ملخص:
- شهدت العلاقات بين تركيا وروسيا تطوراً ملحوظاً رغم تباين مواقفهما حول قضايا مثل الملف السوري.
- روسيا أوقفت الوساطة بين تركيا والنظام السوري مؤخراً بسبب تغيّرات إقليمية وطلبت من بغداد وقف الاتصالات.
- وزير الخارجية الروسي لافروف انتقد تركيا علنياً لتصديرها أسلحة لأوكرانيا، ما زاد التوتر بين الطرفين.
- تركيا قدّمت طلباً للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، لكن انضمتها ما زال غير محسوم.
- الرئيس التركي أردوغان أكد توازن السياسة الخارجية بين الشرق والغرب رغم التحرك نحو "بريكس".
شهدت العلاقات بين تركيا وروسيا تحسناً ملحوظاً وتطوراً لافتاً خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من تباين مواقفهما بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، يأتي على رأسها الملف السوري. إذ يلعب الطرفان أدواراً حاسمة كضامنين لموازين القوى فيها؛ حيث تساند روسيا النظام السوري، بينما تدعم تركيا المعارضة السورية التي تتخذ من مدينة إسطنبول مركزاً لها.
وتسعى روسيا، من خلال علاقاتها المتينة مع أنقرة ونفوذها في سوريا، لقيادة جهود دبلوماسية تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين أنقرة والنظام السوري.، إلا أن هذه الجهد تعثرت في الآونة الأخيرة، حيث كشف مصدر دبلوماسي مطّلع، منتصف الشهر الفائت، لموقع "تلفزيون سوريا" أن روسيا جمدت الوساطة بين تركيا والنظام السوري في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وطلبت من بغداد وقف الاتصالات الجارية بين أنقرة والنظام. وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف في لقاء صحفي خاص مع صحيفة (Hürriyet) التركية.
وتحدث لافروف عن عدة قضايا خلال مقابلته مع الصحيفة التركية، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، وأدلى بتصريح لافت حول التعاون العسكري بين أنقرة وكييف، حيث أشار إلى أن تركيا تسهم في مقتل الجنود والمواطنين الروس عبر الأسلحة التي تبيعها لأوكرانيا. ويُعد هذا التصريح الأول من نوعه الذي تصدره روسيا بعد مرور قرابة الثلاثة أعوام على الحرب الروسية الأوكرانية.
ربيع العلاقات التركية الروسية
في تعليقه على تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة، قال الصحفي التركي هاكان أكساي: "العلاقات التركية-الروسية تعيش ربيعها، وهي عبارة لم نسمعها منذ فترة طويلة. في حديث لافروف مع الصحيفة، كان هناك شيء مثير للاهتمام، وهو أن تركيا بذلت جهداً، وروسيا تقدّر جهود الوساطة التركية في موضوع أوكرانيا... لكن هنا، انتقاد لافروف لتركيا مهم... هناك بعض الحدة في التصريح".
وأضاف أكساي في فيديو نشره على قناة (T24) ضمن منصة (YouTube) أن "انتقاد لافروف العلني لتصدير الأسلحة التركية لأوكرانيا يأتي في توقيت حساس، ما يشير إلى تزايد حساسية موسكو تجاه الدعم التركي لأوكرانيا مع اقتراب الحرب من مرحلة حاسمة".
وأشار أكساي إلى تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في نفس الصحيفة، الذي قال: "الصديق يقول الحقيقة المُرّة"، في إشارة قد تحمل رسائل موجهة لكل من أوكرانيا وروسيا، مع تأكيده على موقف تركيا الداعم لحل يحفظ وحدة الأراضي الأوكرانية. واعتبر أكساي أن هذا يعكس تباعداً في المواقف بين أنقرة وموسكو.
وقال فيدان إن النظام السوري وحلفاءه غير مستعدين للتطبيع، في إشارة إلى روسيا وإيران: "على حد علمنا، (الأسد) وحلفاؤه غير مستعدين لحل بعض المشكلات، وغير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية وتطبيع كبير (مع تركيا)"، وذلك عقب أيام من تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أكد على أنه طلب من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين أن "يتخذ خطوة للتأكد من رد بشار الأسد على دعوتنا. هل سيطلب بوتين من الأسد أن يتخذ هذه الخطوة؟ هذا ما نتركه للزمن".
وأكد فيدان على ضرورة إجراء حوار بين النظام والمعارضة دون أن يذكر روسيا وإيران حليفتي النظام، وموضحاً أن تركيا "ترغب في أن يشهد النظام والمعارضة إقامة إطار سياسي يمكن الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع". وأضاف: "من المهم أن يوفر النظام السوري بيئة آمنة ومستقرة لشعبه، إلى جانب المعارضة"، مشدداً على أهمية "وجود حوار حقيقي مع المعارضة السورية".
قمة "بريكس" ومصير العضوية الغامض
سعت تركيا خلال الأشهر الأخيرة للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي أسست عام 2009 بمبادرة روسية بهدف تقديم "بديل للنظام العالمي المهيمن من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين".ورغم هذا التحرك التركي، يبدو أن الخلافات حول المسار الذي تسلكه تركيا بين الانفتاح على الشرق أو البقاء ضمن إطار تحالفاتها التقليدية مع الغرب لا تزال عالقة.
وأكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر تشيليك، في أيلول الفائت، أن تركيا تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة بريكس، موضحاً أن "الطلب واضح، والعملية مستمرة"، وهو ما يؤكد ما ذكرته وكالة (بلومبرغ) الأميركية أن تركيا تقدمت بطلب الانضمام إلى بريكس "نتيجة إحباطها من تعثر جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
لكن في مقابل هذه التحركات، أبدى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تحفظات واضحة بعد قمة "بريكس" في قازان التي عُقدت بين 22 و24 تشرين الأول، حيث صرح قائلاً: "لم تتضمن القمة أي إعلان أو دعوة لضم أعضاء جدد. مجموعة بريكس، التي تفتقر إلى هيكل مؤسسي راسخ، لم تحدد بعد الآلية المناسبة لهذا الأمر". وأضاف: "هل ستسعى للتوسع بضم أعضاء جدد أم ستتبع نموذجاً مختلفاً؟ لا يزال هذا الأمر قيد التقييم".
"لم ندر ظهرنا للغرب"
وعلى الرغم من ترحيب الكرملين بطلب تركيا، إذ قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: "انضمام تركيا إلى بريكس سيكون ذا أهمية كبيرة لجميع الأعضاء"، أظهرت هذه التصريحات تناقضاً مع واقع عدم اتخاذ خطوات ملموسة لضم تركيا في الوقت الحالي.
ومن جانبه، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توضيح موقف بلاده من الغرب في ظل هذه الخطوات، قائلاً: "لم ندِر ظهرنا للغرب. سياستنا الخارجية ترتكز على تحقيق توازن بين علاقاتنا مع الشرق والغرب"، مشدداً على أن الانضمام إلى "بريكس" لا يعني التخلي عن تحالفات تركيا مع الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وأضاف أردوغان: "نسعى لأخذ دورنا المستحق في النظام العالمي برؤية تعتمد على توازن العلاقات وتعظيم الفوائد للبلاد".