تعصف منذ شهور أزمة محروقات خانقة في سوريا، تسببت بشلل في عدد من القطاعات الخدمية أهمها منظومة الإسعاف والمواصلات والتعليم، ما أجبر النظام السوري على إعلان عطلة رسمية لعدة أيام، وإيقاف وسائل النقل العامة أيام العطل، ناهيك عن ارتفاع في أسعار العديد من السلع الغذائية وأهمها الفواكه والخضار بحجة ارتفاع تكاليف شحنها إلى الأسواق، وزيادة تكاليف الزراعة.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري أسامة قاضي أن أزمة المحروقات في سوريا هي أزمة مزمنة سببها إصرار النظام السوري على أدائه السياسي والاقتصادي والإداري الحالي.
النفط الإيراني لا يكفي حاجة السوريين
وأشار في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن اعتماد النظام على ناقلات النفط القادمة من إيران، والتي يقدر وصول ناقلة واحدة كل شهرين أو ثلاثة أشهر لا تكفي حاجة السوريين.
وأوضح قاضي أنه في أحسن الأحوال يصل من مليون إلى ثلاثة ملايين برميل كل ثلاثة أشهر من ناقلات النفط. وثلاثة ملايين برميل بالكاد تكفي سوريا شهرا واحدا، هذا إذا ما أخذنا الإحصائيات التي تقول إن ما يقارب من 8 إلى 10 ملايين شخص يعيشون في مناطق سيطرة النظام، فهذا يلزم 100 ألف برميل يومياً، أي 3 ملايين برميل شهرياً.
ولم ينفِ أسامة قاضي مسؤولية الولايات المتحدة عن هذا النقص في المحروقات في سوريا حيث قال إن أميركا تمنع العديد من ناقلات النفط الإيرانية من المرور عبر قناة سويس، حيث من بين كل ثلاث ناقلات تسمح لواحدة فقط بالمرور، وذلك بعد أن اتخذت إيران موقفا عدائيا ضد أوكرانيا، بعد تزويد روسيا بالمسيرات.
وأضاف أن الولايات المتحدة تسعى أيضاً إلى منع إيران من إدخال المشتقات النفطية عبر معبر البوكمال على الحدود مع العراق، ولا يجب أن ننسى أيضاً الضغط الذي يجري على النظام الإيراني بسبب الاحتجاجات المشتعلة هناك إضافةً إلى المساءلة عن الأموال التي تخرج من إيران من قبل الإيرانيين الذين يرون أن هذه الأموال يجب أن تستثمر في الداخل الإيراني.
واعتبر أن هذا النقص في عدد براميل النفط الواصلة إلى المرافئ السورية تسبب في أزمات واختناقات في مسألة النفط، وسط إصرار روسيا على ألا تزود النظام بالنفط أو القمح على الرغم من أنها المصدر الأول عالمياً لهذين المنتجين، بسبب عدم رضاها على أداء النظام الإداري.
وحول نقص المادة في الأسواق السورية أشار قاضي إلى أن قسماً من النفط الذي يصل إلى النظام يذهب مباشرةً إلى مؤسسته العسكرية، فضلاً عن وجود تجار حروب هم المسؤولون عن التوزيع والتسعير واحتكار المواد النفطية إن وجدت، وهذا كله يؤثر على توفر هذه المادة في الأسواق.
بقاء الأسد في الحكم يعمق الأزمات في سوريا
ويرى المحلل الاقتصادي مهند الرمدان خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن سبب أزمة المحروقات في سوريا يعود إلى بقاء نظام الأسد في الحكم والشلل الذي أصاب العملية السياسية، حيث يؤكد أن أزمة المحروقات، أو كارثة المحروقات، ستستمر حتى وإنْ تراجعت حدتها بعد أسابيع، ومعها ستتواصل أزمات الكهرباء والصحة والتعليم والجوع.. إلخ، وسيبقى الاتجاه العام لهذه الأزمات هو التعمق والتفاقم طالما بقي النظام السوري في موقعه وطالما بقي الحل السياسي معلّقاً.
ويضيف أن الخطير في المسألة أنّ "سوريا نفسها قد لا تبقى إنْ استمر الوضع على ما هو عليه، فما يلوح في الأفق ليس ثورة جياع فقط، بل عودة لإطلاق النار وعودة للحرب والدمار، وأكثر من ذلك، احتمالات جديدة للتقسيم والخراب".
ويضيف الرمدان أن "النظام يتذرع كالعادة بأنّ العقوبات هي السبب الجامع المانع، وهي التفسير الوحيد لكل المصائب التي يعيشها السوريون، ولكن إذا تحرينا الموضوعية في البحث عن أسباب الشلل الراهن، يمكننا أن نمر على مجموعة من العوامل الأكثر تأثيراً".
ويتابع: "لا شك فيه أنّ أزمات الطاقة على المستوى العالمي، وبترافقها مع المعارك العالمية الكبرى الدائرة، وفوقها العقوبات، قد جعلت من عمليات توريد المحروقات بمختلف أشكالها، أمراً أكثر صعوبة مما كان قبل غزو أوكرانيا. وهذا الأمر أسهم بلا شك في تعميق الأزمة. ولكنّ هذا وحده غير قادر على تفسير حقيقة ما يجري".
ووفقاً لرأيه فإن ما يلفت النظر في الوضع المستجد هو ثلاثة أمور على الأقل:
- أولاً: تصريحات مسؤولي النظام قبل نحو شهر بأنّ مصفاة بانياس ممتلئة عن آخرها، ولذا توقفت عن العمل.. أي أنّ هنالك مخزوناً مخبأً لم يجر استخدامه في تخفيف الأزمة، علماً أنه بالتأكيد لا يكفي لحلها.
- ثانياً: المستجد السياسي الأهم المتمثل بالعمل المكشوف الذي يقوم به النظام ضد الضغط الروسي باتجاه تسوية العلاقات مع تركيا، والذي ربما يفسر قيام الروس وحتى الإيرانيين باستخدام ورقة المحروقات التي يعطونها للنظام مجاناً بالمعنى العملي، لأنّ كل فكرة الخطوط الائتمانية تقوم على استجرار بضائع بالدين وصلت قيمتها خلال سنوات إلى مليارات الدولارات.
ويشير الرمدان إلى أن هناك إصراراً تركياً وروسياً على المضي في هذا المسار، ما يفتح الباب على التفكير بأسباب معاندة النظام، وبالمعنى الحقيقي للتسوية المقصودة وشروطها. فعلى السطح كل ما نسمعه محصور بحدود حصول أو عدم حصول لقاء بين بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولكن لا أحد يفصح عما هي الشروط الفعلية لمثل هكذا لقاء، والتي يبدو أنها لا تعجب النظام إطلاقاً.
- ثالثاً: قيام النظام بالسماح لشركة خاصة هي شركة BS التابعة للقاطرجي، أي التي يملكها عملياً بشار الأسد نفسه، بالدخول على خط توزيع المحروقات، وهو الخط الذي كان محصوراً بشركة سادكوب التي تعتبر شركة قطاع عام. أي أنّ عملية توزيع المحروقات قد بدأت خصخصتها لمصلحة الأسد، وبالأحرى بدأت عملية الاستيلاء الكامل عليها، أسوة بما جرى ويجري في معظم القطاعات الاقتصادية في سوريا. حتى إنّ البعض كان يطرح فرضية تقول إنّ هذه "الأزمة الراهنة"، بقسم منها على الأقل، هي أزمة مفتعلة وظيفتها تمرير موضوع الخصخصة هذا، والذي سيمثل واحدة من آخر خطوات عمليات رفع الدعم التي بدأت قبل الثورة بسنوات.
لم يبق للأسد سوى القاطرجي
يرى الخبير الاقتصادي أسامة قاضي أن نظام الأسد ووسط هذه الأزمة الخانقة للمحروقات لم يتبق له سوى شركة القاطرجي التي كانت تحصل على النفط عن طريق منطقة النفوذ الأميركي "قسد".
وأشار إلى أن أسماء الأسد زوجة رأس النظام بشار الأسد والمجموعة الجديدة التي خلفت مكانة رامي مخلوف من حيث منظومة الفساد، حجزت على أموال القاطرجي، وطالبته فيما بعد على أن يكون وكيلا لأعمالها في مسألة النفط، وهذا ما دفع إلى تأسيس شركة BS التي يملكها القاطرجي في لبنان، ومهمتها استلام نسبة من أرباح هذه العملية، والباقي يذهب إلى أسماء الأسد وزوجها بشار.
المحروقات في سوريا.. أزمة مزمنة
ويعتقد قاضي أنه حتى لو انفرجت هذه الأزمة الحالية لن تستمر إلا لفترة بسيطة، وأنها ستعود أكبر مما هي عليه الآن، لأن كل الحلول "المكياجية" عن طريق إيران وخطوط الائتمان وشراء نفط من "قسد" هي حلول مؤقتة جداً لحل أزمة خانقة، فمن دون حل سياسي حقيقي تتضمن صفقة سياسية حقيقية تؤسس لحكومة وطنية حقيقية لن تحل هذه الأزمات، وخصوصاً أن مكابرة النظام السوري هو الذي يزيد في عذابات الناس وتؤخر استحقاق قادم لا محالة.
يشاطر المحلل الاقتصادي مهند الرمدان قاضي بالرأي حول استمرار أزمة المحروقات في سوريا حيث يقول: "يجري وصف الوضع الراهن للمحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري بأنه "أزمة محروقات"، والحقيقة أنّ وصف "أزمة" في السياق السوري لا يكاد يعبر عن واقع الحال. فالمفترض بالأزمة أنها مرحلة استثنائية بطريقة ما، يسبقها ويتلوها مراحل من الاستقرار، وهو ما لا ينطبق بأي حال من الأحوال على الوضع السوري. إذ لم يمر وقت طوال السنوات الــ11 الماضية كان فيه وضع المحروقات مستقراً بالمعنى الكامل، طوال الوقت كان هنالك نقص، وطوال الوقت كانت الأسعار مرتفعة".
ويضيف أن الجديد خلال الشهرين الأخيرين هو أنّ المحروقات اختفت بشكل كامل تقريباً، ووصل "التقنين" إلى القطاعات الطبية والمواصلات والمدارس والمصانع وقطاع مؤسسات الدولة المختلفة. أي أنّ هنالك حالة شلل كامل تمر بها مناطق النظام، وتؤثر بطبيعة الحال على بقية المناطق السورية لأنها تعزز من عمليات التهريب عبر رفع أسعاره وأرباحه.