icon
التغطية الحية

هل تقترب وسائل التواصل الاجتماعي من الاستيلاء على عرش التلفزيون؟

2024.10.04 | 17:05 دمشق

مشاهدة الفيديوهات عبر يوتيوب (صورة تعبيرية)- المصدر: الإنترنت
مشاهدة الفيديوهات عبر يوتيوب (صورة تعبيرية)- المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عرضت جائزة قدرها خمسة ملايين دولار على المتنافسين في مسابقة "ألعاب بيست"، وهي عبارة عن برنامج للعبة جديدة أقامته منصة برايم فيديو التابعة لشركة أمازون، بيد أن بعض المشاركين بدل أن يحصلوا على الجائزة تعرضوا لإصابات جسدية، وأذى نفسي ومضايقات جنسية بحسب ما ورد في شكوى رفعت أمام محكمة بلوس أنجلوس يوم 16 أيلول. لكن أمازون وصانع البرنامج واسمه جيمي دونالدسون، وهو مؤثر على يوتيوب عمره 26 عاماً ويعرف باسم مستربيست لم يعلقا على الدعوى، بل إن هذا الفشل طمأن بعض المتنفذين في هوليوود بأنهم لم يعد لديهم من يخشونه في شركات التواصل الاجتماعي المتغطرسة.

من أين أتت كل هذه الثقة؟

ظاهرياً، يواجه نجوم وسائل التواصل الاجتماعي صعوبة في اقتحام وسائل الإعلام التقليدية، ولم يكن الوحيد الذي تعثر في هذا المضمار مستر بيست الذي لديه 317 مليون متابع ويدير أكبر قناة على يوتيوب، بل إن رايان كاجي وهو مؤثر على يوتيوب عمره 12 عاماً عانى من ذلك أيضاً عندما أطلق فيلماً روائياً خلال الشهر الماضي فلم يحضره أحد في صالات العرض، وكذلك الأمر بالنسبة لبرنامج الواقع الذي أطلقته ديزني عن أسرة داميليو التي تظهر على تيك توك والذي ألغي عرضه في شهر حزيران. أما مقدمو البرامج التلفزيونية من أمثال تاكر كارلسون الذي ظهر في برنامج مخصص لمنصة إكس، فلم يتبنَّ وسائل التواصل الاجتماعي إلا بعد خروجه عن النمط الإعلامي السائد.

يوتيوب "هوليوود الجديدة"

ولكن في معركة السعي لتحصيل أكبر عدد من المشاهدات ومن أموال الإعلانات، يتفوق الهواة على المحترفين في هذه اللعبة بما أنها لعبتهم هم. إذ أصبح الأميركيون اليوم يمضون وقتاً أطول في مشاهدة يوتيوب على أجهزة التلفاز في بيوتهم مقارنة بالوقت الذي يمضونه وهم يتابعون أي مصدر آخر للمحتوى، وذلك بحسب إحصائيات شركة نيلسين للبيانات. أما عالمياً، فيتابع نحو 2.5 مليار نسمة منصة يوتيوب شهرياً، وعندما تباهى بهذا الأمر نيل موهان، المدير التنفيذي ليوتيوب ووصف منصته بأنها تحولت إلى هوليوود الجديدة في شهر أيار الماضي، سخر بعض الناس في هوليوود منه، ولكن القائمين على الإعلانات سمعوا له وشرعوا في ضخ ميزانيات تعادل ميزانيات محطات تلفزيونية على يوتيوب. وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي امتزجت مع التلفزيون، فقد دخل سوق كل منهما الذي كان متمايزاً عن غيره في السابق ضمن منافسة حامية الوطيس.

صحيح أن الهوة بين الفيديو الذي ينتجه المستخدمون والذي يقدمه التلفزيون أمر واقع لكن هذه الهوة أصبحت أضيق، ويعلق على ذلك جوردان شوارزينبيرغر، مدير مجموعة سيديمان التي تضم سبعة مؤثرين بريطانيين على يوتيوب، ولديها أكثر من 100 مليون مشتركاً، فيقول: "إن المسألة أكبر من مجرد تصوير مجموعة من الشبان لفيلم في غرفة نومهم"، ولدى هذه المجموعة 40 موظفاً بينهم مصممو مناظر وفنانون متخصصون في مجال اختيار وتحديد الصور المصغرة الخاصة بالأفلام، ولديهم استديو في هوكستون، بيد أن فيديوهاتهم الأسبوعية التي تمتد لساعة أو ساعتين تحتاج لميزانية إنتاجية مؤلفة من ستة أرقام، في حين تكلف رحلة تصور على مدار ثلاث حلقات في أميركا ملايين الدولارات، برأي شوارزينبيرغر. بيد أن أكبر دخل تحصله هذه المجموعة هو نسبة تعادل 55% من عائدات الإعلانات التي تقدمها منصة يوتيوب لصناع المحتوى الذين يتجاوزون عتبة الشعبية إلى الشهرة. ومثلما يفعل مستربيست، تحاول مجموعة سيديمان استكشاف مجالات أخرى من بينها سلسلة مطاعم وعلامة تجارية لمشروب الفودكا.

الاحترافية هي المعيار الحاسم

ليس لدى أغلب المؤثرين على يوتيوب ذلك الأساس المعقد، بيد أن الاحترافية أصبحت رائجة بينهم، إذ في بريطانيا وحدها هنالك أكثر من 15 ألف صانع محتوى أصبح لديهم موظفون يعملون على قناتهم عبر يوتيوب، كما تعمل التقانة على رفع مستوى جودة الإنتاج وزيادتها، وعن ذلك تقول ماري إيلين كوي وهي رئيسة قسم المشاريع التجارية لدى يوتيوب: "أصبحت الأدوات أكثر تطوراً بكثير، فانطمست الحدود الفاصلة بين ما أسميه محتوى مستقلاً وبين المحتوى المصنوع في الاستديو"، أما المعدات مثل كاميرات 4k والبرمجيات التي تقدم مؤثرات خاصة فقد أصبحت أرخص، إذ أصبحت المسيرات تحل محل المروحيات، والذكاء الصناعي بات يعدنا بفتح مزيد من الميزات الاحترافية، فهنالك أداة للدبلجة تعرف باسم Aloud وتعمل بالذكاء الصناعي أطلقتها يوتيوب لتسمح لصناع المحتوى بالتنقل بين اللغات من الإنكليزية إلى الإسبانية فالبرتغالية.

وفي هذه الأثناء، يبدو أن الجمهور قد توجه نحو وسائل التواصل الاجتماعي بفضل البرمجة التي اعتادوا عليها مع التلفاز، ففي تقرير استقصائي عن الفيديوهات التي ظهرت على صفحة "الأكثر رواجاً في المملكة المتحدة" على منصة يوتيوب وحللتها شركة Enders Analysis للأبحاث، تبين بأن نحو 60% من المشاهدات كانت لأنواع مرتبطة بالأنواع التقليدية التي يقدمها التلفزيون، مثل الدراما والرياضة. كما أصبحت الفيديوهات أطول، وهذا ما شمل ثلث الفيديوهات في المملكة المتحدة، وأصبحت الصفحة الرائجة اليوم يتراوح توقيتها ما بين 20-60 دقيقة، أي أنها تقترب من مدة الحلقة التلفزيونية، مقارنة بعشر تلك المدة في عام 2020. وفي الوقت الذي أخذت فيه المحطات التلفزيونية بزيادة فترات بثها حسب الطلب، مع تقديم خدمات لمواكبة الأمور مثل خدمة iPlayer التي تقدمها البي بي سي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي خطية بصورة أكبر، إذ أصبح البث الحي ثالث أكثر نوع شيوعاً من الفيديوهات الموجودة على الشبكة العنكبوتية (وذلك بعد الموسيقى والكوميديا) ويشاهده 82% من مستخدمي الإنترنت، وذلك بحسب تقرير عملت عليه شركتا Kepios وgwi البحثيتان.

الطبيعة والوحش

قد لا تبدو وسائل التواصل الاجتماعي شبيهة بمنافستها هوليوود كونها تقتصر على الحواسيب والهواتف الذكية، لكنها أصبحت تجتاح غرف المعيشة في البيوت، وذلك لأن 45% تقريباً من مشاهدات يوتيوب في أميركا تتم عبر شاشات التلفاز بحسب تقرير نشره موقع Information الإخباري خلال العام الماضي. وأعلنت يوتيوب بأنه من بين أعلى 100 قناة مشاهدة على مستوى العالم، هنالك أكثر من 40 قناة تعتبر شاشة التلفاز هي الوسيلة الأساسية المعتمدة للمشاهدة. في حين تحاول منصات أخرى للتواصل الاجتماعي الاستعانة بالحيلة نفسها، ولهذا أطلقت تيك توك تطبيقاً للتلفاز في عام 2021 (والذي لم ينجح بسبب الفيديوهات العمودية للتيك توك)، كما أطلقت منصة إكس تطبيقها هي أيضاً في الثالث من أيلول الماضي، وردت هوليوود على ذلك بغزو مضاد للهواتف النقالة، وخاصة في الدول التي يندر فيها اتصال التلفاز بالشبكة العنكبوتية. إذ من بين نصف مليار هندي يتابعون فيديوهات البث المباشر، ذكر 81% بأنهم يتابعون تلك الفيديوهات عبر هواتفهم الذكية بحسب ما أعلنته شركة أورماكس ميديا البحثية، كما أطلقت منصات مثل نتفليكس وديزني بلس مشاريع ومخططات مخصصة للهواتف النقالة فحسب في الأسواق النامية.

بوجود محتوى مشابه يبث عبر الأجهزة نفسها، لا عجب أن يحدث تداخل أكبر بين المشاريع الإعلامية القديمة والحديثة. فمعظم عائدات يوتيوب خلال العام الماضي أتت من مبيعات الإعلانات التي وصلت قيمتها إلى 32 مليار دولار. كما أنها باعت أيضاً اشتراكات من دون إعلانات بقيمة 13.99 دولاراً بالشهر، وفي شهر شباط الماضي، أعلنت الشركة بأن عدد مشتركيها تجاوز المئة مليون، أي أنها تفوقت على كثير من المنصات التابعة لهوليوود.

وفي الوقت عينه، أخذت منصات تعتمد على الاشتراكات منذ بداياتها بالتوجه نحو الإعلانات، فقد أطلقت منصتا نتفليكس وديزني بلس اشتراكات مدعومة إعلانياً في أواخر عام 2022، ولحقت بهما شركة أمازون في مطلع هذا العام. وبذلك أصبحت الإعلانات تمثل جزءاً صغيراً من تلك المشاريع التجارية، وعلى الرغم من أن نصف الأعضاء الجدد لدى نيتفليكس يسجلون الدخول إلى المنصة عبر الاشتراك المدعوم إعلانياً، إلا أنه اعتباراً من شهر أيار، أصبحت إعلانات هذه المنصة لا تصل إلا لنحو 40 مليوناً من المشاهدين شهرياً، أي ما يعادل أقل من 2% من العدد الذي تصل إليه منصة يوتيوب. في حين أحدثت أمازون ضجة أكبر، عندما فرضت مشاهدة إعلاناتها على جميع المشتركين البالغ عددهم 160 مليوناً أو يزيدون ممن يشاهدون منصة برايم فيديو، وهذا في حال عدم دفعهم لرسم إضافي يمنع ظهور تلك الإعلانات. كما تعتبر أمازون المنصة الوحيدة التي بوسعها أن تنافس يوتيوب من حيث الخبرة في مجال تقانة الإعلانات وعمق بيانات العملاء، والتي تنافس بها أيضاً الشركة الأم ليوتيوب، أي جوجل.

هذا ولقد احتدمت المعركة على المشاهدين وعلى الإعلانات، إذ مع تراجع البث التلفزيوني، صار المعلنون عبر الفيديوهات يبحثون عن منصة جديدة، وذلك لأن الإعلانات التلفزيونية شكلت ثلث ما ينفق على الإعلانات في أميركا وذلك في عام 2019، ولكن في هذا العام لم تمثل تلك الإعلانات سوى خُمس ما ينفق على جميع الإعلانات، وذلك بحسب شركة MoffettNathanson للتحليل. ومايزال كثير من المعلنين يرون في وسائل التواصل الاجتماعي قناة مختلفة عن التلفزيون التقليدي، إذ تقول ياسمين إينبيرغ من شركة إيماركيتير البحثية: "إن نسبة الارتياح للتلفاز جعلته الوسيلة المهيمنة على مدى سنين طويلة، والعملاء لا يهمهم أين يشاهدون الفيديوهات، في حين أن المسوقين لم يدركوا بعد ذلك".

كلما زادت قدرة منصات مثل يوتيوب على تسليط الضوء على محتواها الشبيه بالمحتوى الذي تقدمه المحطات التلفزيونية، بات من الأسهل عليها أن تستقطب الأموال التي تدفع على الإعلانات التي تظهر عبر التلفاز. ولكن هذا المستوى من الاحترافية له ثمنه، إذ خلال السنوات الثلاث الماضية، دفعت يوتيوب وسطياً 23 مليار دولار في السنة لصناع المحتوى والشركات الإعلامية، أي أكثر من مبلغ 15 مليار دولار والذي من المتوقع لمنصة نتفليكس أن تدفعه خلال هذا العام على برامجها وأفلامها. وفي الوقت الذي تكون فيه نفقات المحتوى الذي تقدمه استديوهات هوليوود ثابتة، يشير نمط المشاركة في الأرباح الذي تعتمده يوتيوب إلى ارتفاع تكاليف هذه المنصة بشكل كبير بالتوازي مع زيادة عائدات إعلاناتها. ففي بريطانيا مثلاً، ارتفع عدد قنوات يوتيوب التي تحقق ربحاً يزيد عن 10 آلاف دولار سنوياً بنسبة 30% خلال السنة الماضية بحسب رأي الشركة. ومع اقتراب جودة محتوى منصات التواصل الاجتماعي من الجودة التي تقدمها هوليوود، أصبحت تلك المنصات تدفع تكاليف أكبر هي أيضاً.

 

المصدر: The Economist