بعد أن كشف تلفزيون سوريا في تحقيق سابق له، هويات عدد من المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد السوريين، وتتبع تورطهم في الحصول على أوراق أممية بشكل غير شرعي، وضعت السلطات الفرنسية أحدهم تحت المجهر، في حين أطلق القضاء البلجيكي سراح أحد زعماء ميليشيا "الدفاع الوطني" ويدعى حسين أبو حبلة مع وضعه تحت الإقامة الجبرية، لكن هؤلاء استطاعوا تنظيم صفوفهم ليبدؤوا حملة تهديدات وتشهير ضد الناشطين والحقوقيين، مستغلين التباطؤ في الإجراءات وقلة الجهات الحقوقية الداعمة.
ويتابع ناشطون سوريون منذ سنوات ملاحقة مجرمي الحرب المرتبطين بالنظام السوري والذين قاتلوا إلى جانبه، وارتكبوا جرائم حرب ضد السوريين، قبل وصولهم إلى أوروبا كلاجئين.
عدد قليل من القضايا كتب لها النجاح داخل المحاكم الأوروبية، غير أن الكثير منها مايزال معلقا بسبب نقص الأدلة واتساع نفوذ مجرمي الحرب في تلك البلاد، من خلال إمبراطوريات مالية وشبكة علاقات اقتصادية استطاعوا بناءها من أموال التعفيش بحسب ناشطين.
حملات تهديد وتشهير بالشهود
واجهت الإجراءات القانونية لملاحقة المتورطين في جرائم الحرب عقبات كثيرة، إذ لا يملك الناشطون الكثير من الإثباتات والوثائق المرئية لإدانة هؤلاء، ما دفعهم للبحث عن شهود وقعوا ضحية مباشرة لهذه "المافيا" مع ضعف الإجراءات المتخذة لحماية الشهود.
تلفزيون سوريا التقى الناشط علي الرحال، وهو عضو في مجموعة من الناشطين الذين يتتبعون طريق مجرمي الحرب الفارين من مدينة سلمية شرقي محافظة حماة باتجاه أوروبا، يقول الرحال "في أثناء ملاحقتنا لهؤلاء المجرمين وآخرهم علي زعير وهو مقيم في فرنسا وحسين أبو حبلة المقيم في بلجكيا، اكتشفوا أنني كنت من ضمن الشهود الذي قدموا إفادة ضدهم في المحكمة، بعدها بدؤوا حملة تشهير ضدي وضد عائلتي على السوشيال ميديا، تلقينا إساءات غير متوقعة، وتهديدات على مدى الأشهر القليلة الماضية، ما تزال مستمرة حتى الآن".
يضيف الرحال "تمكنا أنا وفريق من أبناء مدينتي من الحصول على صورة فوتوغرافية تظهر علي زعير في عمليات مسلحة داخل سوريا مع اللواء 48 التابع للحرس الثوري الإيراني، وبدورنا قدمنا هذه الأدلة لجهات حقوقية سورية تعمل في هذا المجال وكنا على أمل أن يتم إدانتهم سريعا لكن تباطؤ الإجراءات أوصل الأمور إلى هنا وأصبحنا نخشى على أهلنا وأنفسنا في البلد الذي لجأنا إليه هربا منهم".
ويضيف "علي زعير يستهدفني شخصيا وينشر يوميا صورا مفبركة لعائلتي على صفحته في فيس بوك وصفحة أخرى يديرها تدعى "سلمية المدد" يحاول التشهير والإساءة إليّ بل وصل الأمر للتهديد المباشر عبر رسائل صوتية، وقد وثقت كل التهديدات من صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو، لتقديمها للقضاء، تقدمت بشكوى تشهير لدى السلطات الفرنسية وهي اليوم تتابع الملف وتنظر في حجم الإساءات التي تعرضت لها مع عائلتي".
يشير الرحال أيضا لتلقي عدد من الناشطين في سلمية تهديدات بالقتل من أقارب زوجة حسين أبو حبلة الذي كان معتقلا في بلجيكا وأخلت السلطات سراحه ضمن شروط الإقامة الجبرية وتحت المراقبة، حملة التهديدات هذه يقودها ابن عمه صخر أبو حبلة الذي ما يزال على رأس عمله متزعما لأحد الميليشيات.
عانى الناشط ملهم صقر والذي يسكن في ألمانيا أيضا، من إساءات وتشهير مماثل، حيث نشرت مجموعة من الحسابات صورا مزيفة لزوجته ونساء أخريات من عائلته.
واتضح لعلي الرحال وملهم صقر فيما بعد، أن حملة التشهير تقاد من قبل مجموعة من المقاتلين السابقين في صفوف النظام السوري، ممن يعترضون على المسار الحقوقي للمساءلة في أوروبا وهم صخر أبو حبلة وعمار الجندي وعلي زعير ونوار الحموي.
ومن بين المتورطين في حملة التشهير ضد الناشطين من السلمية نوار الحموي، وهو مقاتل سابق في صقور الصحراء، وهي ميليشيا شكلتها روسيا في سوريا قبل عدة سنوات، وشارك في عمليات قتالية في مختلف المحافظات السورية.
يعيش نوار الحموي الآن في ألمانيا بمدينة كولن التابعة لمقاطعة النورد راين، وقد أخفى صورا تثبت تورطه في العمليات القتالية من حسابه الشخصي على فيس بوك.
تهديدات بالقتل
تلقى أحد أعضاء المجموعة تهديدا بالقتل من صخر أبو حبلة، ابن عم حسين أبو حبلة، الذي يخضع للتحقيق في بلجيكا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولم تقتصر التهديدات على الناشطين فحسب، بل امتدت أيضا إلى عائلاتهم بما في ذلك أطفالهم.
تفيد الناشطة ريما صقر بأنها تلقت تهديدا من سيدة تدعى آمال عزو، وهي لاجئة وصلت إلى ألمانيا في عام 2018، وكانت آمال قد أرسلت لريما عبر وسيط أن "عليها أن تخشى على أطفالها" إذا واصلت تسليط الضوء على نشاطاتها وتعاملها مع النظام السوري، وتعمل آمال الآن اختصاصية اجتماعية في مركز لاستقبال اللاجئين في أوروبا.
"مجرمو حرب" وصلوا حديثا
بحسب ناشطين من مدينة سلمية فإن أعداد الشبيحة الذين وصلوا حديثاً إلى أوروبا قادمين من سوريا في تزايد مستمر، ومنهم أشخاص كانوا من أوائل من حملوا السلاح مع قوات النظام في المدينة.
آخر الواصلين يدعى "علي دردر" ويسكن في مقاطعة زارلاند جنوبي ألمانيا، اكتسب وعائلته سمعة سيئة بعد العمل مع "آل سلامة" العائلة التي تدير جميع عمليات الخطف والسرقة والسطو المسلح في المدينة، كما كان والده تامر دردر ضابطاً في دائرة الجمارك التابعة لقوات النظام السوري.
وبحسب أحد الناشطين من مدينة سلمية فإن "علي دردر" كان يدير صفحة عامة على فيس بوك باسم "لبوة أسد" اشتهرت بالإساءة إلى ناشطات المدينة وتنظيم حملات تشويه ضدهن خلال سنوات الثورة، وأيضا عمل "دردر" قبل خروجه من سوريا ضابطا في فرع الهجرة والجوازات في حمص ليستغل منصبه باستخراج وثائق للمهاجرين مقابل مبالغ مالية لسنوات عدة.