تصرُّ روسيا على موقفها الرافض لتمديد إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، هذا العام، نظراً لتأزّم العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، خاصةً في ظل حربها على أوكرانيا، إذ ترغب موسكو باستخدام معبر باب الهوى الوحيد لدخول المساعدات، كـ"ورقة مساومة" في هذه الحرب.
هذا الرفض أكّده المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف في تصريح خاص لموقع لتلفزيون سوريا، عبر تهديده بوقف إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، مضيفاً أن دخولها على هذا النحو كان "خطوة مؤقتة".
وسبق أن هدّد مبعوث روسيا إلى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، أواخر شهر أيار الفائت، بوقف تمديد آلية نقل المساعدات عبر الحدود، الصيف المقبل، وهي آلية تتطّلب موافقة المجلس بالإجماع لتمديدها، كلّ عام.
وكانت روسيا قد ضغطت على مجلس الأمن واستصدرت قراراً، في 9 تموز 2021، لحصر دخول المساعدات الإنسانية من معبر "باب الهوى" فقط، بعد أن كانت تدخل من أربعة معابر: (باب السلامة باب الهوى الحدوديين مع تركيا، ومعبر اليعربية الحدودي مع العراق، ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن).
والآن، يعدّ معبر "باب الهوى" شريان الحياة الوحيد لما يُقارب 4 ملايين نسمة يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوريا، بينهم أكثر من مليون ونصف المليون نازح ومهجّر يعيشون في المخيمات على الحدود السوريّة التركية.
ما الحلول في حال إغلاق معبر "باب الهوى"؟
قال مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" محمد الحلاج لـ موقع تلفزيون سوريا في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "الخيارات أو الحلول تبدو قليلة في حال إصرار روسيا على إغلاق معبر باب الهوى، وهذه الحلول تقع على كاهل الدول الأعضاء في مجلس الأمن".
وذكر "الحلاج" أنّه من الحلول الممكنة:
- "أن تدعو أي دولة عضو في مجلس الأمن إلى اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة والتصويت على القرار الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود خارج نطاق مجلس الأمن، وبذلك يتم ضمان عدم استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو)".
- "عودة المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرة المعارضة السورية إلى ما قبل قرار التفويض الأممي (رقم 2165)، أي العمل خارج نطاق آلية التفويض".
وأشار إلى ضرورة فصل الملف الإنساني في القضية السورية عن الملف السياسي، وذلك عن طريق "تحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة إلى منظمات دولية غير حكومية، توزّع الدعم المقدّم إلى الجهات المحلية (منظمات المجتمع المدني، جمعيات،… إلخ).
اقرأ أيضاً.. دخول المساعدات عبر خطوط التماس تساهل واضح مع النظام وروسيا
ويرى "الحلاج" أيضاً أنّ "إنشاء صندوق للتمويل الإنساني خاص بسوريا بدلاً من صندوق التمويل الإنساني الخاص بالأمم المتحدة، قد يخفّف كثيراً من تبعات إغلاق معبر باب الهوى، إضافة إلى إنشاء كتل تنسيق رئيسية تشرف على توزيع هذا التمويل، بحيث تكون هذه الكتل موزعة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري".
خطط بديلة
يؤكّد الباحث الاقتصادي منير عبد العزيز لـ موقع تلفزيون سوريا أنه "في حال تمت الموافقة على إغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الإنسانية، فإن ذلك سيسبّب كارثة إنسانية كبيرة"، مردفاً: "يجب العمل على إيجاد خطط بديلة، ويمكن أن تكون على مستويين:
الأول: قصير المدى وهو الحلّ الإسعافي؛ من خلال العمل بين المنظمات العاملة في المنطقة والإدارات المحلّية لتنظيم المدّخرات وإعداد مخزون طوارئ يلبّي حاجات السكّان مدّة لا تقل عن ستة أشهر من المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية مما يعزز من صمود الأهالي.
الثاني: وهو المسار الاستراتيجي من خلال استثمار المنتجات الاستراتيجية التي تتميز بها منطقة شمال غربي سوريا مثل: الزيتون ومنتجاته والقمح والقطن والفستق الحلبي وغيرها من المنتجات الموسمية.
ويرى "عبد العزيز" أن المسار الثاني بجب أن يطبق على المستويات الآتية:
- مستوى الإدارات المحلية والحكومة المؤقتة: من خلال تنظيم العلاقات الخارجية مع تركيا ومناطق سيطرة النظام السوري لتأمين تصدير هذه المنتجات بأسعار عادلة وإدخال السلع والمواد التي تحتاجها المنطقة والتي لا يمكنها توفيرها.
- مستوى رجال الأعمال وأصحاب النفوذ المالي: والذين يشكلون رقماً مهماً في شمال غربي سوريا، من خلال ضخّ الأموال في الاستثمار الزراعي ودعم اليد العاملة والمشاريع.
- مستوى المنظمات الإنسانية: من خلال التركيز على التمويل التنموي والذي يعتمد على تمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مما يعزز من التمكين الاقتصادي للسكان.
عوائق تطبيق الحلول
لا يبدو تطبيق الحلول (طويلة الأمد أو الإسعافية) سهلاً، إذ يوجد الكثير من العقبات على المستوى الدولي والمحلي تعرقل هذه الإجراءات منها بحسب رأي "الحلاج"، أن "تطبيق هذه المقترحات يستغرق مدة زمنية طويلة، قد تمتد من ستة أشهر إلى سنة، وبالتالي حرمان مئات آلاف المدنيين من المساعدات الغذائية، وتفشي أكبر لفيروس كورونا وعدم القدرة على ضبطه".
ويضيف أن "هناك مخاوف متعلقة برفض المانحين الدوليين تحويل الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية خارج نطاق وكالات الأمم المتحدة إلى جهات أخرى، وبالتالي نقص التخصيص في كمية المساعدات".
لكن يبقى العامل الأهم الذي قد يمنع دخول أي مساعدات إنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية خارج إطار مجلس الأمن هو "الخوف من استهداف القوافل الإنسانية الداخلة إلى سوريا بعد انسحاب روسيا من آلية تحييد المنشآت والقوافل الإنسانية، خاصة في حال رُفعت يد الأمم المتحدة عن العملية الإنسانية".
عواقب كارثية
حذّرت منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوقية محلية ودولية من خطورة إغلاق روسيا لـ"معبر باب الهوى"، معتبرةً أن ذلك سيؤدي إلى "مجزرة جماعية"، ما دفع 32 من قادة المنظمات غير الحكومية، إلى دعوة الأمم المتحدة للإبقاء على المعبر، مدة 12 شهراً أخرى.
من جهته أصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" بياناً، شهر أيار الفائت، أكّد فيه أن "تبعات إغلاق معبر باب الهوى الحدودي وتوسيع إدخال المساعدات عبر خطوط التماس تؤدي إلى حرمان أكثر من 2 مليون نسمة المساعدات الغذائية، وحرمان أكثر من 2.65 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب، بالإضافة إلى انقطاع دعم مادة الخبز في أكثر من 650 مخيماً وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي، إضافة لتقليص عدد المشافي والنقاط الطبية".
كذلك أكدت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، في وقت سابق، أنه "في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية وإنسانية منذ بداية الصراع، يجب على المجتمع الدولي حماية المساعدات الحالية المنقذة للحياة عبر الحدود وزيادة تعهداته التمويلية لدعم هذه المساعدات".
انتهاء العمل بآلية المساعدات الإنسانية العابرة للحدود
بتاريخ 10 تموز 2022، ينتهي العمل بآلية دخول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا، والتي أقرها مجلس الأمن الدولي، العام الفائت.
وتقدّر الأمم المتحدة أن 14.6 مليون سوري يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية، وهو أعلى رقم سُجّل على الإطلاق، ويواجه 12 مليون شخص في جميع أرجاء سوريا الآن انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وهي زيادة مهولة بنسبة 51%، منذ 2019.