أطبقت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية حصارها على أكثر من 8 آلاف شخص يعيشون في مخيم الركبان جنوب شرقي سوريا، على المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، في سياق جهود النظام وروسيا وإيران للتضييق على السكان هناك، وإجبارهم على تسليم أنفسهم عبر العودة إلى مناطق نفوذ النظام، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية في المخيم، الواقع ضمن حدود انتشار "جيش سوريا الحرة" المدعوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وقبل أيام، تظاهر العشرات من قاطني مخيم الركبان عند الساتر الترابي على الحدود السورية الأردنية، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة، مطالبين بفك الحصار الذي يفرضه النظام السوري وخروجهم إلى مناطق شمالي سوريا، أو السماح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الأردن والعراق.
8 آلاف شخص محاصرون في الصحراء
قال رئيس المجلس المدني في مخيم الركبان، بسام عبدالله السليمان، إنّ عدد سكان المخيم يتجاوز ألفي عائلة (8000 نسمة)، مضيفاً أن قوات النظام والميليشيات الإيرانية شددت الحصار على المخيم منذ نحو 40 يوماً.
وأضاف السليمان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "الحالة الإنسانية كارثية في المخيم، إذ تم إعلان مخيم الركبان منطقة منكوبة، خاصة أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم".
وأردف: "لا يوجد أي شيئ من مقومات الحياة داخل المخيم، المحلات في الأسواق فارغة تماماً، لا يوجد مواد غذائية أو طبية، وذلك مع انقطاع الطريق المؤدي إلى مخيم الركبان بشكل كامل".
ووفق السليمان، فإن "الواقع داخل المخيم مأساوي، فلا يوجد أي مادة من المواد الأساسية، مثل الرز والبرغل والسكر والزيت وغيرها، فضلاً عن انقطاع مادة حليب الأطفال وأغلب الأدوية للمصابين بالأمراض المزمنة، وهناك مخاطر تواجه حياة الأطفال والنساء بسبب سوء الرعاية الصحية والصعوبات التي سبّبها الحصار".
"حظر أشكال الحياة"
من جهته، قال الناشط المدني في مخيم الركبان، محمود الشهاب، إنّ "مخيم الركبان يعدّ منطقة منكوبة تعيش تحت حصار أُطبق بشدة قبل أكثر من 40 يوماً، في هذه الظروف الصعبة، يتعين على المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية أن تتحرك بسرعة لتقديم المساعدة وتخفيف المعاناة التي يواجهها سكان المخيم".
وذكر الشهاب في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "الحصار الذي يعاني منه سكان مخيم الركبان ليس مجرد حظر على المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء، بل هو حظر شامل على الحركة والسفر، وهذا يعني أنه لا يمكن للنازحين العودة إلى مدنهم أو لأي شخص الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية".
ومن المؤكد، أن "هذه الظروف الصعبة تؤثر بشكل كبير على صحة وسلامة السكان، فالمواد الأساسية معدومة، مما يؤدي إلى نقص في الغذاء والماء والدواء، ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض، وعدم القدرة على الوصول للرعاية الطبية الضرورية".
ويشير الناشط، إلى أن "الحصار المفروض على المخيم ليس مجرد مشكلة داخلية للمخيم، بل هو جزء من نظام سياسي وعسكري يتسبب في تدهور الأوضاع وتفاقم المعاناة، لذلك، يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية أن تتحرك بسرعة لضمان حق السكان في الحياة الكريمة والسلمية".
وختم الشهاب حديثه بالقول: "يجب علينا أن نتذكر أن سكان مخيم الركبان ليسوا مجرد أعداد، بل هم بشر بحقوقهم ويستحقون الحماية والدعم، لذا يجب علينا جميعاً العمل معاً لضمان فك الحصار وتوفير المساعدة الضرورية لهؤلاء الناس، كما يجب لفت النظر لتقاعس التحالف الدولي الموجود في قاعدة التنف التي تبعد 20 كم عن مخيم الركبان".
حصار منذ سنوات للضغط على السكان
وبلغ عدد سكان المخيم في عام 2018 قرابة 45 ألف نسمة، معظمهم مهجرون من مدن وبلدات ريف حمص الشرقي، ويقول مرعي أبو محمود - ناشط مدني في مخيم الركبان - إنّ تشديد الحصار على مخيم الركبان بدأ في عام 2018، ويحدث تشديد للحصار أكثر فأكثر بين الحين والأخر للتضييق على الأهالي وإجبارهم على الخروج باتجاه مناطق سيطرة النظام تحت مسمى "العودة الطوعية"، وهذا الأمر محال أمام أهالي المخيم إلى حين تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وأفاد "أبو محمود" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن سكان مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية، يعيشون "أزمة إنسانية خطيرة من جراء الحصار المفروض على المخيم، والذي أدى إلى نقص حاد في الأدوية اللازمة لمرضى الأمراض المزمنة، فبسبب هذا الحصار، تنعدم الصيدليات في المخيم وتنفد الأدوية الحيوية التي يحتاجها مرضى السكري والضغط والقلب والصرع وغيرها من الأمراض المزمنة".
ولفت إلى أن "هذا الوضع المأساوي يعرّض حياة هؤلاء المرضى للخطر المباشر، كما أن المخيم مقبل على مجاعة وكارثة إنسانية في ظل الصمت الدولي، فكل العائلات تواجه صعوبات في الحصول على أبسط مقومات الحياة".
ما أدوات السكان لكسر الحصار؟
ووفقاً لـ"أبو محمود"، فإنهم دعوا من خلال ناشطين مدنيين وإعلاميين إلى مظاهرة داخل المخيم للمطالبة بفك الحصار، مع إنشاء غرفة تنسيقية على تطبيق "الواتس أب"، والتواصل مع عدة شخصيات في الخارج لإيصال ملف الركبان إلى اجتماع بروكسل، وإرسال رسائل للأمين العام للأمم المتحدة من خلال هيئة التفاوض السورية وناشطين سياسيين.
وأشار رئيس المجلس المدني في المخيم، إلى عقد عدة لقاءات مع قوات التحالف الدولي المتواجدة في قاعدة التنف، لنقل المعاناة والمطالبة بالضغط على قوات النظام لفتح الطريق وإدخال المواد الغذائية.
يضاف لذلك، التواصل مع عدة منظمات حقوقية من خلال الناشطين الذين يعملون بالتنسيق مع المجلس المدني، والاتصال مع هيئة التفاوض السورية للضغط السياسي على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
ما موقف التحالف وجيش سوريا الحرة؟
ورأى السليمان أن "موقف التحالف وجيش سوريا الحرة يتمثل بالتضامن المعنوي والتعاطف معنا، مع وعود بنقل أصواتنا إلى الخارج ولقيادة التحالف".
بهذا الخصوص، قال الناشط "أبو محمود": "موقف التحالف وجيش سوريا الحرة عاطفي ولا يتحرك ساكناً، قدّمنا لهم عدة ملفات وتقارير حول واقع المخيم والمعاناة التي يعيشها مخيم الركبان، وطالبناهم بالضغط على وزراة الخارجية الأميركية للموافقة على دخول منظمات حقوقية للعمل في المخيم".
جملة مطالب من بينها "ممر آمن"
وعن مطالب الأهالي، ذكر "أبو محمود" أنها تتمثل بإدخال مساعدات إنسانية وطبية وغذائية إلى الركبان، وتثبيت المخيم على قوائم الأمم المتحدة وتقديم الدعم لأمن وحماية المدنيين والاستقرار لحين تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.
وختم: "في حال لم يتم تلبية هذه المطالب، فإننا ندعو إلى فتح ممر أمن لنقلنا إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا".
واتفق "السليمان" مع هذه المطالب، حيث قال: "ندعو لتثبيت المخيم على قوائم الأمم المتحدة وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية بشكل دوري ومستمر لحين تنفيذ القرار (2254) الذي يضمن حق العودة بضمانات دولية، أو إدخال الأهالي إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وإن لم يتم الاستجابة لمطالبنا هذه، نطالب بفتح ممر آمن لنقلنا للمناطق المحررة".
مخيم الركبان
في عام 2014، وصل آلاف النازحين السوريين إلى منطقة الـ 55 جنوب شرقي سوريا، قادمين من مناطق مشتعلة في أرياف حمص ودير الزور - غالبيتهم من القريتين ومهين وتدمر- بغية دخول الأردن، ليجدوا أنفسهم عالقين في الصحراء، أمامهم حدود الأردن المُغلقة، وخلفهم شريط خوفٍ حدوده مناطق سيطرة النظام السوري.
نصب العالقون آنذاك خيماً، ظنّوا أنها مؤقتة، لينطلق بعدها عداد الأيام، ولتبدأ حاجات النازحين بالازدياد مع إعلان الأردن، منتصف 2016، حدوده مع سوريا والعراق منطقة عسكرية بعد تفجير تنظيم "الدولة" (داعش) سيارة ملغّمة في موقع للجيش الأردني أسفر عن مقتل 6 جنود وإصابة 14 آخرين.
يقع مخيم الركبان داخل المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، ضمن منطقة الـ 55 كيلو، التي تسيطر عليها قوات "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتضم قاعدة التنف العسكرية.
وقدّر عدد سكان المخيم في عام 2018 بنحو 45 ألف نازح، تضاءل عددهم خلال السنوات الماضية ليصل إلى نحو 8 آلاف نازح، وفق إحصائيات صادرة عن المجلس المدني داخل المخيم.
وتُعرف عن المخيم أوضاعه الإنسانية الصعبة، والحصار المحكم الذي يحيط به، خاصة بعد إغلاق المنفذ الواصل إلى الأردن بضغط روسي، وإغلاق طريق الضمير من قبل قوات النظام والشرطة الروسية، فضلاً عن إغلاق جميع المنافذ لإجبار النازحين على الخروج إلى مناطق سيطرة النظام.
وسبق أن دعت موسكو والنظام السوري، واشنطن في تصريحات إلى تفكيك المخيم، في حين اشترطت الأخيرة إجراء عملية إجلاء منظّم للنازحين بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم التوافق عليه حتى اليوم.
ووجّهت موسكو اتهامات لواشنطن بتبنيها "تفكيراً استعمارياً" حيال المخيم، وأنها "لا تهتم بالكارثة الإنسانية التي تسببت بها في المخيم"، في حين اعتبرت أنه "من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بالمخيم أكثر قدر ممكن من الوقت في التنف من أجل تبرير وجودهم غير القانوني في جنوبي سوريا".
بالمقابل، تبنّت واشنطن، بحسب تصريحات مسؤولين، رؤية الأمم المتحدة في سبيل إيجاد حل مستدام لأزمة الركبان وفقاً لمعايير الحماية، مع التأكيد على ضمان "مغادرة آمنة وطوعية للراغبين".