هل تتجه أنقرة إلى بريكس بعد انضمام حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط؟

2023.09.04 | 06:18 دمشق

هل تتجه أنقرة إلى بريكس بعد انضمام حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط؟
+A
حجم الخط
-A

مما لا شك فيه أن انضمام كبار حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة لمجموعة بريكس هو اقتراب في غاية الأهمية من المدار الاستراتيجي من الصين وروسيا، مما يجعل من الجغرافيا السياسية في المنطقة أكثر تعقيداً، وهذا كله بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التي قلبت كثيرا من المعطيات رأساً على عقب.

انضمام هذه الدول الثلاث يمكن تفسيرها على أنها خطوة نحو تعزيز مكانتها كقوى متوسطة الحجم في التكتل الاقتصادي العالمي، مع اختلاف التموضع الجيوسياسي لكل منها، وفي الوقت نفسه هو تجنب الانحياز التام لأي طرف بعد ازدياد الانقسام الواضح بين بكين وواشنطن، فالعلاقات التحالفية مع الأخيرة ما زالت قائمة من قبل هذه الدول الثلاث ولكن فكرة أن العالم سيكون متعدد الأقطاب وإن كانت بعد عقد أو ربما عقود من الزمن، إلا أن الاستعدادات لها قائمة منذ إنشاء بريكس، ورغم إعلان دول هذه المجموعة عن رغبتها في شراء الطاقة بعملات أخرى إلا أن نظام البترودلار ما زال قائماً وقويا والانفكاك عنه حالياً شبه مستحيل، لكن مع تراجع الهيمنة الأميركية نوعا ما في العالم سيتبعه تراجع في الدولار، وخاصة أن هذه الدول العربية الثلاث مصدرة للطاقة (مصر مصدرة للغاز) وتقع على خط التجارة العالمي وخاصة مصر التي تمتلك قناة السويس وهي إحدى طرق النقل الرئيسية في العالم، ويتم نقل 10 بالمئة من شحنات النفط العالمية وغيره من السلع نحو طرفي العالم، علاوة على تخوف دول القارة الإفريقية من تزايد أزمة الحبوب والانكماش الاقتصادي ولذلك سعت مصر والجزائر نحو بريكس فنجحت الأولى ولم تُقبل الثانية. 

إن العقبات أمام تركيا كثيرة فهي عضو مؤسس في الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وهي بوابة الدفاع القوية والأولى لأوروبا في الجهة الشرقية، والقوة البحرية الوحيدة المنافسة للروس في البحر الأسود

تركيا التي تعاني من وضع اقتصادي متردٍ وعلاقات بين مد وجزر وشد وجذب مع الولايات المتحدة الأميركية وتزايد الخلاف معها ابتداءً من الملف السوري ووصولاً للحرب الروسية الأوكرانية تبدو أوضاعها أشبه بتلك الدول التي انضمت إلى مجموعة بريكس، فالتخوفات لدى تركيا نفس التخوفات لدى تلك الدول وحتى الطموح في إنشاء تبادل تجاري بالعملات المحلية كانت قد طرحته قبلاً تركيا مع الصين وروسيا ومؤخراً طلب أنقرة بالانضمام لمنظمة شنغاهاي بعضوية كاملة يدل على أن تركيا لا تريد أن تكون تحت العباءة الأميركية مئة بالمئة، وأنها تريد الخروج اقتصادياً من ظل هيمنة الدولار عليها  وأن ما تمتلكه من موقعها الجغرافي المهم وقنوات مائية مهمة (البوسفور والدردنيل) يجعل فكرة انضمامها نحو بريكس قائمة ومطلوبة من تلك الدول (للأهمية الاستراتيجية)، وما يحدث من تقلبات في الأسواق المالية المحلية منها والعالمية وتأثيراتها على الاقتصاد التركي يزيد من احتمالية التفكير في الانضمام نحو بريكس، ولا يمكن هنا عزل تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على تركيا في فكرة هذا الانضمام، ولكن يمكن القول إن العقبات أمام تركيا كثيرة فهي عضو مؤسس في الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وهي بوابة الدفاع القوية والأولى لأوروبا في الجهة الشرقية، والقوة البحرية الوحيدة المنافسة للروس في البحر الأسود إضافة للعلاقات التجارية الضخمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي وهي الأكبر، علاوة على أن تركيا حليف عسكري للولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى علاقاتها القوية مع ألمانيا وبريطانيا اللتين تعتبران أن روسيا في هذه المرحلة أكبر تهديد أمني لهما.

الانضمام لمجموعة بريكس يوفر المرونة والفرصة للاعتماد بشكل أقل على الدولار إذا لزم الأمر، وهذا بحد ذاته هدف استراتيجي احتياطي لتلك الدول التي تمتلك رصيدا قويا من العملة الأجنبية فما بال تركيا التي تفتقر للعملات الأجنبية

يمكن لتركيا أن تناور في مسألة بريكس في حال فكرت بالانضمام لها كما فعلت في قضية صواريخ إس 400 للدفاعات الجوية، فهي بذلك أبقت باب التوازنات قائماً في علاقاتها مع واشنطن وموسكو وخاصة أن روسيا دولة جارة لها والاستثمارات الروسية لا تقل أهمية عن نظيراتها الأوروبية والعربية، وما تشهده دول الاتحاد الأوروبي من تراجع في النفوذ في إفريقيا وآسيا جنوبي العالم يفسح المجال لتركيا لدخول عالم المنافسة في أسواق الدول المستهلكة والمستوردة للبضائع كما هو الحال في الأسواق الإفريقية، رغم الانكماش الاقتصادي لتلك القارة والذي قدر 1.1 بالمئة إضافة إلى أن الانضمام لمجموعة بريكس يوفر المرونة والفرصة للاعتماد بشكل أقل على الدولار إذا لزم الأمر، وهذا بحد ذاته هدف استراتيجي احتياطي لتلك الدول التي تمتلك رصيدا قويا من العملة الأجنبية فما بال تركيا التي تفتقر للعملات الأجنبية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الآن وهناك عامل مغرٍ ثانٍ وهو أن ثلاث دول من هذه المجموعة دول نووية ومعظم أعضائها ينتمون إلى مجموعة G20.

الصعود التدريجي والثابت لمجموعة بريكس يدل بشكل واضح على أن هناك تحولا في دينامكيات القوة لدى النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، وأن هناك سيناريو عالميا يتجه رويداً نحو التعددية القطبية وعلى تركيا وغيرها من الدول أن تقرأ وتستعد لأي تغير محتمل في عالم الاقتصاد.