أوقفت المنظمات الداعمة للقطاع الطبي شمال غربي سوريا دعم تسعة مشاف في إدلب، رغم الكارثة الصحية التي ينبئ بها انتشار فيروس "كورونا"، ومواجهة المنطقة لخروقات عسكرية مستمرة باستهداف المدنيين.
يعاني القطاع الطبي في إدلب ضغوط نقص الكوادر واستهداف النقاط الطبية وسط حاجات الدعم المادي واللوجسيتي والكثافة السكانية المتصاعدة، وفي حين لا يقتصر الدعم الطبي على جهة داعمة دون غيرها، تضيع الحاجات بين مبرر وآخر للتراجع عن العطاء.
أبرز المشافي التي علم تلفزيون سوريا بتوقف الدعم عنها في إدلب هي مشفى "الرحمة" في دركوش، و"السلام" في حارم، و"الهاند إن هاند" في كفرتخاريم، و"الإخلاص" في أطمة، و"إنقاذ روح" في سلقين، وشمل إيقاف الدعم مراكز صحية أيضاً.
فجوات صحية بعد توقف الدعم
مع عدم توفر التمويل الذاتي للقطاع الطبي تبقى العناية الصحية في المنطقة تحت رحمة المنظمات الدولية والطبية، وحصل تلفزيون سوريا على معلومات من عاملين في القطاع الصحي تفيد بأن الدعم انخفض بشكل كبير مؤخراً، ومن المتوقع إيقاف مستشفيات جديدة خلال الفترة القادمة.
وقال رئيس الرعاية الثانوية وشعبة المشافي، الدكتور يحيى نعمة، لموقع تلفزيون سوريا، إن منطقة شمال غربي سوريا تعاني من فجوات صحية حقيقة، وبعد تراجع الدعم زاد الضغط على الكوادر الطبية وعلى السكان، لأن تجاوز عدد المراجعين بكل عيادة بشكل عام إلى أكثر من مئة مريض يؤدي لنقص جودة الطبابة المقدمة، كما يمنع الازدحام تطبيق مبادئ الحد من انتشار العدوى بفيروس "كورونا".
وأوضح الدكتور نعمة أن توقف المنح كان تبعاً لنوع الداعم والمنظمة المانحة، لأن جميع المشاريع الطبية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ليست مستقرة ولايوجد تمويل ذاتي، ولهذه المنح تاريخ بداية وانتهاء، وهو ما كان سبب توقفها عن المراكز الصحية والمشافي مؤخراً.
ولم يؤد توقف المنح إلا لإغلاق مشفى واحد، كما أضاف الدكتور نعمة، وما زالت ثمانية مشافٍ مستمرة بتقديم الخدمة الطبية، بطريقة العمل التطوعي غير المأجور، مع تأمين دعم الأجهزة والمستهلكات الطبية من قبل مديرية صحة إدلب، مؤكداً أن جميع السكان في المنطقة متضررون من نقص وتراجع الخدمات الطبية ودعم المنشآت الصحية.
ضرر ونقص بالرعاية
بدأ مشفى "السلام" في حارم عمله منذ عام 2013، حسبما قال مديره الدكتور حسام قرة محمد، ولكنه اليوم، بعد توقف الدعم، بات لا يقدم سوى بعض الخدمات المحدودة بسبب نقص اللوجستيات والمستهلكات.
وأشار محمد إلى أن إيقاف الدعم يؤثر على الكوادر الطبية المرهقة بسبب جائحة فيروس "كورونا"، مبيناً أن العمل التطوعي ليس سهلاً وسط الضغوط الاقتصادية.
وأوضح الطبيب أن الداعم لم يجدد المنحة المالية بعد انتهاء العقد، ولا أفق للتجديد، ولكن حاجة السكان للرعاية الصحية تجبر العاملين على الاستمرار.
ولم يقتصر إيقاف الدعم على المستشفيات الطبية، بل ومنذ عام توقف دعم ثمانية مراكز رعاية صحية، أغلق ثلاثة منها بشكل نهائي.
وقال رئيس دائرة الرعاية الأولية في مديرية صحة إدلب، الدكتور عبد القادر الغنطاوي، إن إدلب تحتاج إلى ما يزيد على 180 مركزاً صحياً بسبب اتساع المنطقة الجغرافية، أما المتوفر حالياً هو 115 مركزاً منها 15 مركزاً يعملون بشكل تطوعي، أي أن المتوفر لا يكفي نصف السكان، وفق شروط تقديم خدمات الرعاية الأولية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية.
مدير مشفى "الرحمة" في دركوش، الدكتور أحمد غندور، تحدث عن أهمية المشفى الذي توقف عنه الدعم، فهو مختص في العمليات الجراحية الإسعافية بالإضافة للجراحة النوعية، مثل العصبية والعامة والبولية والصدرية والفكية والأنفية والحنجرة، إضافة لتقديمه خدمات أخرى في مجالات الداخلية والقلبية والصدرية والهضمية والأورام وقسم الأطفال وعناية الاطفال والحواضن وقسم المخبر والصيدلية والأشعة والطبقي المحوري وقسم غسيل الكلى.
ويخدّم منطقة بتعداد سكاني يصل إلى 750 ألف نسمة، جلهم من النازحين في المخيمات، وتوقف الخدمات له انعكاسات سلبية على حياة المرضى خاصة في فترة انتشار فيروس "كورونا" وحاجة الناس للمستشفيات، إذ قد يؤدي إلى زيادة ارتفاع الوفيات خاصة وأن المشفى يستقبل عدداً كبيراً من التحويلات بسبب الخدمات الواسعة الموجودة فيه.
وأشار الدكتور غندور، إلى أن تبرير توقف الدعم هو تخفيض المخصصات من الجهة الداعمة بنسبة 40 بالمئة، موضحاً أن كادر المشفى يعمل بشكل تطوعي وفق خطة الطوارئ، من حيث استخدام الأدوية والمستهلكات الطبية بانتظار عودة الدعم، قبل أن يضطر المشفى للوصول لمرحلة إيقاف العمل بشكل كامل، بسبب فقدان المخزون الاحتياطي.
لماذا لا يوجد تمويل ذاتي؟
بعد عشر سنوات من الثورة السورية، وفي بقعة جغرافية توالت عليها الحكومتان "المؤقتة" و"الإنقاذ"، ما زالت القطاعات الحيوية أسيرة للتمويل والدعم المتذبذب.
توجه موقع تلفزيون سوريا للدكتور سالم عبدان، مدير مديرية صحة إدلب، بسؤال حول سبب عدم توفير التمويل الذاتي للقطاع الصحي، فأجاب إن وسائل التمويل في القطاع الصحي عادة تكون إما عن طريق "الدولة"، من خلال الضرائب وموارد بيع واستثمار النفط والثروات الطبيعية، أو الوقف من خلال عمل عدة محال أو شركات أو مؤسسات لصالح تمويل القطاع الصحي، أو شركات التأمين التي تتيح اقتطاع مبلغ من المواطن لاستثماره ودفع جزء منه لعلاجه في حال مرض، أو القطاع الخاص، حين يدفع كل مريض التكاليف الخاصة به، أو من خلال التبرعات عن طريق الدول المانحة، "كما حالنا الآن" .
وأوضح الطبيب عبدان أن الوضع في الداخل السوري يفتقد لوجود "الدولة والوقف وشركات التأمين"، ما يجعل القطاع الخاص والمتبرعين الوسيلتين الوحيدتين لدعم القطاع الصحي.
واقترح "عبدان" أن يقوم رجال أعمال سوريون بوقف محال أو أراض أو شركات لتكون عائداتها مخصصة لتمويل المشافي والمستلزمات الطبية، ولتخفف من الأجور التي يضطر المواطن لدفعها.
تحذيرات وإحصائيات توضح التحديات الصحية
ذكرت الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، من خلال بيان صدر في 13 من تشرين الأول الحالي، أن نسبة إشغال غرف العناية المشددة في مشافي شمال غربي سوريا بلغت 93 بالمئة، مع نقص المعدات الأساسية تزامناً ارتفاع أعداد حالات المصابين بفيروس "كورونا"، مثل الأوكسجين ومعدات الاختبار واللقاحات.
أعداد المصابين بـ"كورونا" بلغت قرابة 80 ألف حالة مع منتصف شهر تشرين الأول، مع نسبة 61 بالمئة مسحات إيجابية من مجموع من يتعرضون للفحص، ولكن نسبة اللقاح في المنطقة لم تتعد 1.8 بالمئة لمن تلقوا الجرعة الأولى و0.8 بالمئة فقط لمن تلقى الجرعتين.
ووصفت منظمة أطباء بلا حدود الأزمة الصحية في الشمال بـ "أسوأ موجة لفيروس كورونا مرت على سوريا"، مشيرة إلى أن نقص الدعم للقطاع الصحي وعدم قدرته على اللحاق بالمتطلبات الصحية يجعل تقدير الحجم الحقيقي لانتشار الفيروس غير ممكن.
معاناة القطاع الصحي في الشمال الغربي غير محدودة بالانتشار الحالي للفيروس، مع استمرار العمليات العسكرية في المنطقة ووقوع نحو مئة قتيل خلال الأشهر الأربعة الأخيرة نتيجة خروقات وقف إطلاق النار من قبل نظام الأسد وحليفته روسيا، ما دعا المنظمة العالمية للتأكيد على ضرورة دعم المشافي والمنشآت الطبية كي لا تكون الجائحة سبباً بانهيارها التام.
هناك 16 مركزاً صحياً لاستقبال المصابين بالفيروس ويتم تحضير خمسة أخرى، وفقاً لإحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، كما خُصص 1.8 مليون دولار للاستجابة العاجلة هدفها تقديم المعدات الصحية العاجلة للمجتمعات الضعيفة المتأثرة بالمرض.
ومع اقتراب الشتاء ونقص الملاجئ الملائمة لسكان المخيمات، الذين تبلغ أعدادهم 1.7 مليون شخص، يُخشى من ارتفاع نسب الإصابة بينهم ما لم يتم التحرك سريعاً لاحتواء الفيروس، إذ بين تقييم مبادرة "REACH" أن 46 بالمئة من سكان الشمال الغربي يعتبرون كلفة العلاج الطبي مرتفعة، ولا يغطي دخل 96 بالمئة من السكان ما يحتاجونه من مواد أساسية للمعيشة خلال الشهر، كما أن 56 بالمئة منهم لا تتوافر الرعاية الصحية في منطقتهم المباشرة وإنما عليهم تحمل تكاليف النقل للوصول إليها، في حين اعتبر 50 بالمئة أن اكتظاظ المنشآت الصحية يعتبر عائقاً أمام الحصول على الرعاية اللازمة لمواجهة الفيروس.
وبلغت نسبة نقص معدات الحماية من فيروس "كورونا" في المنشآت الصحية 10 بالمئة، في التقييم الذي جمع إحصائياته خلال شهر آب الماضي، ونقص الكوادر الطبية بنسبة 16بالمئة، ونقص الأدوية والمعدات الصحية في المنشآت بلغ 49 بالمئة.
وأشار تقرير "أوتشا"، الصادر في 13 من تشرين الأول الحالي، إلى أن نقص التمويل يؤثر على القطاع الصحي ككل، رغم ازدياد الضغط بسبب انتشار الفيروس، إذ لم يتلق القطاع الصحي سوى 17 بالمئة من مجمل المساعدات المطلوبة لعام 2021، مع إيقاف الدعم الطبي واللوجستي لعدد من المشافي والمراكز الصحية التي تقدم خدماتها لأعداد كبيرة من السكان في المنطقة، نتيجة "مشكلات تمويلية" تعانيها المنظمات غير الحكومية، بينها المشفى الجراحي في الأتارب، والفردوس في دارة عزة، ومشفى IDA الخاص بفيروس "كورونا" في اعزاز.
ووفقاً لبيانات القطاع الصحي المشرف على الشمال الغربي ومنظمة الصحة العالمية فإن مجموع أعداد المراكز الصحية في إدلب بلغ خلال الربع الثاني من العام الحالي 261، ما بين مشافٍ وعيادات ثابتة ومتنقلة ومراكز رعاية مختصة، ولكن 66.1 بالمئة من مجموع المراكز الصحية في الشمال السوري فاعلة بشكل كامل، و9.7 بالمئة تعمل بشكل جزئي، و21.6 بالمئة لا تقدم الرعاية، في حين أن 2.6 بالمئة من المراكز لا تقارير عن حالتها.