icon
التغطية الحية

النظام السوري يحول أزمة النزوح اللبناني إلى مكسب اقتصادي وسياسي

2024.09.30 | 05:41 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2024 | 10:10 دمشق

سيب
النظام السوري يحول أزمة النزوح اللبناني إلى مكسب اقتصادي وسياسي
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

لم يكن غياب نظام الأسد عما يجري في المنطقة وخاصة التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد حزب الله واغتياله أمينه العام حسن نصر الله في لبنان مفاجئاً، فمنذ عام وهو يتبنى سياسة النأي بالنفس، ورغم أن الحزب يعد حليفاً له ضمن ما يسمى "محور المقاومة" إلى جانب إيران، فإن بشار الأسد اختار مجدداً عدم الانخراط في ساحة الحرب الثانية في الشرق بعد غزة.

هذا الصمت، الذي ينتهجه النظام على المستويين السياسي والعسكري تجاه ما يحدث، قد يُكسر عندما يتعلق الأمر بكيفية استغلال الكوارث لصالحه وتحويل أزمة نزوح اللبنانيين لمناطقه إلى فرصة لتحسين صورته أمام الدول لجلب الدعم والتبرعات، والضغط على المجتمع الدولي وابتزازه بشأن تقديم المساعدات للنازحين.

وبعد أن أثبت نظام الأسد خلال السنوات الماضية قدرته وبراعته في استغلال الأزمات، كما حدث خلال جائحة كورونا وزلزال شباط المدمر، يطرح السؤال الآن: كيف سيستفيد من كارثة النزوح اللبناني؟

البداية.. توجيهات الأسد

قبل أيام ظهر بشار الأسد في تسجيل مصور نشرته "رئاسة الجمهورية" خلال اجتماع مع وزراء حكومته الجديدة، وبينما كان يتوقع أن تكون الأحداث المتصاعدة في الدولة المجاورة وتداعياتها على سوريا محور الاجتماع، تركز حديثه بشكل أساسي على قضايا الفساد وإصلاح القوانين الاقتصادية والإدارية.

إلا أن الأسد خصص 40 ثانية فقط في آخر كلامه الذي استمر 20 دقيقة للحديث عن لبنان، وطلب من وزرائه مساعدة النازحين والوقف مع من وصفهم بـ"الأشقاء" في كل المجالات والقطاعات دون استثناء أو تردد.

من اجتماعات طارئة لحكومة محمد غازي الجلالي الجديدة، إلى زيارات مسؤولين ومحافظين للحدود السورية- اللبنانية، بدأ التحرك سريعاً من قبل الوزراء الذين لم يتأخروا عن تنفيذ ما طلبه الأسد، وكل خطوة يُعلن عنها كانت ترفق بعبارة "بتوجيهات من السيد الرئيس"، في محاولة لتعزيز صورة الأسد كمستجيب أول للأزمات.

كل خطوة يُعلن عنها كانت ترفق بعبارة "بتوجيهات من السيد الرئيس"، في محاولة لتعزيز صورة الأسد كمستجيب أول للأزمات

وحسب مكتب رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، فإنه خلال اليومين الماضيين عبر 15.6 ألف سوري وأكثر من 16.1 ألف لبناني الحدود اللبنانية باتجاه سوريا، في حين كشف محافظ بعلبك الهرمل في لبنان، بشير خضر لشبكة CNN الأمريكية، أن عدد النازحين اللبنانيين إلى سوريا بلغ 27 ألف شخص حتى يوم الخميس.

وكشف مصدر في إدارة الهجرة والجوازات السورية لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري يوم السبت الفائت، أن عدد الوافدين اللبنانيين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان بلغ 22215، وبلغ عدد السوريين العائدين نحو 65 ألف سوري، في إحصائية غير نهائية.

أولى إشارات الاستغلال لأزمة النزوح تمثلت في جمع العملة الأجنبية، سواء من اللبنانيين أو السوريين العائدين الذين لم يُستثنوا من إلزامية تصريف 100 دولار عند المعابر الحدودية، مما صعّب دخولهم لعدم امتلاكهم المبلغ المطلوب، لحين يوم أمس الأحد أعلن النظام وقف العمل بالقرار لمدة أسبوع.

ووفقاً لآلاء الشيخ، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة ريف دمشق، فقد بلغ عدد الوافدين من معبر جديدة يابوس حتى يوم الخميس24  ألف شخص و880 آخرين، منهم 19 ألف و749 سورياً، و5  آلاف و131 لبنانياً.

وأكدت الشيخ لإذاعة "شام إف إم" أن فرض تصريف 100 دولار يأتي كجزء من "البروتوكول الروتيني المتبع، وهي إجراءات تنظيمية يجري تسريعها، وملتزمون حتى الآن بكافة الإجراءات القانونية".

وبناء على أعداد السوريين العائدين فإن النظام سيجمع مئات آلاف الدولارات من وراء إلزام السوريين على تصريف الدولار بسعر 13500 ليرة، بينما يصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى 14800 ليرة.

كما وجه مصرف سوريا المركزي التابع للنظام مكاتب متنقلة إلى المعابر الحدودية للقيام بتصريف العملات الأجنبية من قبل النازحين اللبنانيين الراغبين بشراء الليرة السورية.

بدوره سارع الهلال الأحمر السوري إلى نشر صور وفيديوهات يمكن وصفها بالـ"دعائية" لمساعدته للعائلات اللبنانية والسورية الوافدة عبر المعابر الحدودية في حمص وطرطوس وريف دمشق، في استعراض إعلامي لا يعدو كونه محاولة لتلميع صورة النظام.

استقبال بعد ابتزاز

على مدى السنوات الأخيرة، تعالت أصوات السياسيين من الدول المجاورة بضرورة إعادة اللاجئين السوريين. وأصبحت القضية محورا رئيسيا في أجندة العديد من الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع نظام الأسد، فأكدت في اجتماعاتها المتكررة على ضرورة أن تكون "العودة الطوعية والآمنة" أولوية قصوى، ويجب اتخاذ خطوات لازمة للبدء في تنفيذها فورا.

إلا أن نظام الأسد استغل هذه الدعوات كفرصة لابتزاز هذه الدول، مشترطا ربط عودة اللاجئين بمشاريع إعادة الإعمار والتعافي المبكر، مبررا ذلك بتضرر البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والسكن.

في اجتماع بين الأسد ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، العام الماضي، قال الأسد إن "العودة السليمة للاجئين السوريين هي الهدف الأسمى لدى الدولة السورية، لكنه مرتبط بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها، إضافة إلى ضرورة تنفيذ مشاريع التعافي المبكر الضرورية لعودتهم".

وخلال الأشهر الماضية، أعلنت الأمم المتحدة عن إنشاء صندوق للتعافي المبكر في سوريا، سيكون تمويله الأساسي من دول الخليج، التي تجد صعوبة في تحويل الأموال مباشرة إلى النظام السوري بسبب العقوبات الدولية.

إلا أن هذه المبررات التي كان يضعها الأسد لرفض عودة اللاجئين السوريين اختفت فجأة مع النزوح اللبناني، حيث أصدر أوامره بفتح المعابر الحدودية أمام اللبنانيين والسوريين العائدين دون أي تحفظات على نقص البنية التحتية أو الخدمات.

في الساعات الأخيرة، شهدت الحدود السورية ارتفاعا ملحوظا في عدد النازحين اللبنانيين عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والتصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية ببيروت.

ومع تصاعد التوترات وتوسع نطاق الحرب، تتزايد التوقعات بدخول مئات الآلاف من النازحين إلى سوريا، وهنا يبرز التساؤل: هل سوريا قادرة فعلاً على استيعاب هذا العدد من النازحين؟ أم أن الأسد يسعى من خلال من هذه الخطوة إلى إيصال منظمات الأمم المتحدة في سوريا لحالة من العجز في التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة؟

مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي "أوتشا" أعرب عن قلقه من تدفق السوريين واللبنانيين عبر الحدود إلى سوريا، وأكد المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى في بيان مشترك مع المنسق الإقليمي للأزمة السورية، رامناتن بالكرشن، أنه "لا يمكن تحمل مزيد من حالات الطوارئ الإنسانية".

ودعا البيان الأمين العام للأمم المتحدة التحرك بسرعة وفاعلية لخفض التصعيد في المنطقة التي لا يمكنها "تحمل أعباء مزيد من حالات الطوارئ الإنسانية"، مشيراً إلى أنه "في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، في حين تسجل الاستجابة الإنسانية نقصاً في التمويل، فحتى الآن، تمت تلبية ما يزيد قليلاً على 25 % من المتطلبات المالية".

كما أصدر المنتدى الإقليمي للمنظمات الإنسانية غير الحكومية الدولية في سوريا، وهو شبكة تضم 70 منظمة تعمل في مختلف أنحاء سوريا، بياناً حذر فيه من أن تصعيد العنف في لبنان يهدد بتفاقم الظروف الإنسانية المزرية بالفعل في سوريا.

وأشارت المنظمات في بيانها إلى أن "الاحتياجات الإنسانية في سوريا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام، وتدهور التمويل مما يعني أن جهود الاستجابة لا يمكن أن تواكب ذلك"، مؤكدة أن "سوريا لا تزال تواجه واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا في العالم، والتي تفاقمت بسبب الصراع المطول والانهيار الاقتصادي والنزوح المتكرر".

ودعا البيان المجتمع الدولي إلى "زيادة الدعم المالي المرن لسوريا وفي مختلف أنحاء المنطقة، لتلبية احتياجات جميع المدنيين المتضررين من تزايد الأعمال العدائية والصراع في المنطقة".

يرى إياد حميد، وهو باحث كبير في برنامج التطوير القانوني السوري ومقره لندن، أن استمرار التصعيد في لبنان ونزوح اللبنانيين إلى سوريا سيكون فرصة للأسد من أجل الضغط على منظمات الأمم المتحدة وتعزيز روايته بضرورة تسهيل تدفق الأموال والمساعدات لإعادة بناء البنية التحتية ودعم العائدين.

وأشار حميد لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أن هذا المطلب قد يجد دعما من بعض الدول الأوروبية التي تدعم إعادة تعويم النظام السوري.

تاريخ أسود في الملف الإنساني

على مدى السنوات الماضية، برع النظام السوري في استغلال الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، محولاً المعاناة إلى أداة ضغط على المجتمع الدولي.

في كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا في شباط 2023، استغل النظام مأساة الضحايا لمحاولة فك عزلته الدولية، فأطلق حملة تحت شعار "ارفعوا العقوبات عن سوريا"، روج عبرها عشرات الإعلاميين والسياسيين لرواية النظام وإلقاء اللوم في تدهور الأوضاع الإنسانية على العقوبات الغربية والأميركية.

وفي إطار هذه الحملة، طالب وزير الخارجية السابق، فيصل المقداد، الدول الأوروبية برفع العقوبات وإرسال المساعدات الفورية.

صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن الأسد حاول استغلال الزلزال للعودة إلى الساحة الدولية، مستفيداً من تواصل قادة عرب وشخصيات أممية معه لأول مرة منذ سنوات، معتبرةً أن الزلزال كان بمثابة "نعمة" للأسد يحاول التشبث بها.

النظام استفاد من الكارثة عبر محورين، سياسي واقتصادي، على الصعيد السياسي، وجدت بعض الدول في الكارثة فرصة لتطبيع العلاقات معه تحت غطاء إنساني.

أما من الناحية الاقتصادية، من خلال المساعدات التي وصلته من العديد من الدول مثل الإمارات والجزائر ومصر، كما أعلن الاتحاد الأوروبي تخفيف بعض العقوبات لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، في حين خصصت الأمم المتحدة 25 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية في سوريا، بينما قدم الاتحاد الأوروبي 7 ملايين دولار.

وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت تقريراً في 2021 يؤكد أن النظام كان يجبر منظمات الأمم المتحدة على تصريف العملة الأجنبية بسعر صرف منخفض، مما أدى إلى سرقة جزء كبير من المساعدات.

لكن التقارير تشير إلى أن النظام استغل هذه المساعدات لأغراضه الخاصة، ووفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، نهب النظام نحو 90% من المساعدات الموجهة لضحايا الزلزال.

وإلى جانب كارثة الزلزال حول النظام السوري ملف المساعدات الإنسانية الأممية التي تدخل عبر المعابر إلى الشمال السوري لورقة تفاوض وابتزاز فاشترط زيادة تمويل مشاريع التعافي المبكر للإبقاء على المعبر الرابع في باب الهوى.

واعتبر حميد أن نظام الأسد يسعى دائما لصنع مكاسب من مآسي الشعبين السوري واللبناني، مؤكدا أن منظومة الأسد مثلما نهبت المساعدات الأممية الموجهة لصالح السوريين لن يكون من المستبعد أن ينهب أية مساعدات أممية أو غيرها ستكون موجهة لصالح اللاجئين اللبنانيين القادمين إلى سوريا.

وتواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للاستفسار عن مصير الأموال التي كان يتلقاها اللاجئون السوريون في لبنان، وخاصة الذين عادوا إلى سوريا، إلا أنه لم يتلق أي جواب.

السؤال المطروح كان ما إذا كانت تلك الأموال ستُحوّل إلى اللاجئين في سوريا بعد عودتهم، وهو ما يسعى إليه النظام السوري.

واستبعد حميد ذلك، كما استبعد حدوث أي تغيير جذري في قوانين العقوبات الغربية على النظام، لكنه توقع إصدار عدد من الرخص والتسهيلات المحدودة زمنيا بهدف تيسير عمليات الإغاثة وعمل المنظمات الإنسانية والدولية.

أما المحلل السياسي بشير اعتبر أن المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي، لا يثق بالنظام السوري ولا يعترف بشرعيته في إدارة المساعدات، وذلك بسبب الانتهاكات المستمرة وقانون العقوبات "قيصر"، الذي يمنع أي تحويل للأموال إلى سوريا.

وأكد بشير لموقع "تلفزيون سوريا" أن نظام الأسد لطالما حاول استغلال الأزمات الإنسانية كأداة ضغط على المنظمات الدولية للحصول على مكاسب مادية وسياسية، ومنها أزمة اللاجئين الذي كان لا يبدي أي استعداد لإعادتهم أو تحسين ظروف عودتهم إلا في إطار صفقة دولية تخدم مصالحه، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، سواء في القمة العربية أو عبر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.