يتابع شبان سوريون في أوروبا، مهمة يعتبرونها ذات أهمية قصوى، تتمثل بتصيد مجرمي الحرب أصحاب السجلات المليئة بالانتهاكات، وجمع ما يمكن من المعلومات عنهم بهدف تقديمهم إلى القضاء في البلدان التي وصلوا إليها، وحصلوا على حق اللجوء فيها بطرق ملتوية، والأكثر إثارة بين كل تلك الملفات التي بحوزتهم امتلاك أحد هؤلاء الأشخاص وثيقة سفر صادرة عن منظمة الأمم المتحدة.
آخر ما رصده الفريق بالنظر إلى بعض الوثائق التي اطلع عليها تلفزيون سوريا شخصان من مدينة سلمية، يمارسان حياة طبيعية في فرنسا، رغم كل ما اقترفوه من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين خلال سنوات الحرب.
يكشف علاء وهو (اسم مستعار) لأحد أعضاء الفريق الذي يعمل على جمع المعلومات عن مجريات جديدة في هذا المسار، توصلوا إليها مؤخرا بينها صور وفيديوهات تثبت قطعا حمل هذين الشخصين للسلاح وانخراطهم في أعمال قتالية لصالح عدد من الجهات العسكرية التي قاتلت إلى جانب النظام السوري بين عامي 2011 و 2014.
أخطرهم وفق ما يؤكد علاء، هو المدعو علي زعير وينحدر من مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، انضم في بداية طريقه إلى ميليشيا محلية تابعة لفراس سلامة وهو ابن القيادي مصيب سلامة "أخو اللواء أديب سلامة معاون مدير إدارة المخابرات العامة في حلب" الذي اعتقله النظام بتهم قتل وخطف ونهب وحكمه عشر سنوات مع الأعمال الشاقة إلى أن انتهى به المطاف مقتولا في زنزانته.
عمل زعير أيضا الذي يعيش اليوم في فرنسا، مع أحد قادة ميليشيات الدفاع الوطني يدعى أحمد منصور على حواجز عسكرية منتشرة على الطريق الواصل بين أثرية والرقة، ويتهمه أهالي المنطقة بضلوعه في عمليات خطف وسرقة وتحرش بالنساء، مستفيدا من الغطاء التي توفره حكومة النظام لهم، وأيضا من أنه كان يقطن مدينة الطبقة في ريف الرقة ويعرف أهلها المناهضين للنظام، تدرج حتى تعاقد مع الحرس الثوري الإيراني ضمن مرتبات ما يطلق عليه باللواء 47، شارك بأعمال قتالية ضد فصائل المعارضة على عدة جبهات منها حلفايا بريف حماة ووادي الضيف وخان شيخون بريف إدلب، وكان بحسب شهود "يستمتع بالقتل والتمثيل بجثث الموتى".
تشير المعلومات التي يملكها الفريق إلى أن "زعير" انقلب على رفاقه قبل أن يهرب خارج سوريا ونفذ عمليات سرقة مكثفة بهدف جمع المال، بعضها كان على شكل مبالغ مالية ومعادن ثمينة، وأخرى كانت قطع سلاح متوسطة وخفيفة بالإضافة إلى ذخائر باعها إلى أحد قادة الميليشيات وهو علي حمدان المتهم بقتل 23 مدنيا وقضايا أخرى من بينها خطف وتعذيب وسرقات واغتصاب وقد جرت هذه الأعمال بين قرية خنيفس في ريف مدينة سلمية ومدينة حمص، وقد صدرت بحقه مذكرات اعتقال بعد أن اعترف عليه أحد عناصره لصالح المخابرات الجوية التابعة للنظام.
طريق هروب سهل يبدأ من البرازيل
تمكن زعير وفق ما تؤكده معلومات التتبع التي يعمل عليها الفريق من الوصول إلى البرازيل مع بداية العام 2018 ومنها إلى غويانا الفرنسية التي مكث فيها حتى حصل على الإقامة الفرنسية قبل أن ينتقل إلى باريس، لكن المثير للغرابة أن زعير كان يمتلك جواز سفر أزرق يبدو أنه صادر عن منظمة الأمم المتحدة وقدر شارك فيديو على صفحته في فيس بوك وهو يستخدم هذه الوثيقة في رحلة إلى العاصمة السويسرية جنيف ولم يتمكن تلفزيون سوريا حتى الآن من معرفة الطريقة التي حصل بموجبها على مثل هذه الوثيقة.
يدعي علي زعير حسب ما رصد تلفزيون سوريا عبر تسجيل مصور شاركه في فيس بوك، أنه جمع ثروته في أثناء وجوده في غويانا، وأنه حاصل على الجنسية الفرنسية منذ مدة وقد عدل اسمه تجنبا لأي ملاحقة في المستقبل ولم يتمكن فريق التتبع حتى الآن من التثبت من صحة هذه المعلومات.
لزعير صديق آخر سلك ذات الطريق إلى غويانا التي منحتهم حق اللجوء ولكن بفارق سنة وتحديدا عام 2019، بحسب ما رصده فريق التتبع، وهو علي رائد الشعراني، بداياته كانت مبكرة انضم في عام 2011 إلى اللجان الشعبية في المدينة، تحول بعدها للعمل تحت جناح حسين وردة أحد زعماء الميليشيات وقريب فاضل وردة قائد ما يسمى بالدفاع الوطني في المنطقة وعضو مجلس الشعب وكان يمتلك مقرا لمجموعته وهو عبارة عن مزرعة في منطقة الكريم غربي المدينة، استخدمها في عمليات الاعتقال والخطف والتعذيب بحسب شهادات جمعت لأهالي المنطقة.
وبذكر حسين وردة فهو اليوم يواجه أحكاما قضائية في هولندا بعد أن لاحقته الشرطة الجنائية الألمانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وقد تعرف إليه كثير من أبناء بلدته اللاجئين وقدموا بحقه كثيرا من الشكاوى في المحاكم الأوروبية.
اختص الشعراني في سرقة السيارات بحسب أحد المقربين منه وانتفع من بعض الحواجز التي انتشرت على أطراف المدينة حيث كان يعمل مع مجموعة من رفاقه وأهمها حاجز المزارع وحاجز المليون على طريق سلمية حمص.
تفيد المعلومات أيضا بأن الشعراني كان وحيدا لوالديه، وبالنتيجة لم يكن ملزما بالانضمام إلى جيش النظام أو أي ميليشيات أخرى وأنه قام بذلك بمحض إرادته.
ماهي وثيقة العبور؟ لمن تعطى وكيف وصلت ليد المجرمين؟
يجيب المحامي السوري أنور البني عن أسئلة تلفزيون سوريا في هذا الصدد ويقول: إن "هذه الوثيقة تعطى إلى اللاجئ في حال حصوله على حق إعادة التوطين في إحدى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، وهي فقط تخوله من الوصول إلى البلد الذي منحه حق اللجوء، وفي كثير من الأحيان تمنح مفوضية الأمم المتحدة هذه الوثيقة دون البحث في خلفيات طالبي إعادة التوطين من اللاجئين، ولا يمكنها أن تتحقق من سجلات جميع الأشخاص المستوفين لصفات لاجئ".
وجواز مرور الأمم المتحدة هو وثيقة سفر يصدر من قبل المنظمة وفقا لأحكام المادة السابعة من اتفاقية عام 1946 ويحصل بموجبها الشخص على امتيازات وحصانات تخوله من دخول بلدان الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول التي وقعت على بيان جنيف للاجئين، ويحصل عليه الأشخاص الذين هم في وضع اللجوء أو طالب لجوء يرغب في السفر، وفي آخر إحصائية عام 2010 كان هناك نحو 35577 جواز مرور صادر.
واستخدم الجواز أيضا سكان كوسوفو، الذين لم يتمكنوا من الحصول على جواز سفر من يوغوسلافيا، وكانت تصدر هذه الوثيقة من قبل بعثة الأمم المتحدة بين عامي 2000 و 2008، وبعد أن بدأت حكومة كوسوفو بإصدار جوازات سفر خاصة بها، توقفت بعثة الأمم المتحدة عن منح هذه الجوازات.