أدى تردي الوضع الاقتصادي في العاصمة السورية دمشق، إلى توسع ظاهرة التسول بشكل غير مسبوق، حيث باتت هناك عوائل كاملة تمتهن التسول أو تسأل الناس في الطرقات عن أي شيء.
وتجاوز سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية 7150 ليرة سورية أمام كل دولار في انهيار هو الأكبر من نوعه، في انهيار تاريخي للعملة، وفشل النظام السوري في إيجاد أي حلول لهذا الانهيار.
ومع هذا الانهيار الدرماتيكي لليرة، تضخمت الأسعار بشكل جنوني في دمشق، حيث لم يعد هناك أي سعر ثابت لأي سلعة في دمشق أو بقية المحافظات.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" في شوارع دمشق، انتشار واسع لظاهرة التسول، زيادة عن الأشهر الماضية بشكل ملحوظ، إذ ينتشر كبار في السن ورجال وأطفال ونساء.
الجمعيات الخيرية لا يمكنها تغطية المحتاجين
وقالت فاطمة شالاتي إحدى العاملات في جمعية خيرية بدمشق، إن "الوضع الاقتصادي في سوريا لم يعد يفرق بين غني وفقير، الطبقة المتوسطة لم تعد موجودة، والمساعدات التي تأتي لجمعيتنا لا تكفي شيئاً".
وأضافت شالاتي في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن سوء الوضع ونقص الحاجيات الأساسية لدى الناس دفع كثيراً منهم لطلب المساعدة من الجمعيات الخيرية التي ليس بإمكانها تغطية حاجة مئات الآلاف من الطلبات.
وأشارت إلى أن حالة التعفف عن الطلب وعدم قبول المساعدة بدأت تصبح نادرة في دمشق، لأن الناس بأمس الحاجة للمساعدة، وحاجتهم تفوق قدرتهم، لذلك بتنا نسمع عن توسع ظاهرة التسول في شوارع الشام بطريقة غير معهودة من قبل".
ولفتت إلى أن "المساعدات التي كانت تأتي للناس من الخارج لم تعد تكفي لأن الغلاء تجاوز المعقول، حيث إن من كانت تأتيه مساعدة بـ 100 دولار شهرياً، لا تكفيه لأسبوع في حين كانت تكفي من قبل لأكثر من 10 أيام في حال التوفير".
التسول كمهنة
وحين التجوال في شوارع وأحياء دمشق، يلاحظ المارة انتشار المتسولين في كل مكان، منهم من يتخذها كمهنة بدلاً عن العمل، باعتبار أنه قد تحقق له دخلاً أفضل من أي وظيفة لا يتجاوز الراتب الشهري الـ 300 ألف ليرة سورية (3 أضعاف راتب الموظف)، أو أن بينهم موظفين رواتبهم لا تكفي لشراء الحاجيات الأساسية لأبنائهم.
وقال علي باشا، أحد أصحاب المحال التجارية في دمشق، "في سوريا هناك نوعان من المتسولين، الأول يتبع لعصابات أو أشخاص ليسوا بحاجة فعلية إلى فعل ذلك، حيث إنهم قادرون على العمل بكرامة حتى وإن كانت عوائدهم قليلة.
وأضاف باشا لموقع "تلفزيون سوريا" أما النوع الثاني فهم محتاجون بشكل حقيقي، خصوصاً من فقدوا ذويهم في الحرب، ولم يعد لديهم أي معيل ولا يمكن للأم أن تعمل وتترك أولادها وحدهم، لذلك تضطر لسؤال الناس.
وأشار إلى أنه باعتبار أني أجلس في محلي بشكل يومي فإنني أعرف من هم بحاجة حقيقية للمساعدة ومن يعملون بالتسول، فهناك رجل مسن لا أحد يوظفه يتسول وهو يخجل من القيام بالتسول، ولكنه مضطر ولا معيل لديه، وهناك شاب يمكنه العمل ولكن يريد أن يحقق أموالاً أكثر عبر سؤال الناس.
ولفت إلى أن يومية المتسول قد تتجاوز الـ 150 ألف ليرة في اليوم الواحد، في حين يدفع قسم منهم الرشا للشرطة لكي يبقوا في الطرقات ويأخذوا مزيداً من الأموال.
"لا معيل"
وفي محاولة من موقع "تلفزيون سوريا" لإجراء مقابلة مع إحدى المتسولات (بعمر 43 عاماً) التي تمنعت لأكثر من مرة ثم قبلت مقابل مبلغ من المال، قائلة إنها مضطرة لطلب المساعدة من الناس.
وأضافت أنها لا تحصل أكثر من 50 ألف ليرة في اليوم الواحد، ولكنه مبلغ قليل بالنسبة لأم تربي 4 أولاد، وزوجها مختفٍ قسرياً منذ 7 سنوات ولا تعرف عنه شيئاً.
وأشارت إلى أن زوجها اعتقل في منطقة جديدة عرطوز على الحاجز، ولم تسمع عنه أي خبر منذ ذلك الوقت، وحاولت أن تسأل عنه لكن من دون جدوى.
ولفتت إلى أن عائلته كانت تساعدنا في البداية ولكن الآن الجميع بحاجة إلى المساعدة لذلك أنا أنزل كل يوم إلى الشام لكي "أشحد" ثم أعود إلى أولادي الذي أتركهم مع بنتي الكبيرة التي تبلغ الآن 17 عاماً.
وأكّدت قائلة: "أنا لا أحب هذا العمل، وغير سعيدة أنني أربي أولادي من التسول، ولكن ما في باليد حيلة، اشتغلت بكلشي ولكن لم يكف أولادي أي شيء".
أزمات اقتصادية في سوريا
وتكمن المشكلة الاقتصادية بسوريا، في فشل النظام السوري في إيجاد حل لأي أزمة من الأزمات، حيث هناك أزمة في المحروقات زادت مع بداية كانون الأول ما أدى إلى شلل شبه تام في حركة المواصلات، وأشعل أزمة زيادة ساعات التقنين بساعات تصل إلى 23 ساعة يومياً.
وهذه الأزمة فتحت أزمة توقف الأفران الخاصة في دمشق وريفها، لانخفاض مخصصاتهم الحكومية من مادة المازوت وندرتها وارتفاع سعرها في السوق السوداء، مما انعكس على أسعار الخبز السياحي والصمون التي سجلت ارتفاعاً كبيراً، وسط قلة المخصصات اليومية من الخبز المدعوم حكومياً.
وكل ما سبق أثر على دخل المواطن السوري، إذ باتت الأسرة بحاجة إلى 3.5 ملايين شهرياً حتى تبقى خارج دائرة الفقر والبحث عن الوجبة التالية، الأمر الذي زاد من نسب المتسولين في الشوارع.