في تطور متصاعد للأحداث في شمال غربي سوريا، يشهد "معبر أبو الزندين"، الذي يعد أبرز نقطة حدود داخلية بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، حالةً من التوتر والجدل، خاصّةً بعد تعرّضه للقصف بالتزامن مع إعادة فتحه في سياق الاستعداد التركي للتطبيع مع النظام السوري وبتنسيق تركي روسي، ما أثار مخاوف الأهالي من كونها خطوة سياسية بغطاء اقتصادي.
وأمس الإثنين (19 آب 2024)، أُعيد -بشكل رسمي- فتح "معبر أبو الزندين" في منطقة الباب شرقي حلب، بناء على رغبة روسيّة-تركيّة، بحسب ما صرّح مصدر من "تجمّع الفعاليات الثوريّة" في مدينة الباب لـ موقع تلفزيون سوريا.
وقال المصدر إنّ إعادة فتح "معبر أبو الزندين"، المُغلق منذ أربع سنوات، جاء بعد اجتماع ضم قياديين من الجيش الوطني السوري ومسؤولين أتراك في غرفة عمليات "حور كلس" العسكرية، عند الحدود التركية-السورية شمالي حلب، وأنّ الجانب التركي أخبرهم بقرار فتح المعبر، وإتمام هذه الخطوة.
ولكن لم تمضِ ساعاتٍ على فتح المعبر، صباح أمس الإثنين، حتّى تعرّض محيطه لـ قصفٍ مدفعي مجهول، يعكس -وفق مراقبين- التباينات الحادة في المواقف بين القوى الفاعلة على الأرض، من جهةٍ النظام السوري ومن جهةِ المعارضة السوريّة، وحلفاء الطرفين.
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 19, 2024
ولم يُعرف مَن له مصلحة في استهداف المعبر، الذي شهدت ساعات افتتاحه الأولى عبور شاحنات باتجاه واحد فقط، من مناطق سيطرة الجيش الوطني إلى مناطق سيطرة النظام، لكن مصادر رجّحت أنّ مصدر القصف مواقع سيطرة النظام السوري، مشيرين إلى رفض "الفرقة الرابعة" فتح المعبر، المستفيدة من معابر التهريب، ومن خلفها ميليشيات إيران، التي لا تريد تعزيز النفوذ التركي في المنطقة.
ولكن مصادر أُخرى رجّحت أن تكون "هيئة تحرير الشام" وعبر مجموعات مسلّحة مقرّبة منها في المنطقة هي وراء القصف، لأنّها متضرّرة من فتح المعبر، في حين أشار ناشطون إلى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تريد خلط الأوراق، في ظلّ مخاوفها من التقارب بين تركيا والنظام السوري.
وسبق القصف المدفعي، نصب خيمةً اعتصام عند دوّار سوق الهال الجديد وبعض التجمّعات، احتجاجاً على فتح المعبر، كما وصلت رتل من مدينة مارع شمالي حلب إلى مدينة الباب، بهدف الانضمام إلى الاعتصام، وسط دعوات لمشاركة أكبر من مدنيين وعسكريين في المنطقة.
— ابن قاسيون (@ibnqasuoon) August 19, 2024
— احمد الشبلي (@Ahmad_1alshble) August 19, 2024
إعادة فتح "معبر أبو الزندين" رسمياً
أثار قرار إعادة فتح "معبر أبو الزندين" جدلاً واسعاً في الشارع السوري، حيث تباينت الآراء بين مؤيّد ومعارض لهذا القرار، فبينما اعتبره البعض بوابةً للتطبيع مع النظام السوري وتعميق الانقسام، رآه البعض الآخر وسيلة إنعاش للاقتصاد المتردّي وتحسين الأوضاع المعيشية في شمال غربي سوريا.
و"معبر أبو الزندين" الذي يعدّ أحد أبرز المعابر الداخلية الذي يفصل بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري في شمال غربي سوريا، تكرّرت محاولات إعادة فتحه أكثر من مرّة، بعد إغلاقه رسمياً، في آذار 2020، عقب جائحة كورونا.
ويقدّم كلا الطرفين أسباب تأييدهما ورفضهما لفتح "معبر أبو الزندين"، فالطرف الرافض يعتبر أنّه فتح المعبر يعزّز من موقف التقارب والتطبيع بين النظام السوري وتركيا (حليف المعارضة السوريّة)، لذلك يرون أنّ الهدف من فتحه هو سياسي أكثر منه اقتصادي، لأنّ إعادة فتحه الآن هو بمثابة "تطبيع رسمي".
ويرى الطرف الرافض أيضاً، أنّ فتح المعبر قد يؤدي إلى زيادة الانقسام بين مختلف الفصائل في المنطقة، ويعتقدون أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تزايد التوترات وتشجيع النزاعات الداخلية، مشيرين إلى اقتتالهم المتكرّر بما يخص المعابر الحدودية مع تركيا، ومعابر "التهريب" الداخلية.
كذلك يرى الرافضون أيضاً، أنّ وجود معابر تهريب لا يعني تبرير فتح معابر رسمية مع النظام السوري، فهم يطالبون بإغلاق كليهما، مع التشديد على أنّ المستفيد الأكبر من فتح المعبر هو النظام السوري.
ويعبّر الرافضون عن قلقهم -في حال الاستمرار في فتح المعبر- من غياب الثقة في المؤسسات التي ستكون مسؤولة عن إدارة المعبر، إذ يرون أن عدم وجود إشراف قوي وشفاف قد يؤدي إلى استغلال المعبر لأغراض غير مشروعة، وأن المعبر قد يصبح مصدراً للفساد أو الاستغلال.
أسباب تأييد فتح "معبر أبو الزندين"
أمام المعارضة الشديدة لـ فتح "معبر أبو الزندين"، يرى البعض الآخر أن فتح المعبر يمكن أن يكون له فوائد اقتصادية وتجارية، وأنّه يسهم في تحسين الظروف الاقتصادية لمعظم الفئات في المنطقة، من تجّار وصناعيين وعمّال.
وأنّ فتح المعبر قد يوفّر كثيرا من فرص العمل في الشمال السوري، كما يعزّز حركة البضائع والتصدير، مع وجود مئات المنشآت والمعامل في المدن الصناعية التي أُقيمت في المنطقة، خلال السنوات الماضية.
كذلك يرى مؤيّدو فتح المعبر، أنّ المعبر سيساعد في تلبية الاحتياجات الإنسانية للسكّان المحليين، في تسهيل حركة الأشخاص وعدم اقتصاره على الحركة التجارية، كما كان سابقاً، مشيراً إلى رفض فتحه هو أمر غير واقعي، وأنّ التعامل مع الواقع يتطلب "المرونة والقبول في بعض الحلول الجزئية".
وبحسب مصدر من الفعاليات المدنيّة في مدينة الباب لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّه لا يوجد مشكلة في فتح المعبر، بشرط أن تكون إدارته مدنيّة لا بيد عسكريّة، وذلك لتحقيق الفائدة للبنية التحتية في المدينة المدمّرة، منذ العام 2014، بسبب قصف النظام ومعارك تنظيم الدولة.
"معبر أبو الزندين"
يقع المعبر الذي أنُشئ، عام 2017، في قرية "أبو الزندين" التي يسيطر عليها الجيش الوطني في منطقة الباب شرقي حلب، في حين تسيطر قوات النظام على مزارع القرية من الجهة الشمالية المؤدّية إلى مدينة حلب.
وجاء إنشاء المعبر، بعد سيطرة الجيشين الوطني السوري والتركي على مدينة الباب بعملية "درع الفرات" المشتركة ضد تنظيم الدولة (داعش)، وكانت قوات النظام السوري بالتزامن مع العملية، حينذاك، تتقدّم إلى المنطقة أيضاً، وتمكّنت خلال ذلك من السيطرة على كثير من البلدات والقرى في منطقة الباب وعموم ريف حلب الشرقي.
وكان المعبر، ممراً إنسانياً تجري فيه غالبية عمليات تبادل الأسرى بين النظام السوري والجيش الوطني -بإشراف تركي-روسي- إلى جانب عبور قوافل الذين هجّرهم النظام من مختلف المناطق السوريّة إلى الشمال السوري، فضلاً عن كونه -إلى جانب الكثير من المعابر غير الرسمية- ممرّاً للتهريب.
وفي 17 آذار 2020، أعلنت الحكومة السورية المؤقّتة إغلاق جميع المعابر الداخلية مع قوات النظام و"قسد" بسبب جائحة كورونا، وكان من بينها "معبر أبو الزندين"، لكن رغم القرار، بقي المعبر يعمل عن طريق التهريب، مع فشل محاولات إعادة فتحه بشكل رسمي.
وفي أيلول 2022، أعادت "فرقة السلطان مراد" في الجيش الوطني السوري، فتح "معبر أبو الزندين"، الذي استمر مدة ساعات فقط، قبل أن تُعيد إغلاقهِ مجدداً بسبب الغضب الشعبي والمظاهرات الاحتجاجية الرافضة لإعادة فتحه، وفي 13 حزيران 2024، وصلت دوريّة عسكرية روسيّة إلى المعبر واجتمع ضبّاطها بنظرائهم من الضبّاط الأتراك، دون تفاصيل مُعلنة عن الاجتماع.
وبعد هذا الاجتماع بأسبوعين، وتحديداً في 26 حزيران 2024، أعلن المجلس المحلي لمدينة الباب، بدء تنظيف وتجهيز معبر أبو الزندين، تمهيداً لافتتاحه تجريبياً واعتماده كمعبر تجاري رسمي، وفي اليوم التالي جرى تسيير شاحنات تجارية عبر المعبر، قبل أن يُنفّذ مدنيون وعسكريون من الجيش الوطني هجوماً على المعبر، ويُكسّروا بعض المعدات داخله، رفضاً لافتتاحه.
"تحديات لوجستية وأمنية"
إغلاق أو فتح "معبر أبو الزندين" لن يغيّر من واقع سوريا ككل، وأمام العملية تحديات لوجستية وأمنية تهدّد فتحه، لكن هذه الخطوة الأخيرة وما تبعها من حراك مضاد ورافض يشير إلى ضعف الثقة بين المسؤولين الأتراك والمجتمع في الشمال السوري بدأ، في العام 2022، عندما انتفضت المنطقة رفضاً لتصريحات وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو، بشأن "مصالحة" النظام السوري.
ويضاف إلى تلك الأسباب، الخلل الكبير في إدارة منطقة شمال غربي سوريا، بسبب التدخلات التركية في حوكمتها، قبل أن ينتقل الرفض إلى اشتباكات مسلّحة، بعد أن أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استعداده للقاء بشار الأسد.
إنّ افتتاح المعابر الداخلية في شمال غربي سوريا يحمل مصالح متبادلة لمختلف الأطراف بنسب متفاوتة، لكن هذه النسب بحاجة إلى مختصين اقتصاديين ومسحٍ للأسواق والبضائع والاحتياجات في المنطقة لتحديد آليات تضمن استفادتها من الحركة الاقتصادية الناجمة عن إعادة فتح المعابر، وهو ما لم تطرحه الحكومة السوريّة المؤقتة أو المجالس المحلية في ريف حلب.
وغياب هذه التفاصيل إلى الآن وحضور العنوان العريض "فتح المعبر" فقط، هو الذي يعزّز قناعة الرافضين بأنها خطوة تحمل صبغة سياسية وورقة تفاوضية بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية، أي ورقة لا تراعي مصالح الأهالي في منطقة يعيش فيها 90% تحت خط الفقر، فضلاً عن انحسار الدعم الأممي والدولي وزيادة نسب البطالة إلى مستويات مخيفة.