icon
التغطية الحية

أربع فئات.. من هم لاجئو فلسطين في سوريا وما أوضاعهم وحقوقهم؟

2024.11.05 | 08:45 دمشق

النكبة
تمتع فلسطينيو سوريا بحقوق مدنية لم يكن لها مثيل في دول الشتات وشكلوا جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع السوري مع حفاظهم على هويتهم الخاصة
إسطنبول - تمارا عبود
+A
حجم الخط
-A

استقبلت سوريا أولى موجات اللاجئين الفلسطينيين عقب نكبة العام 1948، حيث لجأ إليها عشرات الآلاف بعد تهجيرهم من قبل العصابات الصهيونية، تزامناً مع تحضير بريطانيا لإعلان "دولة إسرائيل".

وقدّر عدد الهاربين من جحيم نكبة فلسطين إلى سوريا حتى نهاية العام 1948 بنحو 95 ألف لاجئ فلسطيني، وفق إحصائيات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، ينحدر معظمهم من شمالي فلسطين، وخاصة مدن صفد وحيفا ويافا، بسبب القرب الجغرافي وصلات القربى التي تربطهم بسوريا.

ومنذ العام 1956، أقر مجلس الشعب السوري القانون رقم 260، الذي وافق عليه حينها الرئيس شكري القوتلي، والذي منح معظم الفلسطينيين حقوقاً متساوية مع السوريين، باستثناء حقي الانتخاب والترشح، دون أن يمنعهم ذلك من العمل في هياكل الدولة السورية والمواقع السيادية بصفة مستشارين ونواباً للوزراء ومديرين عامين.

ويمكن القول إن معظم فلسطيني سوريا تمتعوا فعلياً بحقوق مدنية لم يكن لها مثيل في دول الشتات الفلسطيني، شملت حق العمل والتعليم والرعاية الصحية والتنقل، فضلاً عن مساواتهم مع المواطنين السوريين في مختلف نواحي الحياة، بما في ذلك الخدمة العسكرية الإلزامية وخضوعهم للقوانين الجزائية، ليشكلوا بالنهاية جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع السوري، مع حفاظهم على هويتهم الفلسطينية الخاصة.

لم يقتصر وجود الفلسطينيين في سوريا على الفئة المهجرة عام 1948، التي حصلت على حقوق مدنية شبه كاملة، حيث شهدت البلاد أربع موجات من اللجوء الفلسطيني، وتزامن كل منها مع تواريخ تهجير مختلفة، مما أدى إلى وجود تقسيمات قانونية عديدة لكل فئة بناءً على تاريخ لجوئها.

نستعرض في هذا التقرير تقسيمات اللاجئين الفلسطينيين وفق تاريخ تهجيرهم، وأماكن وجودهم، والقوانين التي يخضعون لها، فضلاً عن التحديات القانونية التي يواجهونها.

صور من النكبة في فلسطين 1948 - أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي

فئة النكبة.. مساواة جزئية وهوية مؤقتة

تشكل هذه الفئة غالبية الفلسطينيين في سوريا، وهم المهجرون بين فترة بدء النكبة في 1948 وحتى تموز 1956، والمسجلون في قيود "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب".

تعامل السلطات السورية هذه الفئة معاملة المواطن السوري في الحقوق والواجبات، عدا حق الانتخاب والترشح للبرلمان وللإدارات المحلية، وذلك بموجب المرسوم 260، الصادر في تموز 1956، وتتم من خلاله مساواة اللاجئ الفلسطيني بالمواطن السوري، في حقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم (في جيش التحرير الفلسطيني المتمركز في سوريا) مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية.

وبالإضافة للقانون السابق، صدر في تشرين الأول 1963 القرار رقم 1311، الذي نص على إعطاء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا وثائق سفر، يستطيعون من خلالها مغادرة سوريا والعودة دون تأشيرة عودة.

كما يحمل هؤلاء الفلسطينيين بطاقة هوية مماثلة لبطاقة المواطن السوري، إلا أنه يُكتب في يسارها، إلى أعلى الصورة الشخصية "تذكرة إقامة مؤقتة للاجئين الفلسطينيين العرب".

ولا ينطبق الوضع القانوني لهذه الفئة على جيل اللجوء الأوّل فقط، بل يمتد ليشمل فروعه (الأبناء والأحفاد)، ويتم إثبات تاريخ اللجوء الأول في قيد السجل المدني الصادر عن "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين".

قيد السجل المدني
قيد السجل المدني الخاص بالفلسطينيين السوريين

وطن نعيش فيه ووطن يعيش فينا

تقول نورا، وهي من فئة لاجئي فلسطين في العام 1948، وكانت تقطن في مخيم اليرموك بدمشق حتى العام 2012، "كنت أعيش حياة مميزة في سوريا، فقد كانت هي الوطن بالنسبة لي، كما أن نصفي الآخر من طرف أمي كان سورياً وطالما أحببت هذا".

وتوضح "درست في جامعة دمشق كما درس أبي وإخوتي من قبلي، ولم يكن هناك أي تمييز بيننا وبين أي سوري يدرس في جامعات بلده، بل حتى في أي مكان آخر بعيداً عن الجامعة لم أشعر بذلك".

وتضيف نورا "كنت أعمل في مكتبة العائدي لكتابة المحاضرات في مخيم اليرموك، وكان العاملون كلهم من اللاجئين الفلسطينيين، لم أعمل مع سوريين من قبل لكن كان لدي الكثير من الأصدقاء وكانوا كالإخوة بالنسبة لي، ولم أر منهم أي تصرف سيئ، وفي النهاية تزوجت من رجل سوري، وأنا الآن أم لطفلين سوريين".

وعن علاقة فلسطين والمخيم، تقول نورا "فلسطين كانت الوطن الذي يعيش في داخلي ولم أعش فيه، فهي وطني الأصلي الذي حُرمت منه، لكني وجدت في مخيم اليرموك بعض التعويض، حيث اعتبره أبناء جيلي كفلسطين صغرى، بسيئاته وحسناته".

وتشير نورا إلى أنه "على الرغم من صغر مساحته بالنسبة لمفهوم الوطن، إلا أن مخيم اليرموك كان يضم كل شيء ممكن أن يثير فضولك، من أسواق تجارية ومحال ومطاعم تناسب كل الفئات الاقتصادية وكنت أشعر هناك بالأمان الدائم الذي لا تقطعه وحشة ليل".

مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية دمشق

لاجئو 1956.. بين قريتين وجبل

نهاية آذار/مارس 1956 هجّر الاحتلال الإسرائيلي فلسطيني قريتي كراد البقارة وكراد الغنامة، الواقعتين شرقي مدينة صفد بين بحيرتي الحولة وطبريا، إلى قرية شعب في الجليل الغربي، ضمن مشروع لتجفيف بحيرة الحولة.

عقب تهجير أهالي كراد البقارة إلى قرية شعب في الجليل الغربي، تقدمت الحكومة السورية بشكوى إلى الأمم المتحدة، التي أصدرت بدورها القرار رقم 93 في أيار 1951، الذي ينص على ضرورة إعادة السكان إلى قريتهم، لكنها تقاعست عن تنفيذه، ما عرّض السكان لضغوط من السلطات الإسرائيلية، حيث عاد نحو 60 % منهم فقط إلى قراهم، في حين بقي من تبقى منهم في قرية شعب.

وبعد خمس سنوات من ذلك، وتحديداً في تشرين الأول من العام 1956، رحّلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أهالي القريتين مرة أخرى إلى مرتفعات الجولان السورية، حيث وجد نحو 500 شخص من سكان قريتي أكراد البقارة والغنامة أنفسهم لاجئين في الأراضي السورية.

وسُجّل أهالي القريتين اللاجئين في سوريا في قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، ما يجعلهم ضمن الفئة الأولى من اللاجئين التي تُعامل معاملة السوري في الحقوق والواجبات، غير أنه لم يسمح لهم بدخول سوق العمل إلا عبر التعاقد بصفة مؤقتة، ولا يخضعون للخدمة الإلزامية في الجيش، وهم غير مشمولين بالقانون رقم 260 لعام 1956، لكون لجوئهم جاء بعد صدور القرار القاضي بمساواة الفلسطيني بالسوري.

ونقل موقع "فلسطين في الذاكرة" عن عاطف محمد عزايزة، وهو لاجئ فلسطيني من مواليد قرية شعب ووالده من مواليد قرية كراد البقارة، قوله إن "أكراد البقارة والغنامة عشيرة عربية ذات جذور كردية، لكنها انصهرت في القبائل العربية ونسيت لغتها القومية".

أكراد البقارة والغنامة
أكراد البقارة والغنامة

لاجئو النكسة.. لاجئين بلا حقوق اللجوء

وهم الفلسطينيون الذين لجؤوا إلى سوريا في العام 1967، وكانوا جزءاً من موجة جديدة من النزوح القسري للفلسطينيين نتيجة حرب حزيران 1967، التي عُرفت بحرب الأيام الستة، والتي أسفرت عن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء.

ونتيجة لهذه الحرب، اضطرت موجة كبيرة من الفلسطينيين إلى النزوح من ديارهم، حيث لجأ العديد منهم إلى الدول المجاورة، بما في ذلك سوريا.

ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى سوريا في العام 1967 بنحو 100 ألف لاجئ، استقر معظمهم في مخيمات اللاجئين الفلسطينية على الأرض السورية، مثل مخيم اليرموك، وأيضاً في مخيمات أخرى وتحديداً في مخيمات جرمانا وخان دنون ومخيم درعا.

وقبلت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب تسجيل بعض هؤلاء اللاجئين ضمن قيودها، ما جعلهم ضمن فئة لاجئو 1956، في حين من لم يتم تسجيلهم اعتُبِروا  "أجانب بلا حقوق"، وخاصة إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية أو الأردنية.

وبموجب القانون السوري، كان يعامل لاجئو العام 1967 على أنهم "مقيمون" وليسوا مواطنين، مما يعني أنهم لا يحملون الجنسية السورية، لكنهم يتمتعون بحقوق اجتماعية واقتصادية شبيهة بحقوق لاجئي 1948 و 1956، وتولت وكالة "الأونروا" الأممية مسؤولية تقديم الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة.

وقبلت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب تسجيل بعض هؤلاء اللاجئين ضمن قيودها، ما جعلهم ضمن فئة لاجئي 1956، ومن لم يتم تسجيلهم اعتُبِروا أجانبا إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية أو عربا مقيمين إذا كانوا من حملة جوازات السفر الأردنية، وذلك حسب تقرير مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا. مما يعني وبموجب القانون السوري، أنهم لا يحملون الجنسية السورية، لكنهم يتمتعون بحقوق اجتماعية واقتصادية شبيهة بحقوق لاجئي 1948 و1956، وتولت وكالة "الأونروا" الأممية مسؤولية تقديم الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة.

وواجه لاجئو 1967 قيوداً في حرية التنقل إلى خارج سوريا، خاصةً في الحالات التي تطلبت وثائق سفر رسمية، حيث كانت تصدر لهم وثائق سفر خاصة محدودة الصلاحية، وفي غالب الأحيان لم تعترف بها معظم الدول، مما أعاق قدرتهم على السفر بحرية أو العمل في الخارج.

من نكبة إلى معاناة قانونية

يروي أحد اللاجئين الفلسطينيين، ممن هجّروا في نكبة 1948 إلى قطاع غزة ومن ثم نزحوا مجدداً في 1967 إلى سوريا، أن وضعه القانوني في سوريا شكّل له معاناة كبرى، حيث مُنع أفراد عائلته من العمل في مختلف الوظائف "العامة والخاصة"، بسبب افتقارهم للأوراق الثبوتية، إلى جانب معاناتهم من تحديات أخرى تتعلق بالسكن والرعاية الصحية وغيرها.

ويشير المصدر إلى أن هذه الأزمة القانونية تفاقمت بعد اندلاع الثورة السورية، إذ لم يكن لعناصر أمن النظام السوري على الحواجز إدراك لوضعه القانوني الذي يمنحه إعفاءً من خدمة العلم، مما عرض معظم الشبان الفلسطينيون من هذه الفئة إلى المساءلة، وفي بعض الأحيان إلى الاعتقال إلى حين التحقق من وضعه القانوني.

فئة 1970.. لاجئون فدائيون

لاجئو العام 1970 إلى سوريا هم الفلسطينيون الذين غادروا الأردن بعد أحداث "أيلول الأسود"، وهو الصراع الذي وقع بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني في أيلول 1970، والذي تسبب في نزوح عدد كبير من الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، ومنها سوريا.

ومعظم هؤلاء اللاجئين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية، حيث انضم معظمهم مبكرين إلى صفوف المقاومة الفلسطينية بعد حرب حزيران 1967، وغادروا أراضيهم الأصلية في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية، متوجهين إلى الأردن ثم إلى سوريا، حسب ما ذكره الصحفي علي بدوان في جريدة العودة العدد 61. 

ولم يتمكن معظم اللاجئين من هذه الفئة من الحصول على جوازات سفر أردنية بعد أحداث "أيلول الأسود"، أو على وثائق سفر مصرية لأبناء قطاع غزة.

وتعاني هذه الفئة من اللاجئين من أوضاع معقدة للغاية، إذ إن معظمهم بلا وثائق بعد انتهاء صلاحية جوازات السفر التي كانوا يحملونها، كما أنهم لا يستفيدون من خدمات الأونروا لكونهم غير مسجلين في سجلاتها.

حقوق مؤجلة وأحلام ناقصة

يقول رامي (اسم مستعار)، وهو طالب هندسة في سوريا وحفيد أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا البلاد عام 1970، "نحن كلاجئين منذ عام 1970 لا نخدم في جيش النظام السوري أو جيش التحرير الفلسطيني، ولا يحق لنا العمل في وظائف الدولة"، ويضيف أنه "حتى وقت قريب لم يكن لدينا سوى ورقة إخراج قيد صادرة من منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً أصبحت تصدر من السفارة الفلسطينية".

ويشير إلى أنه في عام 2018 تم السماح لمن يريد من هذه الفئة الحصول على هوية إقامة مؤقتة للاجئين الفلسطينيين مثل تلك التي يحملها فلسطينيو الفئة الأولى والثانية بدلاً من ورقة إخراج القيد. وتم اعتبار تاريخ هجرتهم بادئاً منذ 2018 أي بتاريخ استلام الهوية الجديدة، مشيراً إلى أنهم بهذه الخطوة يبدو أنهم مسحوا السجل القديم.

ويذكر المصدر أنه "بالنسبة للدراسة في الجامعات الحكومية، فهي متاحة بشرط أن أكون من مواليد سوريا، وأن أكون قد التحقت بالتعليم فيها من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية دون انقطاع أو دراسة في الخارج، كما يجب ألا أكون قد غادرت سوريا سابقاً، ولو كانت والدتي سورية الجنسية، لكنت حصلت على بعض الحقوق، مثل الالتحاق بجامعات التعليم الموازي مثلاً".

ويضيف رامي أن "استخراج الهوية شكّل صعوبة بالغة عند التقديم للجامعة، حيث يُشترط أن يكون تاريخ اللجوء بين عامي 1948 و1956، وهو ما لا ينطبق علي، ولم أتمكن من حل المشكلة إلا بعد استخراج (بيان حركة)، الذي يوضح إن كنت قد غادرت سوريا من قبل أو لا."

 14مخيماً.. أين يتوزع الفلسطينيون في سوريا؟

قدّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قبل انطلاق الثورة السورية بنحو 550 ألف لاجئ مسجّل، موزعين على 14 مخيماً بالإضافة إلى تجمعات عشوائية خارج نطاق المخيمات، وداخل مختلف المحافظات والمناطق السورية.

وهذه المخيمات هي:

  • مخيم اليرموك (دمشق)، ويعتبر من أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، ضمَّ نحو 160,000 لاجئ.
  • مخيم النيرب (حلب)، ضمَّ نحو 18.000 لاجئ.
  • مخيم خان الشيح (ريف دمشق)، ضمَّ نحو 20.000 لاجئ.
  • مخيم سبينة (ريف دمشق)، ضمَّ نحو  22.600 لاجئ.
  • مخيم جرمانا (ريف دمشق)، ضمَّ نحو 18.000  لاجئ.
  • مخيم خان دنون (ريف دمشق)، ضمَّ نحو  10.000 لاجئ.
  • مخيم قبر السيدة (السيدة زينب بريف دمشق)، ضمَّ نحو 23.700 لاجئ.
  • مخيم الحسينية (ريف دمشق)، ضمَّ حوالي 15,000 لاجئ.
  • مخيم الرمدان (ريف دمشق) ضمَّ حوالي 4000 لاجئ
  • مخيم درعا (درعا)، ضمَّ حوالي 10.500 لاجئ.
  • مخيم العائدين (حمص)، ضمَّ نحو  20.000 لاجئ.
  • مخيم العائدين (حماة)، ضمَّ نحو  8,000 لاجئ.
  • مخيم الرمل (اللاذقية)، ضمَّ نحو 7000  لاجئ.
  • مخيم حندرات أو عين التل (حلب)، ضمَّ نحو 7000 لاجئ.

وعلى الرغم من أن وكالة "الأونروا" كانت تقدم خدماتها في هذه المخيمات، إلا أنها لا تديرها مباشرة، بل تقع المسؤولية القانونية على عاتق السلطات السورية، وتخضع لقوانين الدولة الإدارية والمدنية.

ورغم تقديم الأونروا للخدمات في جميع المخيمات إلا أن بعضها تعتبر مخيمات غير رسمية بالنسبة لها، ومن ضمنهم مخيم اليرموك والرمل وحندرات.

حقوق الملكية العقارية لللاجئين الفلسطينيين حسب فئاتهم

تمتعت فئة لاجئي النكبة في العام 1948 بحق التملك العقاري وفق أوجه قانونية مختلفة قبل 2011، شأنها شأن المواطن السوري، وتزامناً مع ذلك كانت تتمتع فئة اللاجئين في العام 1956 بصلاحيات قريبة نسبياً، فيما كان ينطبق على فئة لاجئي 1967 و1970 أحكام التملك العقاري الخاصة بالمواطن العربي والأجنبي.

وأفاد مصدر فلسطيني سوري يعمل في مجال العقارات بسوريا، بأن الفلسطيني السوري من لاجئي 1948 لم يكن يحق له سوى تملك عقار واحد بموجب "الطابو الأخضر" وهو أقوى أشكال الملكية، لكن يحق له تملك عدة عقارات وأراضٍ وبطرق أخرى، مثل وكالة كاتب عدل أو بموجب قرار حكم.

ويضيف في ضوء إجابته على ماهية الفرق بين الطابو الأخضر وبقية الأوجه القانونية للتملك، إن "قوة الطابو الأخضر تأتي من تسجيل العقار باسم المالك في سجلات الدولة العقارية رسمياً، وبالتالي، في حالة حدوث نزاع، يكون اسم المالك مسجلا في الطابو، أي في منطقة عقارية منظمة ومقسمة من قبل الدولة مما ينهي النقاش قانونياً، إلا في حال وجود حق توريث أو مشكلات أخرى، يتم اللجوء إلى المحكمة".

وفي حالة الملكية تحت بند "قرار الحكم" أو "كاتب العدل" أو حتى "عقد البيع"، يؤكد المصدر أنه "لا يتم تسجيل العقار في السجلات العقارية الرسمية، وتعد هذه الأوجه القانونية للملكية هي الأكثر شيوعاً بالنسبة للفلسطينيين السوريين من مختلف الفئات".

وأشار إلى أن ذلك يأتي بشكل خاص بسبب تمركزهم في مناطق يطلق عليها "أراض المشاع"، أي غير المنظمة من قبل الدولة، ولا يوجد فيها طابو أخضر بالأساس، ففي تلك الحالات يمكن أن يمتلك شخصان وثائق "قرار حكم" أو "كاتب عدل" أو "عقود بيع" حول عقار واحد، ما يجعل ذلك مصدراً للنزاع.

وفي حديثه عن الملكية العقارية بالنسبة لأهالي مخيم اليرموك، يقول المصدر إن "أراضي مخيم اليرموك هي أراض تابعة للدولة السورية، استأجرتها الأمم المتحدة لمدة 99 عاماً، وقسمتها لمساحات متساوية ووزعتها على الفلسطينيين لبناء منازلهم على نفقتهم الخاصة".

وأضاف أن "كل عائلة فلسطينية أسست منزلها حسب إمكانياتها المادية، حيث بنى البعض البيت لأول مرة من مادة الزنك، ومع الزمن والاستقرار بدأ بإزالة الزنك واستخدم الباطون الأعلى تكلفة، لذلك هو يملك تكلفة البناء فقط لا الأرض نفسها، ولهذا السبب لا توجد فيها ملكية خاصة".

أما عمليات البيع، فتتم بموجب عقد بيع عادي، فحتى كاتب العدل غير مسموح له إتمامها، لكون الأرض ليست ملكاً للشخص وإنما "أرض مشاع"، أي ملكاً للدولة.

عقبات التملك للفلسطينيين في سوريا.. قوانين متقلبة وحقوق مهددة

لم تسمح الدولة السورية بالتملك العقاري لغير السوري، منذ تأسيس الجمهورية وحتى العام 2008، مع إعطاء استثناءات خاصة للفلسطينيين السوريين من فئة اللاجئين عام 1948 و1956.

في العام 2008 سُمح بالتملك العقاري للأجانب وفق شروط معقدة للغاية، وبعد العام 2011، قدّم النظام السوري تسهيلات في مجال التملك العقاري بالنسبة للأجنبي، أي غير السوري وغير الفلسطيني المسجل ضمن فئة 1948 و1956، وأتبع قراره بتعديلات قانونية متخبطة بين الاستمرار في منح هذه الفئة مركز قانوني مساوي للمواطن السوري في حقوق التملك العقاري وبين سحب هذه الميزة منهم ومعاملتهم معاملة الأجنبي.

وانتهى الأمر في العام 2022 بإصدار القرار 1011، الذي نص على "تعديل الفقرة ب من المادة الأولى من التعليمات التنفيذية من القرار رقم 1555 تاريخ 12/09/2021 والمتضمنة للقانون رقم 11 لعام 2011 وتعديلاته، أي القانون رقم 12 لعام 2021 على أنه (يقصد بعبارة - غير السوري - أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل جنسية الجمهورية العربية السورية)".

فألغى القرار 1011 خصوصية القرار رقم 2484 لعام 2013، الذي رسخ مساواة الفلسطيني السوري بالمواطن السوري من خلال النص (يقصد بعبارة غير السوري، أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل جنسية الجمهورية العربية السورية ولا تشمل أحكام هذا القانون الفلسطينيين الذين هم في حكم السوريين وفق أحكام القانون رقم 260 لعام 1956).

ووفق موقع "بوابة الحكومة الإلكترونية السورية"، فإن تملك الأجنبي في سوريا مشروط بثلاثة بنود :

  • أن يكون لطالب التملك أسرة.
  • أن يكون التملك لأغراض السكن الشخصي، في عقار مبني برخصة نظامية، بمساحة لا تقل عن 140 م²، ويشكل وحدة سكنية متكاملة، ولا يُقبل طلب الإفراز الطابقي إذا كان العقار قابلاً للإفراز.
  • يجب أن يكون لطالب التملك وأسرته إقامة مشروعة في البلاد، وفقاً للتعليمات التنفيذية للقانون.
  • إقامة دائمة متصلة لمدة سنة أو إقامة غير متصلة لمدة خمس سنوات، بحيث لا تقل مجموع مدة الإقامة عن سنة.
  • إقامة غير السوري من أم سورية، بغض النظر عن مدة الإقامة.

وتتطلب هذه الشروط من اللاجئ الفلسطيني تقديم كم كبير من الأوراق التي تثبت عدم امتلاكهم لعقار آخر والحصول على سلسلة من الموافقات، بما في ذلك موافقات أمنية، وموافقات من هيئات إدارية مختلفة، مما يجعل من تملك العقار أمراً معقداً أقرب للمستحيل.

كما يؤثر القرار على إمكانية تثبيت ملكية العقارات التي تم شراؤها بموجب وكالة "كاتب العدل" أو "حكم المحكمة" قبل صدور القرار وقبل تسجيلها في السجل العقاري.

ووفق تقرير أصدرته "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، فإن هذه العقارات مهددة بالفقدان، خاصة إذا كان الفلسطيني قد اشترى أكثر من عقار سكني أو تجاري، حيث يصعب إتمام إجراءات التسجيل في ظل القرار الحالي.

وفي ظل ظروف التهجير والنزوح التي يعاني منها معظم الفلسطينيين، يعقّد هذا القرار عملية إثبات ملكيتهم، ويعزز عدم عودتهم، مما يفرض واقع التهجير مرة أخرى على ما تبقى من الفلسطينيين في سوريا.