ما تزال ظاهرة شم الشعلة تنتشر بين الأطفال المشردين والمتسولين في سوريا، ومؤخراً تداول ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو من اللاذقية لأطفال يشمون الشعلة في الشوارع. المشهد في اللاذقية ليس غريباً عن باقي المحافظات السورية وخاصة في دمشق التي تعج بالمتسولين والمشردين.
بأكياس بلاستيكية أو عبوات مشروبات غازية فارغة يلتقطونها من القمامة، يقوم الأطفال المدمنون على إفراغ عبوات الشعلة من محتوياتها ثم ينفخون الكيس ويقومون باستنشاقه مراراً وتكراراً حتى ينتهي مفعول المادة، ليشعروا بالنشوة التي لا تستمر طويلاً وفقاً لأطباء، لكن تأثيرها المدمر للصحة قد يفضي إلى الموت.
ما هي الشعلة وما مكوناتها؟
"الشعلة" هي اسم علامة تجارية لمادة لاصقة صناعة محلية، تستخدم كلاصق سريع للجلود والفيبر والكاوتشوك والفلين والإسفنج والكرتون وغيرها من مواد، والشعلة مادة كيميائية قابلة للاشتعال، مكونة من مادة البولي كلوروبرين ربر (مصنفة كمادة خطرة من قبل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا)، إضافةً إلى مذيبات عضوية مثل التولوين ومواد مساعدة أخرى، التي يزيد استنشاقها من كيس بلاستيكي من خطر الاختناق.
يسبب التولوين أضراراً كبيرة على الجسم، وفقاً للمراجع الطبية، فقد يسبب متلازمة الأمراض الحسية والعضوية؛ واضطرابات الجهد البصري أو ضمور بصري، واعتلالا بالأعصاب والمخيخ، واضطرابات معرفية، وآفات دماغية، والرعاش. ويهدد شم الشعلة بتوقف مباشر للقلب، أو أذيات قلبية أخرى، إضافةً إلى أضرار في الرئتين والحنجرة.
الشعلة ترافق المتسولين والمشردين
كل تلك الأضرار قد لا تعني المتسولين والمشردين، الذين تعجز الحكومة في سوريا على وضع أساليب لإعادة تأهيل وضبط هؤلاء الأطفال المنتشرين بكثرة من دون أي رقابة.
في دمشق، عند حدائق المدفع، السبكي وجسر الرئيس، وشارع الثورة، والمرجة، إضافة إلى الأزقة الضيقة ليلاً، يتجمع المشردون لتعاطي الشعلة، وفقاً لمشاهدات أهالي من دمشق، وهذا لا يمنع تجولهم نهاراً وهم يتعاطون تلك المادة التي لا يدركون مدى خطورتها أو أنها ممنوعة بالفعل.
يتم شراء الشعلة بسهولة فهي لا تخضع لضوابط ولا لأي شروط في البيع، ويبدأ سعر العبوة 40 غراماً من 4 آلاف ليرة سورية، لكن الطفل وبحسب بعض من التقاهم الموقع، يحتاج إلى 3 -4 عبوات من الـ40 غراما أي ما بين 120-160 غراما على الأقل في الجرعة التي قد يستمر تعاطيها من دقائق إلى ساعة، ومفعول النشوة المرافق لا يستمر أكثر من ذلك.
ظاهرة شم الشعلة تعاود الانتشار في مناطق سيطرة النظام
— تلفزيون سوريا (@syr_television) January 22, 2023
تقرير: منى الرنتيسي#تلفزيون_سوريا #لم_الشمل pic.twitter.com/p8gbUn7VR3
من أين يشتري الأطفال الشعلة؟
ويقوم بعض الأطفال بشراء العبوات التي باتت مكلفة، ويقومون بالتناوب على شمها أو شفطها (سحب الهواء بالفم وليس الأنف)، وهذا ما قد يساعد على نقل أمراض أخرى بينهم.
الشعلة لم تعد مادة رخيصة للأطفال، لكن المشردين يتسولون في سبيل ذلك، بحسب صاحب أحد بسطات شارع الثورة، الذي قال إن "بيع الشعلة على البسطة غير ممنوع، لكني ألاحظ إقبال الأطفال عليها وخاصة بعد الساعة الخامسة مساءً عند انتهائهم من التسول".
وأضاف "أنا لا أبيعهم لأنني أعرف أنهم مدمنون، لكنْ هناك آخرون يبيعونهم"، مشيراً إلى أن عبوات الشعلة على البسطة تعرضت للسرقة مراراً من قبل الأطفال، لذلك يلجأ إلى إخفائها حالياً.
يؤكد صاحب البسطة أن المادة بالعبوات الصغيرة ليست متوفرة بكثرة في السوق، ومؤخراً توقف توزيعها نهائياً، ثم عادت لكن بكميات قليلة، وهذا زاد من سعرها وجعل الأطفال يجهدون في سبيل الحصول عليها.
في 2019، كشفت رئيسة دائرة المخدرات بوزارة الصحة التابعة للنظام ماجدة حمصي عن تقارير حول انتشار تعاطي الشعلة بين طلاب المدارس، لكنها قالت حينها إن ذلك لا يزال ضمن دائرة الشائعات مشيرةً إلى أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة مسبقاً في المجتمع السوري ولم تسترع الانتباه، لكنها الآن انتشرت بكثرة وتفاقمت بسبب الظروف.
وأوضحت أن مشغلي الأطفال بالتسول يستخدمون المادة لإجبار الأطفال على العمل والعودة للمشغل من أجل الحصول عليها؛ كونها تعطي نفس مفعول المخدر، محملة مسؤولية معالجة الظاهرة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
ولا توجد أي مسوحات أو أرقام دقيقة لمدى انتشار ظاهرة إدمان الأطفال على رائحة لاصق الشعلة، لكن هذا الإدمان وانتشاره السريع بات يشجع الأطفال على السرقة والتسول لتأمين سعر الجرعة اليومية والتي قد تصبح جرعتين أو ثلاث أو أكثر على المدى الطويل.
وحذر المدير العام للطبابة الشرعية في سوريا زاهر حجو عام 2019، من تفاقم الظاهرة، قائلاً إنها نوع من إدمان المذيبات الطيارة تسبب حالة نشوة وفرط نشاط تستغرق نحو 15 دقيقة، ثم لا يلبث الطفل أن يطلب المادة ويدخل في حلقة مفرغة.