تطورت حملة بعض الأحزاب اللبنانية ضد اللاجئين السوريين وتفاعلت في الفترة الأخيرة لتصبح نقطة تلاق شبه وحيدة تعتمدها الأحزاب المتصارعة للتقارب مع قاعدتها الشعبية ومع بعضها البعض، حيث بات خطابها شعبويًا يميل إلى العنصرية واللامنطق. وهكذا أصبح السقف مفتوحًا في محاربة الإنسان والطفل السوري في لبنان من دون ضوابط، وبدعم جناح معتبر من الدولة اللبنانية.
أحدث فصول الحملة ضد اللاجئين تجلى في دعوة القوات اللبنانية للمدارس اللبنانية، سواء كانت خاصة أو رسمية، للامتناع عن تسجيل أي طالب سوري "مخالف" لا يمتلك "إقامة" صادرة عن الأمن العام اللبناني. وأكدت القوات اللبنانية في بيان لها أن "بطاقات اللجوء" الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لا تتوافق مع القوانين اللبنانية والاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن، مما يجعل هذه البطاقات غير كافية لشرعنة وجود حامليها في لبنان، وبالتالي يجب أن تُعتبر سببًا للملاحقة القانونية، وفقًا للقوات اللبنانية. وأضاف البيان أن تراخي المؤسسات الرسمية في التعامل مع "مسألة الوجود السوري غير الشرعي" يعد خروجًا عن الدور الوطني لهذه المؤسسات، كون "الوجود السوري غير الشرعي يشكل خطرًا داهمًا على وجود لبنان وهويته وسلامة شعبه"، وذلك حسب ما جاء في بيان القوات.
تلاقت القوات اللبنانية في هذا الموقف مع التيار الوطني الحر، الذي دعت لجنته المركزية للإعلام وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال، الأستاذ عباس الحلبي، وأصحاب ومديري المدارس والمعاهد الرسمية والخاصة، إلى "وقف تسجيل أي طالب سوري لا يحمل إقامة صادرة عن المديرية العامة للأمن العام اللبناني." وأكدت اللجنة في بيانها أن "بطاقات اللجوء" الصادرة عن المفوضية العليا للاجئين في لبنان غير قانونية ولا يمكن الاعتماد عليها لتسجيل الطلاب السوريين، مشيرة إلى أن تسجيل "السوريين غير الشرعيين يهدد الهوية المجتمعية للبنان ويفتح الباب لدمجهم في المجتمع اللبناني."
إن تطابق بيان الحزبين يثير التساؤلات حول التنسيق بينهما، رغم أنهما يقفان على طرفي نقيض في السياسة اللبنانية، وإمكانية أن يكون الملف السوري شماعة يعتمد عليها الحزبان للتقارب في موقف ما، بعد أن استعصى تقريب وجهات النظر في معظم الملفات اللبنانية.
تطابق بيان القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يثير التساؤلات حول التنسيق بينهما، رغم أنهما يقفان على طرفي نقيض في السياسة اللبنانية، وإمكانية أن يكون الملف السوري شماعة يعتمد عليها الحزبان للتقارب في موقف ما، بعد أن استعصى تقريب وجهات النظر في معظم الملفات اللبنانية.
من جانبه، استغل مازن الخطيب، المدير العام للتعليم العالي في لبنان، هذه الدعوات التحريضية على الطلاب السوريين، معتبرًا أن وجود نحو 450 ألف تلميذ سوري يساهم في "تراجع مستوى التعليم في لبنان"، وأكد أن الدولة اللبنانية "لا تستطيع تحمل كلفة تعليم السوريين."
لا تمثل هذه الحملة كامل الشعب اللبناني، ولا يمكن اعتبارها بالضرورة منطلقة من مصلحة لبنانية خالصة؛ بل تقف وراءها أهداف سياسية وشعبية تخدم شرائح محددة. فقد أعرب الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان له عن استغرابه من استمرار "الحملة العنصرية تجاه النازحين السوريين في لبنان، والتي تتزايد بمزيد من الشعبوية والمزايدات والتحريض الخطير." وأضاف الحزب أن آخر تجليات هذه الحملة هي الدعوة إلى وقف تسجيل أي طالب سوري لا يملك إقامة شرعية في المدارس والمعاهد، معتبرًا أن هذا القرار "يعني بشكل مباشر رمي آلاف الأطفال السوريين في الشارع فريسةً للجهل والفكر المتطرّف، مما قد يحولهم إلى عامل تفجير إضافي داخل المجتمع اللبناني، بدلاً من تحصينهم وحمايتهم بالعلم إلى حين عودتهم إلى بلدهم."
من جانبه، أكد النائب بلال الحشيمي، عضو كتلة الاعتدال الوطني، على نفس المخاوف، مشيرًا إلى أن الدعوات الموجهة ضد الطلاب السوريين في لبنان "ستؤدي إلى كارثة اجتماعية على المدى الطويل، وستحول الأطفال إلى "مجرمين وسارقين ومتعاطين ومروجين ومخربين وإرهابيين".
اليوم، يقف الطلاب السوريون في لبنان بين فكي كماشة. من جهة، يعانون من تراجع مستوى التعليم الذي يعاني منه الطلاب اللبنانيون أيضًا، نتيجة لأسباب متعددة، بدءًا من الوضع الاقتصادي وانتهاءً بالنزوح داخل لبنان بسبب الحرب. ومن جهة أخرى، يواجه الطلاب السوريون تحديات إضافية تتعلق بالخوف على حياتهم وبقائهم، وغياب الأوراق الثبوتية، والقلق من النظامين اللبناني والسوري، والفقر والجوع المستمرين.
يقف الطلاب السوريون في لبنان اليوم بين فكي كماشة، فمن جهة، يعانون من تراجع مستوى التعليم، ومن جهة أخرى يواجهون تحديات إضافية تتعلق بالخوف على حياتهم وبقائهم، وغياب الأوراق الثبوتية، والقلق من النظامين اللبناني والسوري، والفقر والجوع المستمرين.
يبدو الآن أن هناك مساعٍ لطرد الطلاب السوريين من المدارس، وهو إجراء يحمل في طياته أهدافًا معلنة كـ"حماية هوية لبنان"، وأهدافا غير معلنة تتعلق بالضغط على المؤسسات الدولية وعلى اللاجئين السوريين لإجبارهم على مغادرة لبنان، حتى لو كان ذلك عن طريق استخدام أطفالهم كورقة ضغط. وربما في المستقبل القريب، قد تمتد هذه الحملة لتشمل خدمات الاستشفاء للسوريين في لبنان.
أما من جهة وزارة التربية وتركيزها على تأثير اللاجئين على النظام التعليمي، سواء من الناحية المالية أو التعليمية، فهو يهدف إلى محاولة الضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات الدولية لسد ثغرات التعليم في لبنان، لكل من الطلاب اللبنانيين والسوريين. هذا النهج يسعى إلى تحميل مسؤولية فشل إدارة الملف التعليمي وفشل الدولة بأكملها على شماعة اللاجئين، والتهرب من المسؤولية، على الرغم من أن "اليونيسف" تخصص ميزانية قدرها 39 مليون دولار لتعليم السوريين في لبنان، بالإضافة إلى مساهمات في صناديق أخرى، مثل صندوق الأهل في المدارس الرسمية للطلاب اللبنانيين، الذي رفعت ميزانيته من 18.75 إلى 40 دولارًا لكل تلميذ في التعليم الأساسي للعام الدراسي الحالي، أي بنحو 6 ملايين دولار.
بالتالي، صحيح أن هناك أزمة في ملف اللجوء في لبنان، لكن بالتأكيد لا يتحمل اللاجئون مسؤوليتها، ولا يجب أن يكون الأطفال هم من يتحملون عواقبها. بل يجب أن تتحملها الدول والأحزاب المسيطرة، التي تدعي اليوم حرصها على لبنان، في حين كانت هي أحد الأسباب الرئيسية في عرقلة تنظيم هذا الملف منذ بدايته، خلافًا لدول أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بمصالحها الخاصة.