icon
التغطية الحية

باحث تركي: تركيا والمعارضة السورية في مرمى الاحتجاجات المنظمة

2024.07.02 | 17:57 دمشق

صورة تعبيرية يظهر فيها أوميت أوزداغ وبشار الأسد وفلاديمير بوتين وهم يحركون الأحداث في الشمال السوري
صورة تعبيرية يظهر فيها أوميت أوزداغ وبشار الأسد وفلاديمير بوتين وهم يحركون الأحداث في الشمال السوري
Medium \ليفنت كمال - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

اندلعت احتجاجات وأعمال عنف واسعة النطاق في الشمال السوري، مستهدفة المؤسسات التركية ونقاط الجيش التركي، وهذه الأحداث غير المتوقعة ألقت بظلالها على الوضع المعقد في المنطقة، حيث ظهرت تساؤلات حول الأطراف الفاعلة وراء هذه الأحداث والتحريض الذي أدى إليها. الباحث والصحفي التركي ليفنت كمال، في مقال نشر على منصة Medium، قدم تحليلاً مفصلاً للأسباب والعوامل التي أدت إلى تصاعد التوترات في المنطقة.

ووفقاً لكمال، لم تكن الأحداث الأخيرة مفاجئة تماماً، إذ كانت نتيجة طبيعية لحالة الغضب المتراكم في الشمال السوري. وعلى الرغم من أن الشرارة الأولى للأحداث كانت حوادث قيصري، إلا أن السبب الرئيسي يتجاوز تلك الحوادث ليصل إلى تدخل أطراف أخرى تسعى لاستغلال الوضع لصالحها. وأشار كمال إلى أن هذه الأطراف، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني والروس، استغلت التوترات بين تركيا والجيش الوطني السوري لتحقيق أهدافها.

وأوضح كمال أن تركيا، رغم اتخاذها خطوات ضمن برنامجها السياسي، ليست المسؤولة الوحيدة عن التصعيد، بل إن وجودها العسكري في سوريا يُستخدم كجزء من العلاقات السياسية الدولية. وأشار كمال إلى أن الجيش الوطني السوري يفتقر إلى التشكيل العقائدي المنظم، مما يخلق بيئة مواتية لتسرب عناصر أخرى.

واتهم كمال حزب العمال الكردستاني والروس باستغلال الأحداث، حيث استفادوا من التوترات بين تركيا والجيش الوطني السوري لتحقيق أهدافهم. وأكد أن العديد من الفيديوهات التحريضية التي نشرت على تيليغرام ركزت على تأجيج الكراهية ضد الأتراك باستخدام عبارات مثل "أتراك فاشيون" و"غزاة" و"عثمانيون"، إلى جانب استهداف قيادات الجيش الوطني السوري في الشمال السوري.

واختتم كمال تقريره بالإشارة إلى أن هذه الأحداث أدت إلى توجيه الغضب التركي نحو الجيش الوطني السوري والسوريين بشكل عام، مما يعزز الصورة التي أرادها المخططون لهذه الأحداث. وأضاف أن وسائل الإعلام التركية قدمت المشكلة على أنها جزء من عملية ضد تطبيع تركيا مع نظام الأسد، وهو ما يتماشى مع أهداف الجهات المحرضة بحسب تعبيره.

وفيما يأتي ترجمة موقع تلفزيون سوريا للمقالة كاملة:

لعل معظم الناس لم يخطر لهم على بال أن يحدث ما حدث البارحة في الشمال السوري، بل حتى من كانوا يراقبون الأمور من كثب لم يتوقعوا لها أن تحدث بهذا الشكل بما أن الوضع لم يستقر بعد.

لا يمكني القول إن ما حدث كان مفاجأة، إذ لا بد لسورة الغضب أن تنفجر بشكل أو بآخر، ولكن من الضروري فهم ما جرى في سياقه الصحيح.

إذ على الرغم من أن تلك الأحداث قامت بسبب حوادث قيصري، فإن ذلك ليس السبب الرئيس لها، وعلى الرغم من عدم وجود أي يد للسوريين في تلك اللعبة، ثمة طرف آخر يحصد ثمار ما يجري.

هل تتابع الأحداث من كثب؟

إن استخدمنا العبارة المكررة التي تقول: "لا شيء يبدو كحقيقته" فإن الأحداث الجارية أتت نتاجاً لقصة طويلة تدور أحداثها وسط بيئة سياسية وعسكرية هشة في الشمال السوري.

ثم إن تركيا ليست الجهة المسؤولة الوحيدة عن كل ذلك، لأن موقفها يقوم على اتخاذ خطوات ضمن هيكلية برنامجها، ومن هذا المنطلق، باتت في موضع يبيح لها الاستعانة بوجودها العسكري في العلاقات السياسية الدولية، إذن ما الذي تريده الدولة -أي دولة- أكثر من ذلك؟

وبالمقابل فإن المعارضة السورية ليست متجانسة ولا تمثل نسيجاً موحداً من الناحية الأيديولوجية، وأغلبية مكوناتها لا تدري ما الذي عساها أن تفعله في البلد في حال تخلى الأسد عن منصبه غداً.

صحيح أن جميع أطياف المعارضة تؤيد الثورة، لكنهم جميعاً يفتقرون إلى برنامج لما سيفعلونه بعد الثورة، ويحتل الجيش الوطني السوري مركز تلك الصورة، ولهذا يصر السوريون على الاحتفاظ ببعض الخطوط العملية، لكن هذا الإصرار لم يأت نتاجاً لرؤية سياسية أو تصميم على هذا المستوى، بل هو خلاصة لتجاربهم.

ما يزال الجيش الوطني السوري عبارة عن تنظيم ميليشياتي، أي أنه ليس بجيش نظامي، ولا يتبع تشكيلاً عقائدياً مثل هيئة تحرير الشام أو حزب العمال الكردستاني، وهذا ما يخلق بيئة مواتية لتسرب عناصر أخرى، وقد شهدنا ذلك خلال أحداث الأول من تموز.

ولكن لا يجوز أن نبرئ الجيش الوطني السوري تماماً مما يجري، ولكن قبل ذلك دعونا نلقي نظرة عليه: يتألف الجيش الوطني السوري من تسعين ألف جندي، بينهم اثنان وأربعون ألف مقاتل، غير أن الأعداد التي رأيناها في المظاهرات تقترب من ثلاثة آلاف، وكل من شارك فيها معروف لمن ينتمي، وبحسب مصادر من الجيش الوطني، فإن من نفذ تلك الأعمال هم جنود الجيش الوطني وبعض المدنيين.

حري بالقول إن سبب قيام الأحداث ليس التهريب أو المصالح التجارية، ولهذا يجب علينا أن نوضح ذلك على عجالة قبل أن نتابع، إذ ثمة مشكلة أخرى وهي وجود من يدعي بأن الوضع في عفرين سببه الكرد الموجودون هناك، غير أن معظم من ظهروا في الفيديوهات التي أتت من عفرين هم من العرب، وليسوا بأكراد، لذا إنه لأسلوب رخيص أن تعزى الحادثة لمحرضين من حزب العمال الكردستاني كما زعم هؤلاء.

لنأت الآن على المشكلة الرئيسية:

عندما كانت تركيا تتخذ خطوات بشأن تلك المشكلات، وبخصوص الجيش الوطني السوري وتدعيم البنية السياسية في الشمال السوري، أماطت الأحداث التي وقعت خلال الأيام العشرة الماضية اللثام عن عملية ينفذها طرف ثالث.

فقد تسبب الإصرار وفتح معبر أبو الزندين بظهور شيء من التوتر خلال الشهور الماضية، ولهذا لن نأتي على ذكر تلك الأمور هنا، ومما زاد الطين بلة تصريحات الرئيس أردوغان بشأن الأسد، لذا فإن كل من تابع وحلل ما جرى خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية يدرك بأن هنالك دعاية مكثفة سلطت على تلك الأمور، كما وفرت أحداث قيصري التي اندلعت بسبب استفزاز العنصريين مادة دسمة لتأجيج الغضب عند الأتراك.

فجأة وفي كل مكان

عند الظهر تقريباً، تجمعت أعداد صغيرة فجأة عند نقاط عديدة وبدأت بأعمال استفزازية قوبلت بتأييد حقيقي عبر تطبيق تيليغرام، إذ كان كل شيء جاهزاً سلفاً، فالأعمال التي تحدث عادة في الساحات وأمام الجوامع استهدفت وبصورة مباشرة المؤسسات التركية ونقاط الجيش التركي، وسرعان ما نشرت مقاطع الفيديو على سبع قنوات معروفة، بعضها لا تخفى على أحد الصلات التي تربطها بالجيش الوطني السوري، كما بثت تلك القنوات السبع تلك الفيديوهات على عجل مستخدمة عبارات تستهدف الأتراك، إلى جانب تحديد المناطق التي جرى استهدافها.

وفي غضون ساعة، تعرضت الشاحنات التجارية التركية لهجمات، وكذلك مركز البريد التركي، والمشافي التركية، ضمن ما لا يقل عن تسع نقاط تابعة لتركيا، وبعد مرور قرابة الساعتين، استهدفت الهجمات العلم التركي والقواعد العسكرية التركية، فانتشرت الرسائل عبر تطبيق تيليغرام عن أن تلك أعمال في الشمال السوري لن تكفي، ولهذا لا بد من الزحف إلى القواعد العسكرية التركية الموجودة في إدلب، فجرى بث أول فيديو لحرق العلم التركي من إدلب، وتم توجيه الناس للاحتشاد أمام خمس نقاط عسكرية تركية هناك.

لم يحدث ذلك مصادفة، إذ من عفرين وردت أنباء عن وصول مسلحين وملثمين على دراجات نارية أحاطت بمكتب الوالي بعد مرور تسع عشرة دقيقة من قيام المظاهرات. كما وصل مسلحون وملثمون ليحيطوا بمعبر باب السلامة الحدودي الواقع شمالي مدينة اعزاز بعد مرور 11 دقيقة على قيام المظاهرات، وبعض من أتوا على تلك الدراجات قيل إنهم من عناصر الجيش الوطني، وبعضهم ليسوا كذلك.

والجميع يعرف ما حدث عقب ذلك، إلا أن قلة من الناس يعرف ما جرى خلف الكواليس.

من الذي أشعل الفتيل؟

مسرح الظل يحتاج إلى النور، وفي الشمال السوري، ثمة شخص أشعل الفتيل وأخذ يكبر الظلال ويصغرها على هواه.

ولن أتردد في ذكر تلك الجهة بكل وضوح، إذ هنالك محوران يقومان بتوجيه الغضب المحتقن في الشمال وإدارته، وهما الروس وحزب العمال الكردستاني، لأن هذين الطرفين يتابعان ومن كثب المشكلات القائمة بين تركيا والجيش الوطني السوري وعامة الشعب، ولهذا درسا وبشكل جيد كيفية استغلال الاختلاف بين أنقرة والمعارضة، وبما أن تركيا موجودة في سوريا لمحاربة حزب العمال الكردستاني، والسوريون يريدون إسقاط النظام، أو على الأقل تحصيل حقوقهم المنصوص عليها في القرار الأممي رقم 2254، لذا فإن الهوة التي لم تردم بين هذين الهدفين، والعنصرية الموجودة في تركيا جعلت الأمور مفتوحة أمام كل أنواع العمليات.

سبق أن شهدنا عملية نفذتها عناصر عربية على صلة بحزب العمال الكردستاني في منطقة الجيش الوطني السوري وبدعم من الماكينة الدعائية الروسية.

وبحسب تحليلات الخطاب، فإن قنوات تيليغرام التي نشرت وبصورة مستفزة أخبار المظاهرات ركزت على عبارات منها: "أتراك فاشيون" و"غزاة" و"عثمانيون"، و"يجب أن يخرج الأتراك من سوريا" كما استهدفت بعض قيادات الجيش الوطني في الشمال السوري، وقد تصدرت قنوات عديدة نشر تلك الدعاية من أوروبا ولبنان.

أما بقية الأمور فقد تولتها عناصر ثانوية في وضح النهار، إذ قام مؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي التركية من أمثال Haskoloğlu والذي يعيش على التفاعلات بنشر رسائل من دون وعي ولكن بالطريقة التي تخدم الغرض منها، ثم إن وسائل التواصل الاجتماعي التركية بالأصل مستعدة لمرحلة الانفجار والغضب.

ظهر محرضون في نقاط عديدة وهم يرتدون بزتهم العسكرية ليصوروا ذلك المشهد، كما جرى التعرف إلى عناصر الجيش الوطني السوري الذين شاركوا في المظاهرات وأطلقوا النار على الشاحنات التجارية التركية، إلى جانب غيرهم من المحرضين.

عناصر فاعلة بينها وصوليون

عندما اتضح منذ البداية بأن هذه الأفعال مخطط لها ومنظمة، اختارت السلطات المراقبة بهدف فضح الضالعين بتلك الأحداث والحمقى والانتهازيين الذين شاركوا فيها، بدلاً من أن تتدخل بشكل مباشر، وهذا ما أكدته لاحقاً مصادر مطلعة على الأمور.

وبحسب تلك المصادر، فقد جرى التعرف إلى من كان وراء تدفق الأخبار والفيديوهات، وتحليل الخطاب الوارد فيها، ونشرها عبر السلاسل والمجموعات، ودخول شخصيات معروفة في هذا السياق، ومشاركة عناصر الجيش الوطني ومن مثلوا أنهم عناصر من الجيش الوطني، فقد أجريت دراسات تقنية واستخبارية بشرية على تلك المواد، كما تم التعرف إلى مجموعات انتهازيين الذين يسعون للانتقام من تركيا.

في نهاية كل تلك الأحداث، فإن الجميع ابتداء من الصحفي الحربي وصولاً إلى ظاهرة التواصل الاجتماعي، ومن الصحفي الذي تموله ألمانيا إلى القومي المعتدل، ومن المعارض التركي المؤيد للأسد إلى من غردوا على منصة إكس لصالح حزب العدالة والتنمية وتحدثوا عن كل شيء عبر شاشات التلفاز، جميعهم بلا استثناء صبوا جام غضبهم على الجيش الوطني السوري وعلى السوريين، وبذلك خرجوا بمنتج تماماً كما يشتهي من خطط له، بل حتى القنوات التلفزيونية قدمت المشكلة على أنها عملية ضد تطبيع تركيا مع نظام الأسد، بيد أن هذا بالضبط ما أريد للمشكلة أن تعني بالنسبة لهم.

المصدر: Medium