تتجه الأنظار مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي بحلول 10 كانون الثاني الجاري، للتصويت على تمديد التفويض الأممي الخاص بنقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وذلك في وقت تتهم فيه عدة منظمات إنسانية الجانب الروسي باستخدام الملف الإنساني لتعويم نظام الأسد وابتزاز المدنيين بسلاح المساعدات عبر ربط استمرار تدفقها من خلال الحدود مقابل تنازلات هدفها دعم النظام والسعي بغطاء أممي تحت مسمى برامج التعافي المبكر.
تترافق التحركات الروسية لابتزاز المدنيين بسلاح المساعدات، مع خطوة استباقية اتخذتها الدول الغربية تحسباً لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو لمنع تدفق المساعدات عبر الحدود، حيث دعمت عدة دول في مقدمتها بريطانيا تأسيس آلية جديدة للمساعدات تدعى "إنصاف"، فهل يمكن أن تُنهي هذه الآلية التحكم الروسي في ملف المساعدات؟ وهل تعتبر كافية لتكون بديلة عن المساعدات المقدمة عبر الأمم المتحدة؟
آلية "إنصاف".. خطوة استباقية
مصادر دبلوماسية كانت قد أكدت لموقع تلفزيون سوريا، في 27 كانون الأول الماضي، أن الدول الغربية اتخذت خطوة استباقية تحسباً لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو ضد تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، عبر دعم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا لتأسيس آلية جديدة للمساعدات تدعى "إنصاف".
وبدأت المنظمات الإنسانية السورية العاملة في شمال غربي البلاد بتقديم طلبات للحصول على منح من صندوق المساعدات الجديد، بعد أن خصصت الدول المانحة مبلغاً أولياً له وقيمته 25 مليون يورو.
وستشرف شركة "آدم سميث" الدولية على إدارة صندوق المساعدات الجديد، وآلية صرف المخصصات للمنظمات الإنسانية، والتوزيع للمحتاجين سيكون نقدياً بالاستناد إلى قوائم معدة مسبقاً من قبل الأمم المتحدة، مع تشكيل آلية موثوقة لوضع جداول جديدة للتوزيع، تضمن وصول المساعدات إلى محتاجيها، لتلافي أي ثغرات قد تكون موجودة في القوائم القديمة.
آلية عمل "إنصاف" وجدواها
انخرطت عدة جمعيات ومنظمات سورية في آلية "إنصاف"، منها مؤسسة "إحسان" للإغاثة والتنمية، كما تم انتخاب منظمة "بنفسج" لتمثيل المنظمات السورية في مجلس الإدارة، بحسب المدير التنفيذي للمنظمة، هشام ديراني.
من جهته أفاد مؤسس منظمة "بنفسج"، قتيبة سيد عيسى، بأن أربع دول عملت على إنشاء صندوق "إنصاف"، وهي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بقيادة شركة آدم سميث الدولية، مع وجود لجنة توجيهية من المنظمات السورية وبعض المنظمات الدولية.
وأكد "سيد عيسى" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الصندوق بدأ بالعمل، ووضِع فيه مبلغ يقدر بنحو 20 مليون دولار من قبل الدول المذكورة، وسيتم توزيع جزء منه على بعض المنظمات السورية، لتنفيذ مشاريع تشمل توزيع الأموال نقداً في المخيمات، إضافة إلى مشاريع أخرى في مجال التعليم وتشغيل المدارس.
ودعت الدول قرابة 12 منظمة سورية للتقدم للمنحة الأولى، ومن المتوقع أن تشمل المنح القادمة المزيد من المنظمات، ويؤكد "سيد عيسى" أن فكرة الصندوق نبعت من باب الضغط على روسيا، تحسباً لاستخدامها الفيتو لوقف آلية المساعدات عبر الحدود، مضيفاً أن الصندوق سيستمر بالعمل، حتى في حال تقرر تمديد التفويض الأممي لنقل المساعدات عبر "باب الهوى".
بدوره قال المدير التنفيذي لمؤسسة "إحسان" للإغاثة والتنمية، براء الصمودي، إنّ الآلية أنشئت لضمان استمرار تدفق التمويل والمساعدات إلى شمال غربي سوريا، مؤكداً أن "إحسان" ستعمل على أن تكون شريكاً في الصندوق، بهدف استمرار تقديم المساعدات والخدمات للمستفيدين في الشمال السوري.
هل تغني عن المساعدات الأممية؟
تتركز الاهتمامات في الوقت الحالي على تمديد التفويض الأممي لنقل المساعدات عبر الحدود، لكن في حال استخدمت روسيا الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل التمديد، هل يمكن أن تكون آلية "إنصاف" خياراً بديلاً يُغني عن الدعم الأممي؟
في معرض إجابته عن ذلك، أوضح "الصمودي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن آلية "إنصاف" يمكن أن تسهم في تخفيف التأثيرات الكارثية الناجمة عن وقف المساعدات الأممية بقرار روسي - في حال حدث ذلك - لكنها لن تكون بديلة بشكل كامل عن الآلية الأممية.
وفي حال توقف الدعم الأممي، يمكن أن يزيد الاستثمار في آلية "إنصاف" عبر ضخ التمويل اللازم وتأمين تدفق الأموال والمساعدات بما يكفي حاجة النازحين في شمال غربي سوريا، وفق "الصمودي".
في السياق ذاته، يرى عضو مجلس إدارة مؤسسة "المنتدى السوري" ياسر تبارة، أن آلية "إنصاف" يمكن أن تسهم نسبياً في تخفيف آثار الابتزاز الروسي في ملف المساعدات، لكنها لن تنهيه، ويمكن وصفها أنها واحدة من البدائل للآلية الأممية الخاضعة بدورها لابتزاز الروس.
ولا يعتقد "تبارة" أن آلية "إنصاف" يمكن أن تكون بديلة عن المساعدات الأممية، مشيراً في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن الدعم والمساعدات المقدمة من الأمم المتحدة كبيرة، ويصعب تعويضها، خاصة اللقاحات وفي المجال الطبي بشكل عام.
ويتفق مؤسس منظمة "بنفسج" مع ما سبق، إذ رأى أن آلية "إنصاف" غير كافية لتعويض المساعدات الأممية، وفي حال لم يُمدد التفويض الأممي بهذا الخصوص، يجب العمل بسرعة على زيادة عدد الدول المشاركة في آلية "إنصاف" ورفع قيمة التبرعات.
ولفت إلى أن صندوق "إنصاف" لا يملك الخبرة الكافية كونه حديث الإنشاء، ويحتاج إلى حوكمة وفترة طويلة لتزداد خبرته في مجال المساعدات، ليضاهي صندوق الأمم المتحدة المستمر بالعمل منذ عام 2014 والذي وصل إلى حالة حوكمة ممتازة نتيجة تراكم الخبرات.
خطر توقف المساعدات الأممية عبر الحدود يهدد قرابة 4 ملايين شخص في شمال غربي #سوريا
— تلفزيون سوريا (@syr_television) January 8, 2023
تقرير: إبراهيم سويد#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/fJr6swdell
تدمير للعمل الإنساني في سوريا
تحت عنوان "آلية إنصاف - تدمير جديد من المجتمع الدولي للعمل الإنساني في سوريا"، قال فريق "منسقو استجابة سوريا" في بيان له، إن عدة دول تحركت ضمن مجلس الأمن الدولي لدعم آلية جديدة لتمويل المساعدات الإنسانية تحت مسمى إنصاف، وهي أحد الخيارات التي طرحتها الدول في حال عدم التوصل إلى قرار جديد لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
ووفق الفريق سيتم التمويل على مرحلتين، الأولى بمبلغ أولي قدره 25 مليون يورو، على أن يتم رفع المبلغ خلال المرحلة الثانية إلى 200 مليون يورو، على عكس التمويل الأممي الذي بلغ قيمته 1.21 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من بداية العام الماضي وحتى 30 تشرين الأول 2022.
ثغرات في آلية "إنصاف"
استعرض "منسقو استجابة سوريا" عدة ملاحظات على آلية "إنصاف"، منها اعتماد الدول على شركة اقتصادية ليست ضمن المنظمات الإنسانية الدولية أو وكالات الأمم المتحدة، وليس لديها الخبرة اللازمة في إدارة العمليات الإنسانية، علماً أن الشركة عملت سابقاً في سوريا ولها العديد من الثغرات الأساسية بما فيها قضايا فساد ضخمة، بحسب الفريق.
ومن ضمن الملاحظات أن المبلغ المعلن عنه في حال إقرار الآلية الجديدة سيخصص لعدد محدود من المنظمات المتفق عليها وبالتالي تدمير عمل كثير من المنظمات الإنسانية الأخرى العاملة في المنطقة، كما سينتج عن الآلية الجديدة حالات فساد كثيرة واستغلال مباشر للعمليات الإنسانية في المنطقة، إضافة إلى أن الآلية الجديدة لن تكون بديلاً كافياً عن المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
وقال الفريق: "لوحظ ضمن المنظمات التي ستقدم المنح الحالية وجود منظمات لها شبهات فساد كبيرة وغير قادرة على إغلاق تلك الملفات منذ عدة سنوات وحتى الآن، وبالتالي فإن الدول المذكورة تقوم بتمويل مباشر لمنظمات من المفترض أن تخضع لرقابة شديدة في آلية توزيع الأموال وكيفية منحها".
وأشار إلى أن "التمويل الذي سيتم الإعلان عنه في حال التوافق على الآلية وحتى ضمن المرحلة الثانية من التمويل لن يكون قادراً على تمويل كافة القطاعات الإنسانية بشكل صحيح، مع ملاحظة أن الوكالات الدولية قد تكون أكثر كفاءة بإدارة بعض الملفات الإنسانية من المنظمات التي تقدم طلبات الحصول على التمويل".
وتثبت الآلية الجديدة عجز المجتمع الدولي أمام روسيا للحصول على قرار جديد لدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وهو - برأي الفريق - تمهيد مباشر لعدم تجديد الآلية العابرة للحدود خلال الفترة المقبلة، كما تثبت تهرب المجتمع الدولي والدول المانحة من عمليات التمويل التي أعلنت عنها في مختلف الاجتماعات ومن أبرزها مؤتمرات بروكسل.
شروط روسية لتجديد التفويض الأممي
طرحت روسيا في أروقة مجلس الأمن الدولي ثلاثة شروط للموافقة على تجديد التفويض الخاص بإدخال المساعدات عبر الحدود، وينص الشرط الأول على اشتراك روسيا في الرقابة على المساعدات التي تدخل من تركيا عبر معبر باب الهوى، والشرط الثاني يتمثل بتمويل دولي لإصلاح شبكة الكهرباء في مناطق سيطرة النظام السوري، وتخصيص مزيد من المشاريع لعمليات إعادة التعافي المبكر، والشرط الثالث، زيادة كمية المساعدات الداخلة عبر خطوط التماس بإشراف النظام.
وتشير منظمة الدفاع المدني السوري، إلى أن الوصول إلى المساعدات الإنسانية بكرامة ومن دون تسييس هو حق أساسي لا يجب أن يخضع للتفاوض الدوري في مجلس الأمن، الذي يجب أن تكون مهمته الأساسية التركيز على جهود الحل السياسي وحماية المدنيين وليس الانشغال بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وخاصة في ظل وجود إطار قانوني يعطي الأمم المتحدة الحق في إدخال المساعدات خارج مجلس الأمن.
عواقب وتبعات توقف الدعم الأممي
حذّر "منسقو الاستجابة" من التبعات الناجمة عن إغلاق معبر باب الهوى الحدودي أمام المساعدات، أو العمل على توسيع نطاق المساعدات عبر خطوط التماس، وهي:
- حرمان أكثر من 2.2 مليون نسمة من المساعدات الغذائية سواء عن طريق برنامج الأغذية العالمي WFP أو عن طريق المشاريع المنفصلة عن البرنامج.
- حرمان أكثر من 2.65 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب، وخاصةً مع التخفيضات الجديدة ضمن قطاع المياه من قبل المنظمات داخل مخيمات النازحين.
- انقطاع دعم مادة الخبز في أكثر من 725 مخيماً وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي، وخاصةً مع انقطاع مادة الخبز المدعوم منذ عدة أشهر عن بعض المخيمات وارتفاع أسعار مادة الخبز الحر.
- تقليص عدد المشافي والنقاط الطبية الفعالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى وأكثر من 80 في المئة ستغلق في المرحلة الثانية.
- انخفاض دعم المخيمات إلى نسبة أقل من 20 في المئة وعجز المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم لإصلاح الأضرار ضمن المخيمات.
- ارتفاع معدلات البطالة والبحث عن العمل خلال المرحلة الأولى بنسبة 42 في المئة والمرحلة الثانية بنسبة 23 في المئة، وتعتبر هذه النسبة مرتفعة مقارنة بإحصاء العام الماضي.
- ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية بنسب كبيرة نتيجة تزايد الطلب عليها، وعمليات الاحتكار التي من الممكن حدوثها وعدم كفاية واردات السوق المحلي.
- انخفاض ملحوظ بالموارد المتاحة ضمن الشمال السوري وعدم قدرة الموارد الحالية على تلبية احتياجات المنطقة، حيث لن تستطيع الحركة التجارية تأمين النقص الحاصل وخاصةً مع عدم قدرة عشرات الآلاف من المدنيين على تأمين احتياجاتهم اليومية، مع وصول أكثر من 88.02 في المئة من العائلات إلى خط الفقر ونحو 38.30 في المئة إلى مستويات الجوع.