تفاجأت السيدة "فاطمة" المقيمة في مدينة إدلب، صباح الأحد (2 كانون الثاني 2022)، بإغلاق أبواب قسم "الإسعاف" أمام المراجعين في المستشفى "الوطني" بالمدينة.
كانت "فاطمة" تريد مراجعة قسم الداخلية الهضمية قبل أن تكتشف إغلاق قسم "الإسعاف"، نتيجة توقّف الدعم عن المستشفى من المنظمات المانحة، ما اضطرها إلى مغادرته بحثاً عن طبيب خاص.
أمّا عبدو محمد المحمد والذي وصل بمريض مُحال من مستشفى "دركوش"، فجر أمس الأحد، اضطر إلى أن يتكلّف بالأدوية والتحاليل لعدم توفر قسم منها في المستشفى "الوطني".
يقول "المحمد" لموقع تلفزيون سوريا إنّ صيدلية المستشفى اعتذرت عن تقديم عدد من الأدوية لمريضي الذي يعاني "نزيفاً داخلياً" لعدم توفره، تكلّفت بها على نفقتي الشخصية.
وأدّى توقف الدعم عن عدد من المستشفيات في محافظة إدلب إلى تراجع الخدمات الطبية، وسط مخاوف من كارثة إنسانية مع طول أمد انحسار الدعم المالي واللوجستي عنها.
وبلغت أعداد المستشفيات التي توقّف الدعم عنها قرابة 13 مستشفى موزعة على مناطق حيوية في محافظة إدلب، سواء في المدن الرئيسية أو مخيمات النازحين، وذلك بحسب أرقام "مديرية صحة إدلب".
وأبرز تلك المستشفيات: "الرحمة/ دركوش، إنقاذ روح/ سلقين، السلام/ حارم، نسائية وأطفال/ كفرتخاريم، الداخلية التخصصي في إدلب، الوحدة الجراحية في أريحا، النسائية والأطفال في أريحا، والرجاء، والمدينة، وعين البيضا، وحريتان".
مهددة بالإغلاق
قبل أيام، توقّف مشروع المنظمة الداعمة لمستشفى "حريتان" التخصّصي بطب الأطفال والنساء، الذي يتوسط أكثر من 150 مخيماً في منطقة "دير حسان" شمالي إدلب.
يقول الطبيب أديب عبد الرحمن المدير العام للمستشفى في حديث لموقع تلفزيون سوريا إنّ الكلفة التشغيلية للمستشفى شهرياً من "ديزل وتدفئة ومولدات وصيانة" تصل إلى 10 آلاف دولار أميركي، والمتوفر لدى الإدارة لا يشغّل المستشفى سوى 20 يوماً فقط، وبعد هذه المدّة سيضطر المستشفى إلى إغلاق أبوابه.
ويوضح أنّ "قسماً من الأطباء رفض العمل بشكل تطوعي، الأمر الذي اضطرهم لتقسيم مهام العمل بين القسم المتطوع الباقي على رأس عمله".
العمليات قد تتوقف
يقول "عبد الرحمن" إنّ مواد ومستهلكات العمليات المتوفرة في المستشفى تكفي لإجراء 30 عملية جراحية فقط، ومع نفادها سيتوقف قسم العمليات.
ومن أبرز احتياجات المستشفى المرتبطة بالعمليات هي: المعقمات والخيوط الجراحية والشفرات والشاش وأدوية تخدير وأدوية مخبرية، بحسب "عبد الرحمن"، مبيناً أنّ "المواد غالية الثمن ومكلفة جداً".
ويخدّم المستشفى نحو 7 آلاف مريض شهرياً، ويعتبر قبلة طبية لآلاف النازحين القاطنين في المخيمات، فضلاً عن خدماته الطبية المتنوعة التي تبدأ من المعاينات إلى عيادة الإسعاف والغواصات والحواضن وجناح العناية المشددة واللشمانيا لقسم الأطفال.
أما قسم النسائية، فيقدم المعاينات والعمليات القيصرية والكورتاجات والولادات الطبيعية وتنظيم الأسرة ورعاية الحامل، إضافةً إلى مخبر وتصوير "إيكو".
"الداخلية" يلفظ أنفاسه الأخيرة
إلى مدينة إدلب، حيث الكثافة السكانية الضخمة، يلفظ مستشفى الداخلية التخصصي (الوطني) أنفاسه الأخيرة، بسبب التكاليف التشغيلية الكبيرة التي يحتاجها المستشفى، أهمّها "الديزل والأوكسجين والأدوية"، بعد توقف الدعم المقدم من منظمة "المبادرة الإنسانية" مطلع العام الجاري.
يقول المدير الإداري في المستشفى شادي جاروخ لموقع تلفزيون سوريا إنّ "توقف الدعم أدى إلى إغلاق قسم الإسعاف، الذي يخدم أكثر من 300 مريض يومياً، وهو القسم الأكثر حيويةً في المستشفى، بينما تقتصر الخدمات اليوم على قسم العيادات الخارجية والعناية المشددة وقبول الجناح وقسم التنظير، بشكل خجول".
ويشير "جاروخ" إلى أنّ الكلفة التشغيلية المتوفرة لن تصمد إلا أياماً قليلة لتشغيل المستشفى، وتأمين المادة الأهم وهي "الديزل"، مبيناً أنّ "إدارة المستشفى تضطر اليوم إلى إطفاء المولدة بشكل متقطع للمحافظة على الكلفة المتوفرة".
ويخدم المستشفى أكثر من 15 ألفاً من السكّان شهرياً في مختلف المناطق، بحسب "جاروخ".
المستشفى الوحيد
في هذا السياق، يقول الطبيب مأمون ضبع - مختصّ أمراض جهاز الهضم في المستشفى - إنّ "مستشفى الداخلية يتكبّد الحمل الرئيسي في المنطقة بما يتعلق بالأمراض الداخلية، كما أنه مركز إحالات من جميع مناطق الشمال السوري بما يشمل منطقة ريفي حلب الشمالي والشرقي.
ويوضح لموقع تلفزيون سوريا أنّ "الإجراءات التداخلية التي يوفرها المستشفى غير متوفرة في أي مستشفى آخر في المنطقة، فضلاً عن خدمات نوعية أخرى في القسم الهضمي والعصبي والقلبي والصدرية، وجناح القبول".
ويشير إلى أنّ "غياب المستشفى عن الساحة الطبية يشكل كارثة طبية وإنسانية حقيقية"، معتبراً أنّ "الكادر يعمل ضمن طاقات تطوعية كاملة، لاستيعاب المرضى المراجعين ليحظوا بالخدمات النوعية الموجودة في المستشفى".
"وعود دعم قريبة"
يكشف سالم عبدان مدير صحة إدلب في حديث لموقع تلفزيون سوريا عن وعودٍ قريبة بعودة الدعم لقرابة 9 مستشفيات من أصل 13 توقف الدعم عنها، في حين أنّ الأربعة الأخرى لم يُحسم ملف دعمها، وتبحث المديرية مع الجهات الطبية الأخرى عن وسيلة دعم بديلة.
ويوضح أنّ "دعم المستشفيات في إدلب، هو دعم إنساني يعتمد على المانحين الدوليين عبر المنظمات المحلية".
وتكون المُنح على شكل مشاريع لها فترة محددة، بداية ونهاية، وهي تختلف من منظمة إلى أخرى، ومع انتهاء المشروع المُقدّم للمستشفى تظهر فجوة التمويل، فإمّا أن تعمد المنظمة إلى تمديد المشروع أو إلى استبدال المنظمة، بحسب "عبدان".
يحيى نعمة وهو رئيس دائرة المستشفيات في المديرية، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أنّ المكتب الصحي في غازي عنتاب جنوبي تركيا (كلاستر)، وهي منصة تجمع المنظمات والجهات الطبية العاملة في منطقة شمالي غربي سوريا، بالإضافة إلى مديريات الصحة ومنظمة الصحة العالمية، تعمل على ترويج المنشآت الطبية بهدف تأمين بديل داعم لها.
وبحسب "نعمة" فإنّ جميع ما ورد لـ"صحة إدلب" مجرد تطمينات لدعم جزء من المستشفيات التي توقف الدعم عنها، في حين أنّ مستشفيات أخرى لا يوجد أية بوادر اتجاهها إطلاقاً حتى اللحظة، منها مستشفى الداخلية.
وبيّن "نعمة" أنّ المديرية تعمل على تأمين بعض المواد اللوجستية ضمن الإمكانات المتوفرة، في وقتٍ تستمر فيه الطواقم الطبية بواجبها الإنساني في تلك المنشآت لتخديم السكّان".