عقد مجلس النواب اللبناني جلسة نيابية مستعجلة مخصصة لملف اللجوء السوري في لبنان. فقد تفاعل هذا الملف بشكل حاد في الأيام الأخيرة بأحداث أعادته إلى دائرة الضوء الرئيسة، على الرغم من أنه لم يغب عنها يوماً منذ عقد أو أكثر.
إن لبنان الذي يعيش فيه نحو أربعة ملايين لبناني، لجأ إليه أكثر من مليوني لاجئ سوري يتوزعون على مختلف المحافظات اللبنانية، وتختلف ظروف كل منهم.
منذ نحو شهر، وبعد خطف وقتل مسؤول القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سليمان، بعد اقتياده إلى سوريا، تأججت المشاعر اللبنانية على إثره واستخدم الحدث للتحريض على اللاجئين، ما أدى إلى خروج موجات شعبية متطرفة تضرب وتطرد السوريين أينما وجدوا.
استغلت مختلف الأحزاب اللبنانية الظرف لطرح وجهة نظرها بموضوع اللجوء السوري، وبدأت الأجهزة الأمنية اللبنانية بوضع خطط لترحيل اللاجئين. بعدها بأيام، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات مالية بقيمة مليار يورو للبنان حتى العام 2027 بهدف دعم "الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم الجيش والقوى الأمنية".
ثارت ثائرة غالبية القوى اللبنانية لاعتبار هذه المساعدات رشوة وتثبيتاً لواقع اللجوء الحالي حتى عام 2027 على أقل تقدير. وتسارعت المشاورات بين الأحزاب التي خلصت إلى ما أُقر في جلسة المجلس النيابي الأخيرة.
استغلت مختلف الأحزاب اللبنانية الظرف لطرح وجهة نظرها بموضوع اللجوء السوري، وبدأت الأجهزة الأمنية اللبنانية بوضع خطط لترحيل اللاجئين.
الإجراءات الحالية
يشعر كل السوريين في لبنان بالخوف من الخروج من الخيام أو المنازل أو أماكن العمل، ويشعرون بالخوف حتى في البقاء فيها، فالتعديات الشعبوية تحصل اليوم على "قبة باط" رسمية، إضافة إلى إجراءات رسمية مشددة على رأسها خطة الأمن العام التي تم الإعلان عنها.
ركزت خطة الأمن العام على "الطلب من السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة، التوجه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة"، و"التشديد على المواطنين اللبنانيين بعدم تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن لسوريين مقيمين بطريقة غير شرعية"، و"عدم السماح للسوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بممارسة أي عمل مأجور خارج قطاعات العمل المحددة لهم"، و"استئناف تنظيم عمليات العودة"، وغيرها من إجراءات التشديد في عملية الحصول على إقامة.
أما المجلس النيابي، فقد ذهب في نفس اتجاه الأمن العام والحالة اللبنانية المحتقنة عامةً بإجراءات تهدف إلى التضييق على السوريين والضغط على المجتمع الدولي لإيجاد حل للمسألة.
بالإضافة إلى ذلك، عقد اجتماع "شبه رئاسي" في بكركي بقيادة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وضم قادة الأجهزة الأمنية ووزراء وخبراء، حيث تناقشوا في واقع اللجوء السوري وكيفية معالجته. اعتُبر هذا الاجتماع مقدمةً لجلسة مجلس النواب والصائغ الأول لأبرز بنوده وتوجهاته.
المجلس النيابي، فقد ذهب في نفس اتجاه الأمن العام والحالة اللبنانية المحتقنة عامةً بإجراءات تهدف إلى التضييق على السوريين والضغط على المجتمع الدولي لإيجاد حل للمسألة.
مواقف المعنيين بالقضية.. سببها ومستقبلها
لا شك أن اللبناني اليوم يعاني من مشاكل كبرى مركبة: اقتصادية، اجتماعية، بيئية، سياسية، أمنية، وغيرها. ووجود عدد كبير من اللاجئين على أراضيه يزيد الضغط على لبنان واللبنانيين، إلا أن هذا لا يعني مشروعية الاعتداء على اللاجئ الذي يعاني مثله وربما للأسباب والمسببات نفسها.
يدرك الجميع اليوم أن مشكلة اللاجئين سياسية وليست تقنية. فكل فئة لبنانية وغير لبنانية تنظر إلى المسألة من منظورها الخاص. بالنسبة للقوى المسيحية، المنظور الديمغرافي والطائفي والسياسي يؤرقهم. بذكريات الحرب الأهلية، تعتبر هذه الفئة أنها تتراجع عددياً في لبنان مقابل باقي الفئات، فكيف إذا أضيف إليهم لاجئون "مسلمون" يمكن أن يكون لهم دور سياسي أو اجتماعي يوماً ما في لبنان كحال الفلسطينيين إبان الحرب. إضافة إلى ذلك، يعتبرونه موضوعاً يجمعهم ويفيدهم شعبياً في ظل شغور الموقع المسيحي الأول في البلد وفي ظل سيطرة حزب الله على قرارات الدولة الرئيسة. بالنفث في هذا الملف، يتوحدون، يكسبون شعبية، ويدفعون لاستعادة شيء من الدور، إضافة إلى اعتقادهم الصادق بالمدافعة عن لبنان. إلا أن الكلام في الملف بنفس طائفي يضر الأحزاب المسيحية نفسها لأنها تخسر التعاطف الوطني وتدفع الطوائف الأخرى إلى ردود أفعال عكسية وإن اتفقوا معهم من حيث المبدأ.
الدولة اللبنانية، هي توليفة من الأحزاب اللبنانية التي تريد كل شيء في الوقت نفسه. تريد إرضاء الشارع والأسد والثنائي الشيعي والاتحاد الأوروبي، فتخرج بإجراءات فلكلورية لا سياسات مدروسة.
أما الثنائي الشيعي، فقد عبّر أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، عن موقفه وموقف النظام السوري من عودة اللاجئين وأكد بشكل غير مباشر أن النظام هو المانع الأول لعودة اللاجئين، وأن لديه مطالب رئيسية لإعادتهم، على رأسها إزالة العقوبات عن الأسد، والتواصل معه بشكل رسمي، والحصول على المال والدعم السياسي اللازم لإعادة تأهيله والضغط على الغرب للوصول لذلك عبر فتح البحر. أما ما لم يقله نصر الله فقد عبّر عنه النظام السوري عملياً بإخفاء بعض العائدين إلى سوريا وإعادة آخرين إلى لبنان بعد بضعة أيام من ترحيلهم إلى سوريا.
أما الغرب، فهو مستعد لتقديم المعونة المادية اللازمة للبنان لضبط حدوده البحرية كي يمنع اللاجئين من الانتقال إلى أي بلد أوروبي، خاصة بعد وصول بعض الزوارق من لبنان إلى قبرص. إضافة إلى توفير فتات الدعم للدولة اللبنانية المحتاجة، الأهم ألا يقترب اللاجئون من أوروبا!
أما الدولة اللبنانية، فهي توليفة من الأحزاب اللبنانية التي تريد كل شيء في الوقت نفسه. تريد إرضاء الشارع والأسد والثنائي الشيعي والاتحاد الأوروبي، فتخرج بإجراءات فلكلورية لا سياسات مدروسة.
المشكلة الحقيقية في لبنان تكمن في الدولة بكل مكوناتها، التي لم تقدم ملف اللجوء منذ البداية للدراسة المتأنية الجادة التي تحفظ حقوق اللبنانيين وكرامة الأشقاء السوريين، وتقدم للأوروبيين مشروعاً مدروساً. لذلك، فُتح الباب على مصراعيه لكل حزب ومجموعة لتتصرف كما تريد، فتفاقمت الأزمة يوماً بعد يوم لتصل في كل فترة إلى مراحل من الانفجار بانتظار الانفراج الذي من غير المتوقع أن يحدث قريباً.