icon
التغطية الحية

"يوميات حصار" فيلم يكشف عن سر صمود الفلسطينيين في مخيم اليرموك

2022.01.25 | 13:41 دمشق

2014-02-26t120000z_734657402_gm1ea2q1mbf01_rtrmadp_3_syria-crisis-aid.jpeg
فيلم فلسطين الصغرى يوميات حصار لعبد الله الخطيب
ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ما سر صمود الشعب الفلسطيني؟

لقد تعرض ذلك الشعب، عقداً بعد عقد، للوحشية والسلب والنهب والبلطجة الوقحة على يد هؤلاء الذين لم يتعرض أي منهم للمحاسبة، ومع ذلك ما يزال لديهم من الوقاحة ما يشجعهم على لعب دور الضحية. تخيل نفسك فلسطينياً، كيف لك أن تفعل ذلك؟

حياة تحت الحصار

من أهم الأفلام التي تتحدث عن الحصار هنالك فيلم عبد الله الخطيب: فلسطين الصغرى (يوميات حصار) الذي يتحدث عن مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي يؤوي آلاف الفلسطينيين، لكنه تحول إلى ساحة معركة حقيقية خلال الثورة السورية وما أعقبها من فوضى.

 

MV5BZDI5M2Q1M2YtOThjNS00MWYwLWE1MmQtMTNhODhhNTVjMmUyXkEyXkFqcGdeQXVyNDA0MDAxNjI@._V1_FMjpg_UX1000_.jpg

 

يتعقب هذا الفيلم الوثائقي حياة الفلسطينيين العاديين تحت الحصار، مع اهتمام كبير بالتفاصيل، ولمسة يضفيها أحد أبناء هذا المخيم بوضوح فاقع.

وطوال هذا الفيلم، تحولت كاميرا المخرج إلى أحد سكان هذا المخيم الذين لا تظهرهم عدسة الكاميرا، حيث توجد تلك الشخصية في كل مكان دون أن تطولها عين أحد. من المستحيل أن نتخيل قدرة شخص آخر غير هذا المخرج وغير أحد سكان المخيم الذي أقام طوال حياته هناك، على وضع وتحريك الكاميرا بهذا الشكل، مع التقاط صور متكاملة للمشهد الذي نراه.

 

syria, yarmouk refugee camp, 2021, afp.jpg

 

لا توجد مواد كثيرة نشرت على الشابكة حول هذا الفيلم أو مخرجه، بل مجرد وصف قصير ورد ضمن موقع يقوم بمراجعة الأفلام وتقديم لمحة عنها، جاء فيه: "ما بين عامي 2011-2015 وثق الخطيب وأصدقاؤه الحياة اليومية للسكان المحاصرين الذين قرروا مواجهة القصف والنزوح والجوع بالمظاهرات والدراسة والموسيقا والحب والبهجة. تغيرت حياة مئات الأشخاص إلى الأبد بسبب الحرب والحصار، وأولهم والدة عبد الله التي تحولت إلى ممرضة صارت تعتني بكبار السن في المخيم، وصولاً إلى أشرس الناشطين الذين خبا عشقهم لفلسطين بالتدريج بسبب الجوع".

أما بالنسبة لمخرج الفيلم، فقد درس علم الاجتماع في جامعة دمشق وأصبح ناشطاً قبل الثورة السورية وذلك لدى وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مخيم اليرموك. واليوم أصبحت ميوله الشعرية التي تجلت في فيلمه أكثر أهمية بالنسبة له، إذ تحوم مجموعته الشعرية التي عنونها بـ قواعد الحصار الأربعين فوق فيلمه الوثائقي كما يفعل أي شبح يطوف بالجوار، إذ يقول: "عندما يمد المستقبل لسانه ساخراً/ وعندما تصبح أوضح الإجابات على تساؤلات بسيطة/ عزيزة كحفنة من السكر" عندئذ ندرك بأن ما وضعه الخطيب أمام كاميرته هو مزيج من الحقائق الواضحة والرؤى التحررية، التي بقيت خفية بالنسبة لمن يراقب حياة الفسطينيين من بعيد.

معاناة وبهجة

يحدث ذلك عندما يبدأ الواقع المرير الذي شهدناه بأم أعيننا بتقديم آمال ووعود بإقامة مدينة فاضلة لم تكن موجودة أصلاً. إن حقيقة حياة الفلسطينيين الذين رزحوا تحت ظل الحصار والاحتلال وسلب الممتلكات والنفي والفقر والعوز تبدأ بالتشكل لتتحول إلى شيء مجازي، وهكذا تتحول المعاناة البشرية إلى بهجة، والألم إلى ضحك، واليأس إلى سعادة، والتخلي والهجر إلى اهتمام حي.

لم يتردد الخطيب في إظهار المعاناة لنا، كما لم يتخيل أشياء غير موجودة، فكل ما أورده كان موجوداً هناك، غير أنه كان بحاجة لعين شاعر لتنقل معناه الحقيقي.

وهنا نعود إلى السؤال الذي طرحناه: كيف يعيش الفلسطينيون؟ وما سر صمودهم؟ وما الدرس الذي يمكن للعالم أن يتعلمه من خلال صمودهم؟ إننا لا نتحكم بالمصائب التي تنزل بنا، بدءاً من الجائحة العالمية وصولاً إلى الاستعمار الأوروبي، بيد أننا نتحكم بالطريقة التي نحول بها تلك الحقائق لتصبح تعبر عن عالم يتعين علينا أن نستعيده بإرادتنا.

إن الظروف التي تواصل في ظلها الخطيب مع العالم الخارجي كانت ملهمة بحد ذاتها، إذ ورد في مقالة نشرت في صحيفة غارديان عام 2015 بأنه: "خلال مقابلة أجريت عبر سكايب معه في منزله، كان الاتصال بالخطيب ينقطع كل نصف ساعة، ولكن كانت لديه خمسة أجهزة حاسوب محمولة، يقوم بشحن أحدها كل ليلة بواسطة جهاز لتوليد الكهرباء، بما أن الكهرباء مقطوعة دوماً. وتعود الحواسيب تلك لأصدقاء ناشطين قتلوا على يد تنظيم الدولة، حيث حاول أحدهم توثيق عملية الغزو بكاميرته ولذلك قتلوه".

تعيش مخيمات اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها الظروف ذاتها، وخاصة في غزة، ولكن لا بد للحياة أن تستمر، فهذا قدرها، كما يقول الخطيب في قاعدته الأولى من قواعد الحصار الأربعين: "ثمة علاقة مباشرة بين الحب والموت/ إذ كلما زاد عشقك للحب، يزيد خوفك من الموت/ وكلما زاد عشقك للموت، يزيد خوفك من الحب/ أما أنا، فخائف من الحب".

"بصيص من نور "

قدر من خلق شاعراً أن يرى الجمال في كل شيء، وهذا ما نقلته المقالة التي نشرت في غارديان والتي ورد فيها الآتي: "يتأمل عبد الله الخطيب رصاصة القناص التي اخترقت نافذة بيته القريب من مخيم اليرموك المحاصر، ويشعر بالامتنان لها، يا للغرابة! حيث يقول: "كان القناص راغباً بقتل أحدهم، إلا أن الفتحة سمحت لبصيص من النور أن يمر، فلكل شيء وجهان، وليس ثمة شيء لا يشتمل على جمال".

ولكن ما الموضوع الذي يتناوله ذلك الفيلم الوثائقي؟ ورد في إحدى المراجعات لذلك الفيلم ما يأتي: "لماذا يستهدف مخيم للاجئين بالحصار؟ لا يمكن تفسير ذلك بأي شكل من الأشكال بعد استبعاد التبرير المعروف الذي يقول بأن عناصر من تنظيم الدولة تسللت إليه. إلا أن هذا الفيلم الوثائقي لا يتحدث عن الحرب السورية، بل يصور حياة 160 ألف فقير تجمعوا ضمن مساحة لا تتجاوز الكيلومترين المربعين تشتمل على مبان سكنية متداعية دمرتها الحرب، في محاولة للبقاء بعد إمضاء عمر من محاولات البقاء بالرغم من كل المتناقضات".

ينبغي على المرء ألا يتحدث بطريقة رومانسية عن معاناة الفلسطينيين ولا أن يرش عليها رشة من السكر بفضل الشعر، وذلك لأن الشعر الفلسطيني، ابتداء من محمود درويش وانتهاء بعبد الله الخطيب ليس بجميل، وليس بجذاب، بل إنه واقعي، ولذلك نقف خائفين أمام جلال هذا الواقع.

ما حدث للفلسطينيين مروع ووحشي، والذين ارتكبوا ذلك بحقهم، وأصبحوا ينعمون بالانتصار فوق الخرائب والأطلال متوحشون بلا ريب. ولهذا لا يرش شعر الخطيب أو درويش السكّر فوق تلك البربرية والوحشية، بل يستسلم لإحساس بالتسامي يتماشى مع الواقع الذي يراه والحقيقة التي يتحدث عنها.

ولذلك فإن حالة الصمود تكمن في تحويل تلك الشذرات التي تصورها الكاميرات الرقمية إلى حقائق لا يختلف عليها اثنان.

 

المصدر: ميدل إيست آي