"أقسى ما أذكره من تلك الليلة الأليمة، هو عجزي عن الذهاب إلى عائلتي علمًا أنهم بمفردهم زوجتي مع أطفالي الأربعة".
لم يكن يعلم محمد جود، أحد سكان ولاية قيصري التركية ومالك صالون حلاقة، أن يصل الأمر إلى التهجم على الممتلكات وحرقها وتكسيرها بعد ملاسنة حادة كان شاهدا عليها بين مجموعة من السوريين والأتراك على خلفية انتشار مقطع فيديو يزعم بوقوع حادثة تحرش.
"تعب سنين راح بلمح البصر" بهذه الكلمات عبر محمد عن حزنه الشديد إثر تكسير وسرقة صالونه الذي أهدرَ سنوات من التعب لفتحه.وبالرغم من تبين زيف الادعاءات، لم تتوقف أعمال العنف ضد السوريين في قيصري، بل امتدت شكل محدود إلى ولايات أخرى في تركيا.
لجأ محمد إلى منزل صديقه ريثما يعم الهدوء، لم يكن يعلم أن الأمر سيستمر لأيام. ليلة عصيبة عاشها بعيدًا عن عائلته، يقول لموقع تلفزيون سوريا "جلسنا في الظلام دون إشعال النور في المنزل أو إصدار صوت لعدم لفت النظر" .
عاد محمد إلى منزله بعد مرور يومين، وذلك بعد أن اتصل به صاحب منزله وهو تركي الجنسية واصطحبه بسيارته، لينتهي به المطاف محاصرًا في منزله.
"إما العيش بقلق دائم أو العودة إلى سوريا"
يروي محمد تفاصيل تلك الليلة العصيبة بعد مرور أسبوع عليها "إلى أين نذهب؟ ما الخيارات أمامنا؟ هل نبقى بعد تعرضنا لأبشع أنواع العنصرية؟ هل من مستقبل لأطفالنا" جميعها أسئلة تدور في أذهان السوريين في قيصري بحسب ما قاله محمد.
قرر محمد عرض عفش منزله للبيع في إحدى صفحات السوريين في قيصري واتخاذ قرار بالعودة إلى إدلب والبدء من جديد، أي من الصفر على حسب قوله، رغم درايته بالمخاطر التي سيواجهها هناك. لم يكن القرار سهلًا بالنسبة للعائلة، لكنه الخيار الوحيد.
"مواصلة العيش مع القلق الدائم ليس بالأمر السهل، فهي ليست المرة الأولى التي نتعرض لها للأذى لكنها الأعنف"، بحسب محمد.
حال محمد لا يختلف كثيرًا عن حال أبو غالب، الذي يمتلك دكانًا لبيع الأغذية في حي الصحابية وهو أب لثلاثة أطفال.
تعرض أبو غالب لأضرار مادية كبيرة، ففي ذلك اليوم قاموا بتكسير دكانه وسرقته، على الرغم من محاولة بعض سكان الحي الأتراك من منعهم، كما تعرضت سيارته للتكسير.
ويشرح تفاصيل الحادثة لموقع تلفزيون سوريا "مر ذاك اليوم علينا كالجحيم، عملت ثماني سنوات في المعامل التركية لفتح هذا المحل، خسارتي كبيرة ما يقارب لـ 20 ألف دولار، لا أهتم بالتعويض أنا فقط أريد أن أعيش مع عائلتي دون ذل لأننا جئنا إلى هنا هربًا منه"، بحسب ما قاله أبو غالب.
وأضاف أن العائلة تنوي العودة إلى سوريا حيث لا مخرج آخر لهم، فقرار الهجرة إلى أوروبا مكلف جدًا، لكنه لا يؤيد العودة إلى سوريا وهو مصمم على البدء من جديد.
أما أبو أسماء، صاحب محل لبيع الأجهزة المحمولة في قيصري، قال "عندما أخذت الدكان كان أشبه بالخرابة، انفقت عليه كل ما أملك لإصلاحه وعندما وصل إلى ذروته قاموا بتكسيره وحرق كل ما بداخله، الأضرار المعنوية أكبر بكثير من المادية" بهذه الكلمات عبر عن حزنه الذي سيطر عليه في ذلك اليوم.
حالة من العجز أصابت أبو أسماء بعد خسارة تعب سنوات، ووقع في دوامة من الأفكار، وبحسب ما قاله فهو لا ينوي فتح دكان والبدء من جديد بعد الذي تعرض له فالإعتداءات على المحال ليست جديدة ومن الممكن أن تتكرر، كما أنه لا يستطيع السفر لأنه مرتبط بعائلة كبيرة ولا يمكنه العيش بمفرده، أما السفر مع جميع أفراد العائلة ليس خيارًا متاحًا لأنه يتطلب مبالغ هائلة.
أتراك ساندوا السوريين
بعد مرور أسبوع على تلك الليلة العصيبة، باتت الشوارع شبه خالية من السوريين، ومحلاتهم مغلقة، بينما هم ملتزمون في منازلهم مع قلقهم، يخرجون فقط لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
يسكن الحاج عبد اللطيف معمار مع عائلته في منطقة عصملي، حيث تعرض ابنه لحادثة طعن من قبل شبان أتراك خلال أعمال الشغب التي استمرت أربعة أيام، وبحسب قوله، فإن غالبية السوريين يعيشون في حالة من الترقب، أما الشوارع فهي شبه فارغة منهم، فبعد الحادثة التي تعرض لها ابنه في أثناء خروجه لشراء الخبز، تضاعف خوف سكان الحي.
ويقول لموقع تلفزيون سوريا "ليس باليد حيلة، إلى أين نذهب منزلي في سوريا مدمر ولا أملك شيئا هناك"، يرى الحاج عبد اللطيف أن لا خيار أمامه سوى البقاء والحذر من أي أعمال شغب ممكن أن تحدث مستقبلًا، فخيار العودة إلى سوريا شبه مرفوض بالنسبة له ولعائلته.
كما عبر عبد اللطيف عن امتنانه للمواقف الإيجابية التي أظهرها جيرانه الأتراك.
وبحسب ما قاله فقد قدم بعضهم الدعم المعنوي، كما طلبوا منه عدم الخروج من المنزل والاتصال بهم في حال احتاجوا لأي شيء من الخارج.
أما دعاء حاج محمد (أم لطفلين)، قالت إن سيارة زوجها التي ركنها أمام المنزل تعرضت في ليلة الاعتداء إلى محاولة تكسير، لكن جيرانهم الأتراك منعوا المخربين من ذلك ووقفوا في وجههم.
وأضافت أن جارتها التركية استضافهتم في منزلها تلك الليلة خوفًا عليهم، وقدمت لها المساندة طوال تلك الفترة العصيبة.
ماذا يقول القانون عن التعويضات؟
ينص القانون التركي أو الدستور التركي في موضوع الأعمال التخريبية على تعويض المتضررين، إذ تكون الدولة التركية ملزمة بتعويض أي شخص تعرضت ممتلكاته للتكسير أو الحرق، لكنها لا تعد تعويضات كبيرة بحسب ما قاله المستشار علي كايا، ولا يتوقع كايا أن تكون التعويضات كبيرة، أو أن تقدم بشكل فوري.
وأضاف أن الدولة تصدر قرارًا بتعويض الضرر يُحدد بموجبه مقدار التعويض، وعلى موجبه تغطي الدولة 50% أو 40% من الضرر.
وبالنسبة للمركبات، فإذا كانت مغطاة بالتأمين الإلزامي فقط، فلا يتوقع كايا أن يعوض أصحابها، وفي حال قررت الدولة تعويضهم، فقد تكون التعويضات قليلة جدًا لعدم وجود "sigorta".
وفي حال وجود "sigorta" أي تأمين شامل ضد السرقة أو الحرق والأعمال التخريبية، فإن شركة التأمين تغطي ما يقارب 75% من الضرر الذي تعرضت له المركبة.
وعلى خلفية تلك الأحداث، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، توقيف 1065 شخصًا في أنحاء البلاد، عقب الأحداث التي اندلعت في ولاية قيصري وسط تركيا.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده بولاية قيصري الجمعة، تعقيبا على الأحداث التي شهدتها الولاية قبل أيام إثر ادعاءات عن تحرش شخص سوري بطفلة من أقاربه. وكانت أنباء انتشرت عن أن الطفلة تركية إلا أن السلطات التركية كشفت جنسية الطفلة لاحقا.
وأوضح يرلي كايا أن قوات الأمن أوقفت 1065 شخصًا في جميع أنحاء تركيا على خلفية أحداث قيصري، وسجن 28 منهم، وصدور أمر فرض الرقابة القضائية بحق 187 شخصًا.
وأشار إلى أن أحداث غير مرغوبة شهدتها قيصري، مبينًا أن قوات الأمن التركية أوقفت 855 شخصًا في الولاية وحدها بعد الأحداث، تبين أن 468 منهم لديهم سوابق جنائية تتعلق بـ 50 جريمة مختلفة.
كما امتدت الحملة العنصرية وموجة العنف ضد اللاجئين السوريين في عدة ولايات أخرى، وسجّلت ولايات بورصا وكلس والريحانية ونيزب وغازي عنتاب، حالات شغب وتكسير ممتلكات سوريين، وهو ما أثار حالة من الرعب والقلق بين السوريين في عموم تركيا.
وبحسب ما نقلته صحيفة "يني شفق" التركية في 8 من تموز، فإن فرق إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بدأت بإجراء عمليات المسح الميدانية لتقييم الأضرار في أحياء دانشمند غازي والصحابية وفوزي شاكماك وعثمانلي وسيلجوكلي وحرييت ومولانا وأيدنلك إيفلاء وكشوك مصطفى.
كما أفادت مصادر للصحيفة، أن السلطات التركية ستعمل على تعويض اللاجئين المتضررين من أعمال الشغب بشكل كامل.