في الوقت الذي تتجه فيه القيادة السياسية في إسرائيل نحو التصعيد لمواجهة النووي الإيراني، الذي عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، المنتهية ولايته، نفتالي بينيت، بخطة "ضرب رأس الأخطبوط"، يظهر تيار آخر يقوده العسكر الإسرائيلي يفضل وجود اتفاق نووي لكسب مزيد من الوقت للاستعداد للخيار العسكري.
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في مقال تحليل مطول نشرته اليوم الجمعة، إن مسؤولين كبار في الجهاز الأمني الإسرائيلي يؤيدون التوصل إلى اتفاق نووي بين طهران والقوى العظمى، وذلك خلافاً للسياسة الإسرائيلية الرسمية التي عبرت مراراً وتكراراً عن رفضها لمساعي العودة إلى الاتفاق المبرم في 2015.
وأضافت الصحيفة، أن مسؤولين أمنيين، رفيعي المستوى، يرون أن التوصل إلى اتفاق "سيئ" مرحلياً، أفضل من عدم وجود اتفاق، الأمر الذي يتيح شراء الوقت وإعداد خيار عسكري موثوق لضرب إيران.
وتشمل قائمة المسؤولين رئيس شعبة المخابرات اللواء أهارون حليوة ورئيس قسم الأبحاث العميد عاميت ساعر ورئيس القسم الاستراتيجي العميد أورن سيتر، إضافة رئيس الدائرة الثالثة (دائرة إيران) اللواء طال كالمان.
وتقدر شعبة المخابرات الإسرائيلية أن وزير الدفاع بيني غانتس يتفهم هذا التوجه لأنه الخيار الأقل سوءاً بالنسبة لإسرائيل.
العسكر لا يدعمون الخيار العسكري حالياً
تعتمد الرؤية الأمنية الإسرائيلية على أن الطريقة الأمثل للجم إيران وإعادتها إلى الطاولة للوصول إلى اتفاق ناجح، بالاعتماد على ممارسة ضغط دولي حقيقي وخيار عسكري موثوق وضغط داخلي من المدنيين من باب غلاء المعيشة.
بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية، في مواجهة إيران يجب التفريق بين مشروع طهران النووي والتوسعي في المنطقة وبين مخططاتها للمساس بأمن إسرائيل، وذلك في أعقاب تقارير تحدثت عن نجاح تركي إسرائيلي في إحباط عمليات انتقامية إيرانية في إسطنبول ضد مصالح إسرائيلية.
ويرى الجهاز الأمني، بأنه ليس من مصلحة إسرائيل مواجهة النووي الإيراني لأنه بات أكثر تعقيداً لا سيما وأن إيران باتت أكثر تقدماً من قبل في إنتاج المواد الانشطارية.
كانت إسرائيل ترفض منذ البداية الاتفاق النووي الإيراني، الموقع في عام 2015، لكن التقديرات العسكرية الحالية تشير إلى أن انهياره أدى إلى وصول إيران إلى دولة "عتبة نووية".
ويؤيد العسكر الإسرائيلي استمرار الضربات الإسرائيلية، المعروفة باسم "المعركة بين الحروب"، ولا يؤيد التصعيد غير المضبوط.
ضرب رأس الأخطبوط
في 7 من حزيران/يوينو الحالي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المنتهية ولايته، نفتالي بينيت، أن بلاده خلال العام الأخير غيرت استراتيجيتها تجاه إيران بالانتقال إلى ضرب العمق الإيراني وليس فقط أذرع طهران في المنطقة.
أطلق بينيت على الخطة اسم "ضرب رأس الأخطبوط" أي الانتقال إلى مرحلة تصعيدية متقدمة وضرب أهداف بالصف الأول وليس فقط المصالح الإيرانية.
انتقدت المؤسسة العسكرية تصريحات بينيت واعتبرته تدخلا من قبل السياسيين بقضايا تمس الأمن القومي، وفق العديد من التقارير الإسرائيلية، لا سيما في ظل وجود تهديدات أمنية "ملموسة" من قبل الحرس الثوري للسياح الإسرائيليين في إسطنبول.
وشهدت إيران الشهر الماضي عدداً من عمليات الاغتيال "الغامضة" طالت قياديين في الحرس الثوري، من أبرزهم العقيد حسن صياد خدايي، الأحد 22 أيار/مايو الماضي.
تبع اغتيال خدايي مقتل قيادي في "الوحدة 840" التابعة للحرس الثوري، إسماعيل زاده، تقول طهران إنه "انتحر"، في حين تقول المعارضة إن زاده تمت تصفيته لتورطه باغتيال خدايي.
وفي 31 أيار/مايو الماضي، قالت تقارير إعلامية إن الخبير الإيراني في مجال صناعة الصواريخ والفضاء، أيوب انتظاري، توفي بحالة "تسمم".
ويأتي تقديرات الموقف الإسرائيلي بالتزامن مع كشف السلطات التركية إحباط عملية انتقامية ضد سياح إسرائيليين في تركيا.
إحباط عملية للحرس الثوري في إسطنبول
ذكرت وسائل إعلام تركية، أمس الخميس، أن المخابرات التركية والشرطة المحلية ضبطت خلية اغتيال إيرانية في إسطنبول، يوم الجمعة الماضي، تضم ثمانية مشتبه بهم، بينهم مواطنون إيرانيون ومتعاونون محليون، في فندق سول (The Soul Hotel) في منطقة تقسيم المشهورة وثلاث شقق مستأجرة أخرى في المنطقة.
وقالت وكالة "إخلاص" التركية الخاصة، إن الخلية كانت تجهز لتنفيذ هجوم على بعض الإسرائيليين في تركيا، موضحة أن الهجوم أُحبط في مرحلة التخطيط.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فإن عناصر مخابرات الحرس الثوري انتحلوا شخصيات طلابية ورجال أعمال وسائحين لاستهداف سياح إسرائيليين أو خطف دبلوماسيين إسرائيليين في إسطنبول.
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن الموساد تمكن من تحديد الإسرائيليين الذين كان من المفترض أن يكونوا هدفا للهجوم، وقام بتهريبهم إلى إسرائيل في طائرات خاصة.
وأضافت من الأهداف الإيرانية كان السفير الإسرائيلي السابق وزوجته اللذان كانا يقيمان في فندق بمنطقة بياولو (تقسيم) في المدينة.
إسرائيل والاتفاق النووي الإيراني
تقود إسرائيل "رأس الحربة" لمواجهة النووي الإيراني لمنع العودة إلى الاتفاق القديم على الرغم من أنها ليست طرفاً في طاولة المفاوضات.
ومنذ نيسان/أبريل من العام الماضي، انطلقت مفاوضات غير مباشرة في فيينا بين واشنطن وطهران لإحياء اتفاق عام 2015.
ينص الاتفاق، الموقع في 14 من تموز/يونيو 2015 بين طهران ومجموعة خمسة زائد واحد (القوى العظمى)، على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل تفكيكها لبرنامجها النووي.
في أيار/مايو 2018 انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق المذكور وعلى إثره تخلت طهران عن التزاماتها به، وتقول وكالة الطاقة الذرية وتقارير إسرائيلية وغربية إن إيران أحرزت تقدماً وباتت دولة "عتبة نووية".
ومع تسلم جو بايدن الرئاسة في البيت الأبيض، انخرطت واشنطن وطهران، منذ نيسان/أبريل العام الماضي، في مفاوضات غير مباشرة، في العاصمة النمساوية فيينا، برعاية الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق المنهار.
وكانت مباحثات فيينا شهدت انتعاشاً وساد جو من التفاؤل قبل أربعة أشهر بخصوص التوصل إلى تسوية، إلا أن معظم التقارير تشير إلى وصول الأطراف المشاركة إلى حائط مسدود، في ظل الحديث عن رفض واشنطن لطلب إيراني بشطب "الحرس الثوري" من قائمة المنظمات الإرهابية، فضلاً عن الأجواء الدولية المتوترة بسبب الحرب في أوكرانيا.