره الخميس الفائت، من تفاقم النزوح وتكدس المخيمات وسط تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية، إذ لم تتجاوز استجابة المساعدات 37 بالمئة في القرى و24 بالمئة في المخيمات، مما يهدد بترك احتياجات النازحين دون تلبية.

بدوره، يقول سامر خليل، أحد سكان بلدة "كفرنوران" بريف حلب الغربي، لموقع تلفزيون سوريا، إن "حركة النزوح التي سُجلت داخل البلدة منذ فجر الخميس كبيرة جداً، نتيجة ارتفاع حدّة القصف وخشية السكان من بدء العملية العسكرية المرتقبة بعد انتشار شائعات عن هجوم وشيك على مواقع النظام في الساعات المقبلة، وخاصة أن بلدة كفرنوران تقع على خط التماس مع قوات النظام، ولهذا السبب، بدأ العديد بالنزوح شمالاً، خشيةً من استهدافهم مباشرةً".

وأضاف خليل قائلاً: "هناك أيضاً مشكلة أخرى واجهت بعض السكان، فالبعض، بمن فيهم أنا، لا يملكون مكاناً آخر يلجؤون إليه، وبالنسبة لي، منزلي هنا هو كل ما أملك، ولا أستطيع تحمل تكاليف الانتقال إلى مكان آخر. لهذا لم أقرر النزوح بعد، رغم القصف المتواصل".

ولكن الشاب حسن العبد الله، نازح من مدينة الأتارب، اضطر إلى ترك منزله فجر الخميس تحت وطأة القصف والتوجه لدى أحد أقاربه في بلدة بابكة (40 كيلومتراً غربي حلب)، يشرح معاناته لموقع تلفزيون سوريا قائلاً: "تركنا منزلنا ونحن نعلم أن قرار النزوح ليس سهلاً؛ فبيتي الذي عشت فيه سنوات طويلة أصبح فجأة غير آمن، ومع تزايد القصف خلال الساعات الماضية، أصبح البقاء بمثابة مخاطرة قد تكلفني حياتي وحياة عائلتي".

ويضيف العبد الله: "الانتقال إلى بابكة لم يكن مريحاً، فالعائلة التي لجأنا إليها تواجه تحدياتها الخاصة، وإقامتنا المؤقتة تضع عبئاً إضافياً عليهم، ومع ذلك، لم يكن هناك خيار آخر، ورغم أننا نشعر ببعض الأمان النسبي في بابكة مقارنة بالأتارب، لكني أمل أن أجد حلاً أكثر استدامة، لأنني في الوقت الحالي لا أستطيع تحمل كلفة استئجار منزل بمفردي، كما أن الظروف الاقتصادية صعبة للغاية".

يتابع العبد الله قائلاً: "حتى في بابكة، ورغم أنها ليست على خط النار المباشر، نعيش في حالة توتر مستمر، نخشى أن تتغير الأوضاع فجأة، أو أن يمتد التصعيد إلى مناطقنا الجديدة، فلدينا دائماً شعور بأن الخطر قد يقترب في أي لحظة، خاصةً ان النوايا التي نسمعها بأن المعركة التي ستخوضها فصائل المعارضة لن تتوقف حتى السيطرة الكاملة على مدينة حلب"، لافتاً إلى أن "هذا القلق الدائم يجعلنا نشعر بأننا في وضع مؤقت لا نهاية له، وكأننا عالقون بين البقاء أو التنقل إلى مناطق جديدة باستمرار".

وفي السياق، يؤكد الناشط المدني، عبد الكريم العمر، على أن الأوضاع في مدينة الأتارب والقرى المحيطة بها بريف حلب الغربي "تزداد صعوبة كل يوم، فقصف النظام يتصاعد بشكل يومي، ونحن بحاجة إلى تأمين مناطق آمنة بعيدة عن خطوط الاشتباك، من شأنها توفير مراكز إيواء مؤقتة تتسع للأعداد المتزايدة من النازحين".

وطالب العمر أثناء حديثه لموقع تلفزيون سوريا جميع المنظمات الإنسانية بضرورة زيادة الدعم المقدم لهذه المناطق، لأن الاحتياجات تفوق بكثير المتوفر حالياً، لافتاً إلى أن هناك حاجة ملحة لبرامج دعم نفسي ومجتمعي للنازحين أيضاً، خاصة الأطفال، الذين بات يعان من آثار نفسية قاسية نتيجة أصوات القصف.

إخلاء بسبب التخوف

وفي هذا الصدد، ذكر مدير مكتب الأتارب الإعلامي، عامر الفج، أن التصعيد العسكري من قبل قوات النظام وميليشياته منذ مطلع الأسبوع الحالي على ريف حلب الغربي، وغزو شائعة انطلاق مواجهات عسكرية مفتوحة على طول الجبهات، أجبر المراكز الطبية في مدينة الأتارب والقرى المحيطة بها، على تنفذ خطة طوارئ للتعامل مع المستجدات الميدانية.

وأوضح الفج أن أبرز هذه الإجراءات تضمنت تخفيض عدد القبولات في المستشفيات بريف حلب، لتقتصر على الحالات الحرجة والإصابات الحربية فقط، إضافة إلى نقل ديوان مخفر مدينة الأتارب إلى مدينة الدانا، ومركز النفوس في المدينة، ومركز غسيل الكلى في معرة الأتارب إلى بلدة قاح بريف إدلب الشمالي، مشيراً إلى أن هذه القرارات جاءت بهدف إبعاد المراكز الطبية عن مناطق التماس.

تعزيزات عسكرية

ومنذ مطلع شهر تشرين الأول، بدأت فصائل المعارضة بتعزيز مواقعها على طول خطوط الجبهات مع قوات النظام، ابتداءً من مدينة سراقب شرق حلب وصولاً إلى مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي، إذ شملت التعزيزات إدخال أكثر من 8 مجموعات تابعة للحزب الإسلامي التركستاني، حيث توزعت هذه المجموعات على جبهات ريف حلب الغربي قبالة الفوج 46.

كما أرسلت الجبهة الشامية، التابعة للجيش الوطني السوري، تعزيزات تتضمن مجموعتين عسكريتين ترافقهما ثلاث دبابات وعدد من الآليات، إضافة إلى ذلك، قامت كتائب ثوار الشام بتعزيز كافة نقاطها الدفاعية، وبدأت مطلع الشهر بفتح معسكرات تدريب لاستقبال المنتسبين الجدد، في ظل إشاعات متزايدة تشير إلى احتمالية قرب انطلاق معركة كبيرة تهدف إلى السيطرة على مدينة حلب.

من الجهة المقابلة، دفعت قوات النظام السوري منتصف تشرين الأول بتعزيزات جديدة إلى ريف حلب الغربي، شملت وحدات من الفرقة 25 مهام خاصة بقيادة اللواء صالح العبد الله، بالإضافة إلى قوات من الفيلق الخامس والحرس الجمهوري، وذلك استعداداً لأي هجوم محتمل من جانب المعارضة.

كما رفعت قوات النظام سواتر ترابية وإنشاء تحصينات جديدة على خطوط الجبهات، وسط حالة استنفار وترقب تشهدها تلك القوات، التي كثفت من عمليات الاستطلاع على خطوط التماس في شمال غربي سوريا.

العين على حلب والموافقة غائبة

وفي هذا الصدد، أشار النقيب المنشق عبد الرزاق عبد السلام إلى أن "الفصائل الثورية" تضع نصب أعينها مدينة حلب، نظراً لموقعها الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية، واعتبر المعركة في حلب "جزءاً من جهد أكبر لتحرير سوريا من قوى الاحتلال الأجنبي".

وتوقع عبد السلام في تصريح لموقع تلفزيون سوريا أن تشهد المنطقة هجوماً واسعاً ومنسقاً على مختلف الجبهات، يهدف إلى تكبيد قوات النظام والميليشيات الإيرانية خسائر كبيرة، وإتاحة الفرصة لعودة المهجرين إلى مناطقهم بأمان وكرامة.

من جانبه، يرى المحلل العسكري، تركي مصطفى، أن ما يشاع عن اقتراب معركة كبرى ضد النظام السوري يفتقر إلى مؤشرات جدّية لعدة أسباب، أبرزها غياب الظروف العسكرية والسياسية اللازمة، حيث لا توجد أي من الشروط الأساسية التي تسمح بمواجهة شاملة، مشيراً إلى أنه قد تكون بعض التحركات تهدف فقط لتجنب المدنيين المخاطر الناتجة عن المناوشات المتفرقة، والتي قد تتزايد في الأيام المقبلة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تصعيداً واسع النطاق.

ووفقا لمصطفى فإن أي تصعيد محتمل يتطلب توافقات دولية، ولا توجد حالياً بوادر خلاف بين القوى الدولية المؤثرة كروسيا وتركيا، فقد تسفر التطورات عن تفاهمات جديدة، لكن هذه التفاهمات قد تقتصر على ترتيبات سياسية أو إعادة توزيع النفوذ، ولا يبدو أن هذه الترتيبات تتماشى مع مصالح النظام السوري أو الميليشيات الإيرانية في الوقت الراهن.

كما أوضح مصطفى في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن القوى العسكرية التابعة للنظام الموجودة في المنطقة، مثل الفرقة 25 المدعومة من روسيا بقيادة صالح العبد الله، ليست مؤثرة بما يكفي لتثير القلق؛ إذ تعاني أساساً من ضعف بنيوي، في حين لم تقم الميليشيات الإيرانية بأي تحركات لافتة ضمن مناطق انتشارها على خطوط الجبهات.

وأما بالنسبة للطيران الروسي، يرى مصطفى أنه على الرغم من نشاطه المتقطع إلا أن ذلك لا يشير إلى نية واضحة لبدء عملية عسكرية واسعة، حيث لوحظ توقف الطيران في فترات متفرقة قبل استئناف تحليقه، ما يعكس غياب خطة تصعيدية حاسمة.

في ضوء هذه المعطيات، يؤكد مصطفى في ختام حديثه أن الظروف الراهنة لا تشير إلى اقتراب اندلاع معركة شاملة في ريف حلب، فغياب الشروط العسكرية والسياسية المناسبة، والتفاهمات بين القوى الإقليمية، تجعل احتمالات التصعيد ضعيفة، خاصة في ظل عدم وجود مصلحة واضحة للأطراف المعنية في تأجيج الوضع في الوقت الحالي.

يذكر أن المنطقة شهدت وقفاً لإطلاق النار في السادس من آذار 2020، بوساطة روسية-تركية، إلا أن عمليات القصف المتبادل ما زالت مستمرة بشكل متقطع بين قوات النظام وحلفائها من جهة وفصائل المعارضة من الجهة الأخرى.