كشف تحقيق أجرته منصة "البحر الأسود" عن فساد وإساءة استخدام الشهود والافتراء ضمن منظمة "لجنة العدالة والمساءلة الدولية"، المعنية بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.
وتضمن التحقيق حكاية أيوب الشافي، أحد الشهود السوريين، الذي وصفته بأنه "يحمل في قلبه ضغينة" منذ 20 عاماً، ضد رجل آخر، وليد الزيتون، وهو لاجئ سوري مقيم في السويد، وجد نفسه فجأة متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا، ضمن أحداث مليئة بالشهادات الكيدية والتلاعب بالعدالة والأحقاد الشخصية.
اعتقال مفاجئ وشهادات متناقضة وأحقاد شخصية
في آذار 2023، داهمت الشرطة السويدية منزل وليد الزيتون، وهو لاجئ سوري يعيش في مدينة رونبي السويدية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا، في عملية اعتقال تخللتها اتهامات قاسية، تضمنت التعاون مع "داعش" وتعذيب معتقلين، وسط تحقيقات شملت بلجيكا وألمانيا أيضاً.
استندت التهم الموجهة إلى الزيتون إلى تقارير وشهادات قدمتها "لجنة العدالة والمساءلة الدولية - CIJA"، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بجمع الأدلة عن جرائم الحرب.
اعتمدت "CIJA" في اتهاماتها على شهادات خمسة أشخاص، أبرزهم أيوب الشافي، الذي كان على خلاف شخصي مع وليد منذ أكثر من عقدين، بسبب رفض عائلة قريبة وليد زواجها من أيوب.
وكشف التحقيق أن أيوب استخدم صراعه الشخصي كذريعة لتقديم معلومات مضللة لـ "لجنة العدالة والمساءلة الدولية"، مدعياً أن الزيتون كان مسؤولاً عن أعمال "داعش" في الصوانة، وهو ما ثبت لاحقاً أنه افتراء.
وتضمنت الشهادات التي قدمها الشهود الآخرين تناقضات كبيرة، إذ قدّم كل واحد منهم رواية مختلفة عما حدث خلال سيطرة "داعش" على بلدة الصوانة في سوريا.
أحد الشهود، زياد الحمود، قدم رواية اتهم فيها وليد بالمشاركة في سحل جثث وتشويهها في أثناء سيطرة "داعش" على بلدة الصوانة، لكن نجله محمد الحمود قدّم رواية متناقضة، إذ زعم أن دحام البطمان وليس وليد، هو من أطلق النار على الجثث وقام بتشويهها.
وذكر شاهد آخر، عبد النبي عمار، في شهادته الأولى أنه لم يشهد الحادثة بنفسه، بل سمع عنها، لكنه غير أقواله لاحقاً وزعم أنه رأى وليد يشارك في الجرائم.
كما واجه وليد الزيتون اتهامات بأنه تعاون مع "داعش" في أثناء عمله كرئيس خدمات الوقود في منجم فوسفات الصوانة، وأنه شارك في نقل سجناء من "الجيش السوري الحر" إلى مواقع الإعدام، لكن الشهادات المقدمة لم تثبت وجود أي أدلة مادية، مثل الصور أو الفيديوهات، على مشاركة وليد أو ارتباطه المباشر بـ"داعش".
غياب للأدلة وشهادات كيدية
في أثناء محاكمة وليد الزيتون في السويد، ركزت المحكمة على التناقضات الواضحة في شهادات الشهود الذين قدموا أدلة ضد المتهم، وأشار القضاة إلى أن الروايات التي جمعها محققو "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" كانت مليئة بالثغرات والتضارب، مما جعلها غير قابلة للاعتماد كدليل إدانة.
كما لاحظ القضاء السويدي أيضاً تغييرات كبيرة في شهادات الشهود، فقد قدم بعضهم تفاصيل إضافية متناقضة خلال التحقيقات اللاحقة في تركيا والسويد، ما جعل المحكمة تصف شهاداتهم بأنها "غير متماسكة" و"غير موثوقة".
وأشارت المحكمة إلى عدم وجود صور أو فيديوهات، أو أي وثائق تثبت تورط وليد الزيتون بشكل مباشر مع "داعش" أو في الجرائم المنسوبة إليه، وهذا النقص في الأدلة القاطعة ترك الادعاء يعتمد فقط على شهادات غير متماسكة.
تضارب الأقوال وعدم وجود رواية واحدة متسقة بين الشهود وغياب الأدلة القاطعة، دفع القضاة إلى رفض شهاداتهم كأساس لإدانة وليد الزيتون، ما أسهم في تبرئته من جميع التهم.
وفي قرارها، أوضحت المحكمة أن الشهادات المقدمة من "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" تفتقر إلى التماسك والتناسق، وأن أيوب الشافي وغيره من الشهود قد يكون لديهم دوافع شخصية للإدلاء بشهادات ضد وليد، وبناء على ذلك، رفضت المحكمة الاعتماد على هذه الشهادات كأدلة وأعلنت براءة وليد الزيتون من جميع التهم الموجهة إليه.
وعلى الرغم من ذلك، قضى وليد الزيتون أكثر من عام في الحبس الاحتياطي، تعرض خلاله لسوء معاملة وإهمال طبي، مما ترك أثراً نفسياً وجسدياً عليه.
فساد واستغلال الشهود
وكشف تحقيق "البحر الأسود" عن ممارسات مشبوهة لمنظمة "لجنة العدالة والمساءلة الدولية"، منها تقديم مغريات لشهود مثل الوعود بتأشيرات أوروبية لتشجيع الشهود على الإدلاء بمعلومات، ما أثار الشكوك حول دوافع هؤلاء الشهود.
وأظهرت التحقيقات أن المنظمة اعتمدت بشكل كبير على شهادات متناقضة وغير مدعومة بأدلة مادية، واستخدمت هذه الشهادات لبناء قضايا هشة ضد أشخاص مثل وليد الزيتون.
القضاء السويدي انتقد هذا النهج، معتبراً أن أدلة المنظمة تفتقر إلى الموثوقية وتشكك في صدقيتها كجهة محايدة، وتعمل من دون رقابة كافية، رغم تمويلها بملايين الدولارات من حكومات أوروبية وأميركية.
وأثارت قضية وليد الزيتون جدلاً واسعاً حول آليات محاكمة جرائم الحرب السورية في أوروبا، وألقت بظلالها على صدقية المؤسسات التي تجمع الأدلة وتدعم هذه المحاكمات، وسلطت الضوء على المنظمات غير الخاضعة للرقابة في جمع الأدلة عن جرائم الحرب، وتسييس العدالة واستغلالها لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية.
"لجنة العدالة والمساءلة الدولية"
تأسست "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" في العام 2012 على يد الجندي الكندي السابق وليام هاري وايلي، الذي يمتلك خبرة في التحقيق بجرائم الحرب في يوغوسلافيا ورواندا.
تضم اللجنة عدداً من المحامين والخبراء الدوليين، بالإضافة إلى مستشارين من دول عدة، مثل السعودية، وفرنسا، وهولندا، وتلقت تلقت تمويلاً ضخماً من حكومات أوروبية وأميركية، بما في ذلك وزارة الخارجية الأميركية، ووصلت ميزانيتها إلى 30 مليون يورو خلال خمس سنوات.
وعلى الرغم من نجاحها في جمع أكثر من مليون وثيقة وشهادة عن جرائم الحرب، وُجهت إليها انتقادات لعدم امتثالها للمعايير القانونية المتبعة وغياب الرقابة على أساليبها، كما تورطت في فضائح مالية كشفها مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي تتعلق باختلاس أموال ودفع فواتير غير قانونية.