icon
التغطية الحية

اتصالات سرية وخلاف بين قطبين.. هل تقترب تركيا من حل عقدة "العمال الكردستاني"؟

2024.10.26 | 02:00 دمشق

آخر تحديث: 26.10.2024 | 09:51 دمشق

655
صورة أرشيفية - رويترز
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

شهدت العاصمة التركية هجوماً دامياً أودى بحياة خمسة أشخاص وأصاب 22 آخرين، وذلك بعد أيام من إعلان زعيم الحركة القومية التركية دولت بهتشلي عن مبادرة لحل قضية "حزب العمال الكردستاني".

الحزب الذي تصنفه أنقرة على لائحة الإرهاب، أعلن مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف مؤسسة الطيران والفضاء التركية (توساش) في أنقرة.

لكن ما الذي يدفع الحزب وبهذا التوقيت والظرف للقيام بعملية أنقرة؟ بالعودة إلى الأيام القليلة السابقة للهجوم، كان هناك تصريح لافت لزعيم الحركة القومية وحليف حزب العدالة والتنمية، دولت بهتشلي، دعا فيه زعيم العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان لإعلان حل التنظيم وإنهاء العمل المسلح مقابل رفع العزل عنه والبدء بتطبيق ما يسمى بحق الأمل.

أتاح هذا الانفتاح السياسي بين أنقرة والكردستاني السماح لعائلة أوجلان بزيارته بعد عدة سنوات من المنع، حيث كتب ابن أخيه النائب عمر أوجلان تغريدة عقب زيارته عبّر فيها عن استعداد عمه للتفاعل مع دعوة بهتشلي وتسوية النزاع.

تركيا التي تبحث اليوم عن لم الشمل داخلها لمواجهة أخطار إقليمية بدأت تستشعرها، تمد يدها، فيأتي الرد مؤلماً في المكان والزمان، فاتحاً ملفاتها الأكثر تعقيداً، فأي الطرق ستسلك أنقرة في الداخل والخارج؟

ما الممكن أن تقدمه مبادرة "بهتشلي"؟

قال رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق إسماعيل حقي بكين، إن مبادرة بهتشلي خطوة ونقطة بدء مهمة، على الرغم من تأثير الديناميات الخارجية المتسارعة على الداخل، سواء شئنا أم أبينا، في منطقة الشرق الأوسط، تتأثر الأوضاع في لبنان والمنطقة بالحروب، بما في ذلك الصراع مع إسرائيل، إضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على بعض الأطراف، والحرب الروسية الأوكرانية، والأوضاع في سوريا، والاقتصاد التركي الذي يسعى لإعادة الاستقرار.

ولتحقيق ذلك، من الضروري اتخاذ التدابير اللازمة، وأهمها لملمة البيت التركي الداخلي، كما كان الحال في حرب الاستقلال قبل 100 عام، فإذا لم تستطع تركيا توحيد جبهتها الداخلية، فسيكون من الصعب التصدي لأي تهديدات قد تأتي من الخارج.

وذكر بكين خلال مشاركته في برنامج "المؤشر" على شاشة تلفزيون سوريا، أن الرئيس التركي دعا إلى توحيد الصفوف وإنهاء التوترات والاستقطاب في البلاد، مشيراً إلى أهمية التخلص من هذه الأمور تدريجياً، وأحد المحاور الرئيسية هنا هو إنهاء إرهاب حزب العمال الكردستاني، وفي هذا الإطار، طرح دولت بهتشلي مبادرة مهمة تهدف إلى معالجة هذه المسألة.
 

على الرغم من "العملية الإرهابية" التي نفذت في مؤسسة الطيران والفضاء في أنقرة، يرى البعض أنها ليست مرتبطة بالمبادرة، والتي كانت قيد النقاش منذ عدة أشهر. وأكد بكين أن هذه العملية لا يمكن أن تُنفذ بناءً على التخطيط الذي حدث في فترة قصيرة، مشيراً إلى أن التخطيط يستغرق وقتاً أطول.

هجوم لصالح "دولة معينة"

حزب العمال الكردستاني أعلن مسؤوليته عن الهجوم، لكن إسماعيل بكين شكك في دور الجهات الاستخبارية الأجنبية التي قد تكون خلف العملية، معتبراً أن الهجوم كان مدبراً لصالح جهاز استخباري لدولة معينة.

وأوضح أن هناك محاولات لوضع تركيا في إطار معين، مثل إنشاء دولة كردية أو اقتطاع أجزاء من أراضيها، مشدداً على أن تركيا تسعى لتحطيم كل الحدود التي تحاول بعض الدول فرضها.

بحسب إسماعيل بكين، في النقاشات الحالية يُطرح السؤال حول ما إذا كان ينبغي التركيز على الملفات الداخلية أو الخارجية. هل ستتعامل تركيا مع المجموعات الكردية الموجودة في سوريا أو العراق؟ هذه من بين الأسئلة التي تُطرح باستمرار. وفيما يتعلق بمبادرة دولت بهتشلي، لا يوجد سوى تصريحاته العلنية فقط.

عبد الله أوجلان، الزعيم الكردي المسجون، يشير إلى إمكانية نقل القضية من مرحلة النزاع إلى مرحلة المصالحة والحوار. ولكن السؤال هو: هل يمتلك أوجلان القدرة الفعلية على ذلك، أم أن قيادات أخرى في قنديل تفكر بشكل مختلف عنه؟ يبدو أن هناك العديد من المتغيرات والعوامل المجهولة التي تصعّب التوصل إلى رؤية واضحة حول الحلول الممكنة.

العديد من الزعماء يؤكدون أن هذه الفترة فرصة تأتي مرة واحدة كل 100 عام، ولذلك يجب اغتنامها لتحقيق الحلول. ترى تركيا أن المسألة يجب أن تُناقش وتُحل داخلياً دون تدخل خارجي، مشددة على عدم ترك الأمور للولايات المتحدة أو غيرها من القوى الخارجية. تركيا تريد أن تجلس مع الأكراد مباشرة لحل هذه المشكلة بشكل متساوٍ وعادل.

ويبدو أن الدعوة موجهة بوضوح إلى عبد الله أوجلان، وربما تشمل أيضاً شخصيات كردية بارزة أخرى مثل الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش.

وفي الوقت الحالي، توجد قوة تأثير لدى بعض الزعماء الأكراد على جزء من الشعب الكردي، لكن لا يتبع جميع الأكراد قيادة أوجلان، وهناك مصالح أخرى قد تفرقهم. ولكن الرسالة التركية واضحة: لا حاجة للتدخل الأميركي أو إعادة تقسيم المنطقة على غرار اتفاقية سايكس بيكو، تركيا تريد حلاً داخلياً يقوم على الحوار المباشر بين الأطراف المختلفة.

المسألة الكردية ليست الوحيدة على الساحة، فهناك أيضاً مخاوف من تقسيم سوريا إلى دول كردية، أو علوية، أو سنية، إلى جانب الحديث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دول. لذا، تدعو تركيا إلى ضرورة التواصل مع الدول العربية والخليجية، وخاصة مع السعودية، لبحث حلول شاملة تضمن استقرار المنطقة، بحسب بكين.

هل ستمضي الدولة التركية بالمبادرة؟

يرى بكين أن تركيا يجب أن تستمر في مبادراتها، قائلاً: "أتوقع وأؤمن بأنها ستواصل ذلك، لأنها تدرك أن القضايا المتعلقة بالدول المجاورة مثل سوريا والعراق أصبحت قضايا دولية. ولذا، من الضروري إخراجها من هذا الإطار الدولي وتحويلها إلى مسائل محلية يمكن حلها بين الأطراف المعنية، وعلى الرغم من صعوبة المهمة، يجب العمل بجد على هذا المسار".

الوضع الحالي يشهد الكثير من المتغيرات، بدءاً من حزب الشعوب الديمقراطي، مروراً بجماعات مثل "قسد"، والـYPG وPKK، وصولاً إلى الأكراد في أوروبا، وعبد الله أوجلان في السجن، كل هذه العناصر تشكل معادلة معقدة تتطلب الغربلة والتصفية لتحديد من سيقود الأكراد في الحوار، وهي نقطة في غاية الأهمية.

بحسب المعلومات التي تم الحصول عليها - وفق بكين - هناك تغييرات جارية في صفوف القيادات الميدانية ضمن "قسد" في سوريا، وفي قنديل أيضاً، وهو ما قد يؤثر على المسار المستقبلي.

ويعتقد بكين أن هذه التغييرات مهمة، وربما تدفع تركيا لاتخاذ مسار محدد بناءً على هذه المتغيرات. لذا، تركيا ومعها الدول الإقليمية مثل سوريا والعراق قد تتوجه إلى نقطة حاسمة في هذا الصراع، وهو أمر ليس بالسهل.

وتابع: "منذ سنوات وتركيا تقاتل وجهاً لوجه مع حزب العمال الكردستاني، وهناك أطراف تحاول عرقلة هذا المسار، سواءً من الداخل أو الخارج، لأن بعضها يريد استمرار الحروب والنزاعات. لكن يجب تجاوز هذه العقبات والعمل على حل شامل".

ولفت إلى أن "مبادرات تركيا في هذا السياق تعتبر جريئة، لكنني أعتقد أن الأمر يستحق المخاطرة، ويجب المضي قدماً في هذه الخطوات. رسائل عبد الله أوجلان الداعية للتحول إلى المسار السياسي، والمواقف الصادرة عن حزب الشعوب الديمقراطي، كلها تعتبر إشارات إيجابية تعزز إمكانية الوصول إلى حل سياسي. التغييرات في القيادات الميدانية لقسد تعطي الأمل في تحقيق تقدم ملموس على الأرض، ويجب أن تستمر تركيا في استغلال هذه التحولات لتحقيق الاستقرار".

"مراجعة سياسات"

بدوره قال الأستاذ في العلاقات الدولية سمير صالحة: "لا أعلم إن كان بإمكاننا بالفعل أن نسمي ما يحدث الآن مبادرة، بل يمكن القول إنها خطوة أولى نحو مراجعة المواقف والسياسات في التعامل مع الملف الكردي. السبب في عدم تسميتها مبادرة يعود إلى قلة التفاصيل المتوفرة حول مضمونها، وما الذي سيُقدَّم أو يُقال على مستوى الأطراف المختلفة، وكيف سيكون شكل الحوار، لذا ربما يكون من الأفضل وصفها بانطلاقة أو استعداد للتعامل بطريقة جديدة مع هذا الملف".

وأضاف صالحة أنه رغم التركيز على تصريحات زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، يجب الاعتراف بأن الانطلاقة جاءت أيضاً من الرئيس رجب طيب أردوغان في مطلع تشرين الأول الحالي، خلال حديثه أمام البرلمان التركي في بداية الدورة التشريعية الجديدة. يومها، تحدث أردوغان عن ضرورة تعزيز الأمن القومي الداخلي، مُشيراً إلى أهمية إعادة توحيد الصفوف داخل تركيا في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية.

من ناحية أخرى، هناك عوامل داخلية وإقليمية تلعب دوراً في هذه التحركات. على الصعيد الداخلي، يبدو أن الأولوية بالنسبة للدولة التركية هي إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية، وذلك يتضمن مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية.

أما على الصعيد الخارجي، فهناك العديد من الملفات والتوترات الإقليمية التي تتطلب من حكومة العدالة والتنمية مراجعة سياساتها واتخاذ خطوات استراتيجية جديدة.

المشهد الكردي منقسم

من جهته، يعتقد الكاتب والصحفي هوشنك أوسي أن المشهد الكردي في تركيا اليوم منقسم، فهناك تيار يدعم عبد الله أوجلان وشخصيات أخرى مثل صلاح الدين دميرطاش، ومن جهة أخرى، هناك تيار يجسد حزب العمال الكردستاني والمؤسسة الأمنية والعسكرية المرتبطة بجميل بايك والقيادات المحيطة به، مثل دوران كالكان، ومصطفى كاراسو، ورضا ألتون، وصبري. هذه المجموعة تخضع حالياً لتأثير الإرادة الإيرانية.

ويرى أوسي أنه توجد خطط وضعتها الدولة التركية على مدى ثلاث إلى خمس سنوات، قد تتضمن إطلاق سراح عبد الله أوجلان أو وضعه تحت الإقامة الجبرية، وربما دعوته إلى البرلمان لإعلان استجابته لمبادرات مثل التي اقترحها دولت بهتشلي. الجدية التي تظهرها المؤسسات الأمنية والعسكرية ووسائل الإعلام التركية، وحتى بعض النخب المعارضة، تعكس المخاطر المستقبلية التي قد تواجه تركيا.

اتصالات بين "أوجلان" و"مظلوم عبدي"

قال الكاتب أوسي: "بما يتعلق بتغيير بعض القادة الميدانيين لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يبدو أنه سيتم استبدال بعض القيادات المتطرفة والمتشددة من الكوادر الكردية التركية ببدائل كردية سورية معتدلة. من المعلومات المتوفرة، عبد الله أوجلان يحافظ على اتصال مباشر مع مظلوم عبدي، بل وحتى اتصل به هاتفياً، وكذلك يتواصل مباشرة مع قيادة قنديل، تحت حماية ورعاية الاستخبارات التركية".

وبحسب أوسي، كل اتصالات أوجلان مع قنديل تخضع لمراقبة دقيقة، وله نفوذ وتأثير واضح عليهم هناك. عبد الله أوجلان يحاول أن يناقش القادة في قنديل، لكنه يسعى أيضاً إلى فرض رأيه عليهم. ووفقاً لتقارير، تواصل جميل بايك مع أوجلان وسأله عن الضمانات المتاحة، مما أدى إلى انزعاج أوجلان الذي أنهى المكالمة بشكل حاد وأغلق الهاتف في وجهه.

بدوره أكد رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق إسماعيل حقي بكين، حدوث اتصالات بين "أوجلان" من سجنه، مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وقادة من "حزب العمال الكردستاني" (PKK) في جبال قنديل.