لا يزال القطاع الطبي في مناطق شمال غربي سوريا يعيش حالة عجز كامل نتيجة ارتفاع منحنى الإصابات بفيروس كورونا على خلفية ظهور متحور دلتا شديد الانتشار، وهو ما دفع مجموعة من المنظمات الإنسانية إلى الإعلان عن حملة أطلق عليها اسم "نَفَس"، بهدف تأمين واقع طبي أفضل.
الحملة، التي تُنفّذ بالتعاون بين فريقي "ملهم التطوعي" و"حرية" ومنظمتي "بنفسج" و"الدفاع المدني"، تعمل بشكل مباشر على جمع التبرعات لدعم مديرية الصحة في إدلب والنقاط الطبية التابعة لها بما أمكن من المستلزمات العاجلة، بحسب القائمين عليها.
الأسرّة مشغولة بالكامل منذ 15 يوماً
ضرب متحور دلتا مناطق شمال غربي سوريا في آب الماضي، ونتيجة لسرعة انتشاره وارتفاع معدلات تأثيره على صغار السن، مقارنة مع الموجات السابقة، ظهرت أولى مؤشرات الأزمة، إذ ارتفع معدل المصابين الذين يحتاجون "للمنفسة" بشكل متسارع، وهو ما تسبب بزيادة نسبة إشغال الأسرّة تدريجياً حتى وصلت اليوم إلى حدها الأقصى.
لم يكن إشغال الأسرّة هو المشكلة الوحيدة التي واجهت الكادر الطبي، بل إن نقص الأكسجين الذي رافقه كان عائقاً أمام تقديم المساعدة لمئات المصابين، إذ سجّلت معدلات الإصابة قفزة مفاجأة بمعدل وسطي بلغ 1200 حالة يومياً .
مسؤول ملف كورونا في مديرية صحة إدلب، الطبيب حسام قره محمد، قال لموقع تلفزيون سوريا إن الأسرّة مشغولة بالكامل منذ أكثر من 15 يوماً، "وصلنا اليوم إلى العجز الكامل"، مضيفاً أن عشرات المصابين الذين هم بحاجة للمراقبة المركّزة "لا يزالون ينتظرون دورهم".
وفي سؤال حول قدرة القطاع الطبي على الصمود في وجه ارتفاع منحنى الإصابات، قال "قره محمد" إنهم يعملون ضمن الإمكانيات المتاحة، ويحاولون بشكل رئيسي تأمين أسرّة وأجهزة أكسجين، مشيراً إلى أن المنظمات "الدولية" المعنية لم تقدم لهم أي مساعدة حتى الآن "سوى الكلام".
توقف مؤقت عن إجراء المسحات
لم يقتصر النقص في المستلزمات الطيبة في المشافي على الأكسجين، بل تجاوز ذلك إلى نفاد مسحات فيروس كورونا، وهو ما دفع السلطات الصحية إلى إيقاف إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس مؤقتاً حتى تاريخ 11 من تشرين الأول الجاري في حال توافّرت.
فريق منسقو الاستجابة قال في وقت سابق إن المواد المخبرية اللازمة لإجراء التحاليل باتت نادرة، في حين ناشد "الجهات الدولية" للعمل على توريد المواد اللازمة "بشكل عاجل وفوري بسبب الأضرار المحتملة التي قد تنتج عن توقف عمل المسحات، وانتشار المصابين بالفيروس في المنطقة وعدم القدرة على معرفة تلك الحالات كونها مرتبطة بإجراء التحاليل".
حملة نَفَس.. "معاً ننقذ أنفاسهم"
بعد إعلان مديرية صحة إدلب عجز مراكزها عن استقبال مزيد من المصابين والنقص الكبير في المستلزمات الطبية، أطلقت المنظمات آنفة الذكر حملة "نَفس" في 30 من أيلول الماضي، حددت خلالها نطاق عمل رئيسي يهدف إلى تأمين أسطوانات أكسجين لسد العجز الحاصل.
وجاء في بيان إطلاق الحملة ما يلي: "إن الكارثة التي تهدد حياة أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا، بينهم أكثر من 1.5 مليون يعيشون في المخيمات لم تكن مفاجئة، بل كانت متوقعة بسبب الاستنفاد الكبير للقطاع الطبي واستهدافه المباشر من قبل قوات النظام وروسيا وتدمير بنيته التحتية، وغياب الخدمات الأساسية، وصعوبة تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي لا سيما في المخيمات".
وبحسب البيان، "يرجع العجز الحاصل في الاستجابة للنقص الكبير في أسرّة العناية المشددة البالغ عددها 173 سريراً، في حين يبلغ عدد المنافس 157 منفسة، وهي لا تغطي العدد الهائل من الإصابات اليومية التي يتجاوز متوسطها 1200 حالة"، وأضاف أن "النقص الحاد في الأوكسجين يتجاوز 50% من الاحتياجات البالغة 2156 جرة سعة 40 ليترا مغطى منها 1078 جرة فقط".
الحملة تأتي في إطار الاستجابة الطارئة لتأمين الاحتياجات المنقذة لحياة المصابين بفيروس كورونا، وليست "حلاً جذرياً طويل الأمد لما يعانيه القطاع الطبي من صعوبات"، بحسب البيان.
مدير فريق "ملهم التطوعي"، عاطف نعنوع، قال في تصريح لموقع تلفزيون سوريا إن الحملة جمعت عبر منصة الفريق حتى تاريخ اليوم، 9 من تشرين الأول، نحو 15 ألف دولاراً، مشيراً إلى عزمهم تخصيص مبلغ إضافي من "أموال الزكاة" (لم يحدد النسبة).
وأضاف أن دور الحملة سيتركز بشكل رئيسي على دعم الكوادر الطبية باللوجستيات والمستلزمات الطبية الأساسية، "نسعى حالياً لإدخال 400 أسطوانة أكسجين من تركيا إلى الشمال السوري، ونواجه صعوبات بسبب بعض المعاملات مع الجانب التركي".
وذكر أن القائمين على الحملة سيعملون في الفترة القادمة على زيادة أسرة العناية المشددة في بعض المشافي للتخفيف من العجز، وذلك بالتنسيق مع بعض المنظمات ومديرية الصحة في إدلب.
وتابع "نعنوع": "هناك نقص كبير في الأكسجين بالشمال السوري، للأسف لم يتم التوعية لهذه الموجة بشكل كامل مع أنها كانت متوقعة، وذلك لظن الأهالي أنها ستكون مشابهة للموجات السابقة، ولم يكن أحد على علم بتأثيرات متحور دلتا".
ويعتزم القائمون على الحملة، ضمن الخطة القادمة، إلى تأمين "مولّدة أكسجين"، وفي حال تأمّن سعرها البالغ قرابة 50 ألف دولار، فقد تحول دون الوقوع في خطر انقطاع الأكسجين من المشافي مستقبلاً.
كورونا في شمال غربي سوريا
وارتفعت أعداد المصابين بفيروس كورونا في شمال غربي سوريا لتتجاوز 76 ألف إصابة مسجّلة، متوزعة على محافظة إدلب ومناطق شمال وشمال غربي حلب.
وبحسب آخر إحصائية "لشبكة الإنذار المبكر" التابعة "لوحدة تنسيق الدعم"، الصادرة بتاريخ 6 تشرين الأول، بلغ إجمالي الحالات 76 ألفاً و789، من بينها 33 ألفاً و458 حالات نشطة، في حين توفي منها 1388 شخصاً وشُفي 42 ألفاً و372.
وازداد العدد الكلي للمصابين بالفيروس، منذ تاريخ 15 من آب الماضي (بداية الموجة) وحتى 6 من تشرين الأول الجاري بنسبة تجاوزت الـ 150 بالمئة، إذ كان عدد الحالات الكلي للمصابين لا يتجاوز الـ 28 ألفاً، في حين تخطى اليوم، وبعد شهرين فقط من موجة دلتا، حاجز الـ 76 ألفاً.